ما هو سر قوة وزير الخارجية الأردني ناصر جوده !


كتب :  أنيس خصاونة

لم يعد غريبا على المواطن الأردني أن يرى الحكومات تأتي وتذهب بسرعة فلكية فقد ألفنا أن تتغير الحكومة في العام الواحد مرتين أو ثلاث مرات علما بأن البهرجة والتلميع الذي يرافق تشكيل الحكومة وإظهارها على أنها اختيار ملكي حكيم لشخص رئيس الحكومة وبث كتاب التكليف لرئيس الحكومة الجديد يتم عرضه عدة مرات من على شاشات التلفزيون الأردني ويخصص عادة مذيع يتمتع بصوت مخملي رخيم وأسلوب حماسي ثخين لتناول بنود كتاب التكليف يتبعه صدور الإرادة الملكية بتشكيلة الوزارة التي بالتأكيد يختار الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة معظم وزرائها . حملة تلميع الحكومة غالبا ما يسبقها حملة رسمية خفية هدفها شحن الناس وتشكيل انطباعاتهم عن الحكومة الحالية وإظهارها بالضعف وعدم المسؤولية وعدم التجانس في فريقها الوزاري وعدم التجاوب مع الرؤى الملكية وغير ذلك من الحجج إلى أن يتم إهلاك رئيس الحكومة ونخر قواه من كثرة الإشاعات التي تشيعها الأجهزة الرسمية لدرجه أن رئيس الحكومة يصبح يتمنى أن يخلص من هذا المأزق أو المصاب الجلل الذي يعايشه ويشل قدراته على إدارة شؤون البلد.
قضية كثرة تغيير الحكومات لم تعد تؤخذ بالجدية والدلالات السياسية اللازمة والتبعات التي تتركها على استقرار السياسات الحكومية في شتى الجوانب بقدر ما أصبح الأردنيون ينظرون بشيء من الدعابة والطرافة المتعلقة بالحكومات المنصرفة أو المشكلة حديثا. ويذهب بعض المواطنون في تحليل ودراسة ظاهرة وزير الخارجية الأردني السيد ناصر جودة الذي سجل فترات قياسية في الخدمة كوزير خارجية في خمس حكومات متعاقبة! ما سر هذا الرجل وما هو مصدر قوته؟هل يعود مصدر قوة هذا الرجل إلى قدراته الفذة في الدبلوماسية وهل هو يعتبر مدرسة مهنية في مجال القيادة الدبلوماسية على غرار مدرسة كيسنجر أو مدرسة وزير الخارجية السوفيتي الأسبق اندرية غروميكوا، أو أنه صاحب مدرسة دبلوماسية مستقلة نظرا للإنجازات الهائلة التي حققها في مجال علاقات الأردن الدولية والصلات التي أنشأها مع قوى اقتصادية وسياسية عالميه أو نجاحات في تفاوضنا من أجل الانضمام لمجلس التعاون الخليجي أو غيره !
