لا يوجد ما يخشاه الاسد !!

طورت امريكا نموذجا خاصا بها لسلوكها مع الفرد والجمهور، وتجاه الداخل والخارج معا: فالولايات المتحدة في اثناء تباحث أو تفاوض أو اختلاف شديد في الرأي مهما يكن تمنح حليفها وعدوها ثقة كبيرة، وهي تؤمن بتصريح ضريبة الدخل من المواطن وتساوم بشدة لكنها تقبل الالتزام الكلامي لحكومة اجنبية على أنه حقيقة منتهية. فاذا لم يحترم العدو أو الشريك بعد ذلك التزامه فانها تعاقبه بوحشية تقريبا وتعاقبه زمنا طويلا.

حذِر رؤساء الحكومات في اسرائيل من دافيد بن غوريون فصاعدا ألا يُضبطوا مع الكذب بالانكليزية. وفضل من كان أكثرهم تطرفا في ظاهر الامر، أعني اسحق شمير، على الدوام ان يُشاجر وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر على ان يطرح له إغراء كاذبا لا يفي به بالفعل لأن الجميع عرفوا ماذا تكون العقوبة. ولا يعني هذا ان العقاب الامريكي كان عدلا دائما لكنه 
كان مؤلما دائما.

كانت الولايات المتحدة تستطيع السلوك بحسب هذا الطراز ما كان العالم ثنائي القطب وحينما كانت القوة العظمى الوحيدة بعد سقوط سور برلين، وتغير الوضع نفسيا في الأساس فلم تعد العقوبة الامريكية تردع.
ولم يعد زعماء مختلفون يخشون ان يُضبطوا مع كذب على شفاههم، فيمكن تضليل واشنطن من غير ان يقع عقاب منها أو من السماء.
في ذروة مفاوضة ايران جاء نبأ عن مؤتمر حلف شمال الاطلسي يقول ان دول الغرب تدرك ان طهران لن تتخلى عن مشروعها الذري؛ وتحدثوا في اسطنبول وفي بغداد عن خفض تخصيب اليورانيوم من 20 في المائة الى 5 في المائة الى ان تبين ان ايران قفزت بصورة مفاجئة الى 27 في المائة. وهي لا تخشى ان تراها امريكا دولة احتيال دائمة فقد سبقتها الى ذلك كوريا الشمالية.

مع هذه المعطيات ما الذي يدعو بشار الاسد الى خشية التصريح الامريكي بأنه حان وقت تبديله؟ انه يذبح أبناء شعبه بلا رحمة ويقصف بلا تمييز. 

وفي الحولة وحمص لا يطلق الجيش الرصاص المصبوب فقط على المواطنين بل يقذف كميات مجنونة لم يسبق لها مثيل. سيصعب على فلسطيني نزيه غاضب على اسرائيل ان يقول شيئا سيئا في الجيش الاسرائيلي حينما يرى ما يفعله أخ سوري باخوته.

ليس باراك اوباما ساكتا. فهو يقترح ان يترك الاسد الحكم مقابل الحصول على لجوء سياسي. وهو يعتمد ايضا على فلاديمير بوتين ليُخرج حبات الكستناء من النار من اجله. وهو رئيس روسيا الذي كان مسؤولا عن القمع في جمهورية الشيشان وكان موجها للاسد في ادارة حرب أهلية. فهذا أمر لا يخطر بالبال. وزبائنه هم ايران وحزب الله والاسد، فهو يستثمر عندهم ولهذا يحميهم واوباما لا يردع أحدا بجدية، ولهذا لن يتجرأ.

لم يعد الاسد يخاف. ولن يهب بوتين لمساعدة اوباما. فروسيا نادمة لأنها ساعدت الغرب في ليبيا ولن تكرر ما يبدو لها خطأ يضر بسياستها التقليدية التي هي إرساء مرساة في 'المياه الدافئة' للبحر المتوسط. فاذا لم يستطع اوباما ان يواجه سوريا فلا احتمال تقريبا لأن ينجح في مواجهة ايران وكوريا الشمالية.
القدس العربي