جملة معترضة

اخبار البلد 
في واقع ينقسم إلى من يزهو بتخلفه ويشهره كالعورة، ومن يخجل منه فيغطيه بمختلف مساحيق التجميل. علينا ألا ننتظر من الحقيقة أكثر من نصفها. ولأن حداثة النعمة شملت مظاهر كثيرة منها الديمقراطية بطبعتها العربية، فإننا كلما حاولنا تكحيل عين أصبناها بالعمى.. هكذا تحول الحوار المتلفز عبر شاشات المصارعة والملاكمة كبديل للمكالمة الى خوار، أي الى ثيران مشتبكة بقرونها وليس بمنطقها أو عقولها.
حتى المناظرات المتلفزة، تحولت الى ما هو أشبه بكتاب «مثالب العرب» أو العجم، بحيث يسرد كل متناظر أمام الملأ قائمة بسيئات خصمه، وتكون الحصيلة قائمة مزدحمة بسيئات الاثنين معاً، مما يفتح الطريق امام ثالث لم يتورط بهذه المسرحية.
انها مناظرات حول السير الذاتية للاشخاص وبالتحديد حول ما مضى فقط، أما المستقبل وماذا أعد له هذا الطرف أو ذاك من خيل أو خيام ومن حرية أو خبز، فهو خارج المدار والحلبة.
والشخصنة ليست كما يتصور بعض مستخدمي المصطلحات المنزوعة من سياقاتها، والأشبه بالحجارة الكريمة في جدران الطين، مجرد احساس كثيف بالفردية، انها مرحلة ما قبل حضارية، لأنها تقترن بالمحسوس وليس المجرد، وبالتالي فهي نقيض المفاهيم أو الافكار التي يتطلب التعامل معها قدراً من التجريد.. لهذا نحن من الشعوب التي تضيق ذرعاً وتختنق من الموسيقى اذا طالت قبل ان يبدأ الغناء. ذلك لأنها نمط من هذا التجريد.
ولكي لا نبتعد ويتحول الكلام الى لوغرتمات دعونا نتخيل حواراً أو مناظرة بين اثنين من الطرشان، لا يسمع أحدهما الآخر لأنه منهمك في سرد ما أعده للخصم وهو مواقف الادانة والتخويف وما يتفرع عنهما.
ان من يصاب بحادث سير أو بارتخاء مفاصله، يحتاج الى تأهيل رياضي قد يطول قبل ان يعود الى ما كان عليه، رغم ان اجدادنا الذين نصحونا بقولهم فالج لا تعالج كانوا على ما يبدو هم الادرى بشعاب هذه التضاريس.
نريد ديمقراطية يضاف اليها بوليصة تأمين بحيث تكون نتائجها لصالحنا فقط، وحين نكون الخاسرين نفعل ما يفعله اللاعبون عندما يغضب احدهم ويمزق الورق، أو ما كنا نسميه في طفولتنا.. خربطة اللعبة!
ونريد الشفافية اذا كانت تحول الآخر الى ابو بريص بحيث تتضح احشاؤه كلها، لكننا لا نريدها اذا كان لنا اية علاقة بها، لأننا بحكم تربويات لم تفحص عيناها السامة حتى الآن نريد الستر لأنفسنا والفضائح لغيرنا، كي تجد النميمة وطاحونتها ما تعلكه من لحوم الناس.
من ثرثروا طويلاً عن الثورة الفرنسية لم يقولوا انها أنجبت الامبراطور بونابرت أو قطعت راس عالم الفيزياء لانوازيه ورمته في سلة القمامة، أو دحرجت رأس شارلوت كورديه الذي ظل حياً لنصف دقيقة أو اكثر.. ولم يقولوا لنا ان كل فعل عظيم في تاريخ الشعوب ينتظر زمناً كي يفرز بغرباله الصارم زؤان الانتهازيين وركاب الموجات وذوي الاقنعة عن قمع الثوار الحقيقيين الذين غالبا ما يحرمون من قطاف شجرتهم الباسقة.. فمتى ندرك ان تجميل الأنف لا علاقة له بأمراض الرئة وتجميل الفم لا علاقة له بما يصدر عنه من كلام!