نعم ما سر أن يخدم الوزير في خمس حكومات ومع أربع رؤساء حكومات كل منهم له اتجاهات سياسية وأنماط قيادية وشخصية مختلفة وهو قابض على منصبة بشدة وبطريقة حديدية يصعب الإفلات منها؟ هل هي العبقرية أم صعوبة توفر البديل لدرجة تجعل كل رؤساء الوزراء يتمسكون في السيد ناصر جودة؟ وهل مصدر قوة السيد جودة أنه مفروض على رئيس الوزراء وانه يتم اختياره من الملك؟ وهل لعلاقة المصاهرة بين السيد جوده والأمير حسن تأثير على هذا النفوذ والقوة التي يتمتع بها الوزير الثابت في الحكومات المتعاقبة؟ وهل تفسر قوة الوزير جوده قيامه بانتقاد رئيس وزراءه والتهجم عليه من على شاشات الجزيرة حتى قبل أن يستقيل الرئيس من منصبه وهل يقع ذلك ضمن الجوانب المتصلة بأخلاقيات وأدبيات الدبلوماسية واللياقة العامة؟ أم أن الرجل كان يصرح بما أمر به وأنه كان منفذا لأوامر عليا ولم يتصرف من فراغ؟
يعتقد بعض المواطنين الذين تمازجنا معهم أن السيد جودة لا يتمتع بقدرات دبلوماسية غير عادية وأنه أصلا ليس ممن تدرج في السلك الدبلوماسي كما أن إدارته لوزارة الخارجية اتسمت بالضعف وعدم العدالة في التعيينات الجديدة او المناقلة في أوساط السفراء والدبلوماسيين، والعشوائية في تعيين من هم أقل رتبة في السلك الدبلوماسي في مواقع دبلوماسية عليا علما بأن هناك من هم برتب تؤهلهم لذلك ولا يعملون شيئا. في عهد الوزير جودة تم تعيين من هم في الصف الثالث في السلك الدبلوماسي في رتبة سفير وتم التوسع لا بل والإفراط في استخدام هذه المبدأ ألجوازي في القوانين الناظمة للعمل الدبلوماسي في الأردن وذلك ربما خدمة لبعض المحسوبين على الوزير أو معارفه وأصدقائه.
يبدوا للبعض أن سر قوة وزير الخارجية ناصر جودة لا تكمن بمعظم ما قيل عن الكفاءة والجدارة والمهارات الدبلوماسية غير العادية ولكن تكمن في الصلات مع الديوان الملكي وأن رئيس الحكومة ليس له خيار في اختيار وزير الخارجية سواء ناصر جودة أو غيره مما يجعل هذا الوزير غير آبه وغير مكترث لرئيس وزراءه لان تعيينه وبقائه مرهون بالملك وليس برئيس الوزراء. الوزير ناصر جودة ذا نفوذ كبير ويمارس صلاحياته على كادر وزارة الخارجية بطريقة يغلب عليها حكم الشخص الواحد وأعتقد أن وزارة الخارجية بأمس الحاجة لإعادة هيكلة كوادرها وتشريعاتها وأنظمتها وينبغي أن يتم ذلك من قبل جهات مهنية مستقلة من خارج الوزارة ودون تأثير من وزيرها الحالي . هذه الوزارة ينبغي أن تكون محور دراسة وتمحيص للوقوف على التعيينات والتنقلات فيها والحظوة التي ينالها البعض في اختيار المواقع المرغوبة والإفراط في تعيين رتب من الصفوف والرتب الدبلوماسية الخلفية في المواقع القيادية المتقدمة.
استمرار وزير الخارجية الأردني لمدة خمس سنوات تغيرت فيها عدة حكومات ليس مؤشرا لا على كفاءته ولا نبوغه الدبلوماسي حيث أن وزير الخارجية ناصر جودة وكل العاملين في الوزارة عبارة عن موظفين بيروقراطيين تنفيذيين لا يستطيع أحدهم أن يصرح تصريحا بسيط عن أي قضيه إلا بالرجوع لمصادر أعلى.نعم وزير الخارجية السيد جوده يستمد قوته من الديوان الملكي وهو يدير وزارة سيادية دون أي رقابة أو إشراف من رئيس الحكومة وبالتالي فلا غرابة أن يستمر ربما لسنوات عجاف طوال في هذا المنصب ليسجل أطول فترة في خدمة وزير خارجية بعد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والسيد فاروق الشرع وزير الخارجية السوري الأسبق وسيبقى كثير من الأردنيين ينظرون بأسف شديد إلى عدم قدرة النظام السياسي على العثور على بديل أو تهيئة بديل لهذه الكفاءة الفذة التي تم استنفاذ كل ما لديها خلال السنوات الخمس الماضية.نعم الأرديون أصبحوا يسخرون من تشكيل الحكومات والتنبؤ بشخوصها وبالتحديد وزير خارجيتها لأنه لا يجوز التنبؤ بما هو مؤكد ومعروف مسبقا .