نظرة نحو التغيير

في إضاءة للأمل ، وفي سعينا للتغيير نحو الأفضل ، وفي طريقنا الى إزالة جميع السلبيات وجعل الحياة تسير بانتظام واتساق ، فالكون يسير بانتظام ، والنفس لا تهوى الفساد ، والفطرة مبنية على الخير و السلام ، والعقل يكره الكذب والغش والخداع ، والنفس تعشق النظام والعيش في سلام واطمئنان . 

سأتحدث في هذه الإضاءة بشكل خاص ، عن مكان يقدم الخدمة لشريحة واسعة من المواطنين كمثال ، ولكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير ، بحث يمكننا تعميمه على جميع مناحي الحياة وفروعها ، وفي مختلف الأماكن وعلى مختلف المستويات . 

إنّه مستشفى الأمير فيصل بن الحسين ، هذا الصرح الطبي الذي نعتز ونفخر والموجود في مدينة الرصيفة ، هذا المستشفى ومنذ فترة قصيرة تمّ تجديده وتحسين مرافقه ، بحيث أصبحت المباني والتجهيزات على مستوى عال من الكفاءة والإتقان ، ولكن بقي الحال كما هو من حالة فوضى جزئية وانتظار ، فقد زرته يوم أمس مساء بسبب حالة مرضية وتفاجأت بما رأيت من سوء للتنظيم ، فمثلا : وقفت ما يقارب الربع ساعة أو يزيد بجانب الطبيب المناوب ليقول لي بالنهاية وبعد كل هذا الإنتظار :" اذهب الى الطبيب في العيادة هناك " ، فلماذا جعلني انتظر طويلا ! حيث أنه ذهب وجلس على مكتبه ويتكلم الى هذا وذاك والمواطنين ينتظرونه لينتهي من كلامه وأحاديثه الجانبية " حقه طبعا ! "، أمّا بعد ذلك وقد ذهبت الى الطبيب في العيادة كما أشار عليّ الطبيب فقد كان الكثير من المرضى مصطفين بشكل عشوائي أمام باب العيادة ، يدخل هذا ويخرج ذاك مع عدم وجود للنظام واحترام للدور وأنا أسميه من غير وجود ذوق وأخلاق ! 

ليس هذا ما أزعجني بقدر أنه أتى شخص وقال للمواطنين " الرجاء الاصطفاف على الدور " ولكن وكأنه يتكلّم مع الجدران ، فلا أحد يكترث ، ففاجأني وقال :" أنا شفتي إنتهى من زمان والموظف المناوب الآن أبصر وينه " ، هذه الجملة أثارت حفيظتي وأدركت حينها أن موظّفا من المفروض أن يكون على باب العيادة لينظم المرضى ويسهل عملية دخولهم ، ليس هذا الذي أزعجني فقط ، فعندما أتى دوري " تقديرا طبعا لأنه لا دور أصلا " وهممت بالدخول إلى الطبيب تفاجأت وإذ بشخص شاب أتى من بعيد " ما كان من ضمن الموجودين أبدا " وأراد الدخول بالتزامن معي عند الطبيب ، فعندها نفذ صبري وقلت له : "إذا سمحت فيه دور " فتفاجأت برده حيث قال : " أنا بداوم هون بالعمليات " طبعا هو خارج وظيفته الآن وبدا أنه ممرض ، فقلت له : " أهلا وسهلا ، بس فيه دور إذا سمحت " فقال لي : " شو أعملك ، ودخل معي الى الطبيب ، طبعا بغض النظر أنّ الطبيب قام بتقديم اللازم لي قبله ، ولكن لماذا يكون موجود داخل العيادة في اللحظة الذي أنا فيها أتلقى العلاج ! " . فسؤالي : هل إن كنت على معرفة بالطبيب ، أيخولني ذلك التعدي على النظام وعدم احترام الآخرين ؟! 

أودّ الإشارة هنا ، أننا جميعا في وطننا الأردن الكبير نعرف سين وصاد من المسؤولين هنا أو هناك ، فإن كلّ منا استغلّ هذه المعرفة " في بعض الأحيان ولا أريد التعميم " عمّ بذلك الفوضى والتخبّط في مختلف مجالات الحياة ، وهذا أعدّه نوعا من الفساد ، فالكثيرون يخرجون في مسيرات ويرفعون الشعارات ، ويطلقون الإتهامات ، وهم أنفسهم لا يتقيدون بأبسط الأمور وأسهلها .
أنا لا أريد في مقالي هذا اتهام شخص محدد بعينه ، فلا مصلحة لي بذلك ، ولا أريد اتهام هذا المستشفى بذاته ، فبالرغم من ذلك كله إلّا أنه وكغيره من الصروح الطبية المتميزة في أردن الخير والعطاء يقدّم الخدمة المثلى لشريحة واسعة من المواطنين ، وأنا على جزم بأنّ كل هذه التجاوزات فردية ولا تمثل المستشفى بأكمله ، ولكن هي جزئية رأيتها بالمصادفة أنارت بصيرتي للحديث عنها ، ليس من أجلها ولكن من أجل النظام الذي نفتقده في مختلف الدوائر الحكومية تحديدا ، وفي بعض الأحيان إن لم يكن في أغلبها ناجم عن قلة الشعور بالمسؤولية من قبل العديد من المواطنين الذين يعيشون نوعا من اللامبالاة ويعيشون على مبدأ " اللهمّ نفسي " ! فهل هذا هو ديننا ، وهل هي عاداتنا وتقاليدنا ؟! 

نحن نطالب بالتغيير ، ونسينا أن نغيّر ما في أنفسنا أولا ، وتناسينا أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حى يغيروا ما بأنفسهم ، فلنبدأ من الآن بتغيير أنفسنا للأفضل ونحو الخير والمحبة والسلام ، نحو الصدق والعدل والمساواة ، نحو الصفات الفضلى و الأخلاق العالية ، نحو عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية التي تتنافى مع الإعتداء على حقوق الآخرين ولنتذكر أيضا أنّ للحرية حدود فلا حرية مطلقة ، حيث أنّ حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين . 

كلّي أمل بنشامى الوطن الأعزاء بأن يبدؤوا بالتغيير من أنفسهم وكلّ من مكانه ، سعيا الى التطوير في هذا البلد الطيب ، والنهوض به والإرتقاء بالمستوى الذي نعيش نحو الأفضل .