خطابات المديح والتبجيل لا تعكس الرضا الشعبي عن النظام السياسي
اخبار البلد_ ا.د . أنيس خصاونة
تنفرد
شعوب الدول النامية في تبجيل زعمائها وتفخيمهم وإضفاء صفات العظمة عليهم
لدرجة أن المرء يحار في مدى صدق ما يسمعه من كلمات يتفنن أصحابها في إيجاد
مصطلحات تنسب كل تطور أصاب كل ذرة من تراب البلاد إلى جهود القائد ناهيك عن
إضفاء صفات الرؤيا الثاقبة والقيادة العظيمة وغيرها على القائد الذي
يستمرئ بدوره المديح وينشرح له صدره لا بل وفي كثير من الأحيان يتم مكافئة
هؤلاء المادحين المداحين بالأعطيات أو المواقع أو المنح أو الجاه والسلطان.
لا أعلم كيف يقبل هؤلاء القادة المديح المزيف الذي يخالف واقع الحال حيث
أن كثير من الدول النامية إن لم يكن معظمها تعاني من الفقر والبطالة
والمديونية وانتشار الفساد والتطاول على مقدرات الوطن ومؤسساته .
لا أعلم كيف يقبل هؤلاء القادة ترتيب مسرحيات المدح والأهازيج والأغاني
التي تمجد القائد وتظهره وكأنه مخلوق قادم من كوكب آخر أو كأنه ليس بشرا
يأكل ويشرب ويمرض ويتزوج النساء ويصيب ويخطئ !
أحد ملوك الدول العربية يسجد المواطنون للملك ولأبنائه ويقبلون أحذيتهم في
حين أن تنشر الخرافات عن قدسية زعيم إفريقي عتيد، أما الأكثر اعتدالا من
هؤلاء القادة فإنه يضع يده على موازنة الدولة ويطلق يد أعوانه في مال الشعب
ليجمعوا الثروة والأرصدة في حين أن شعبه يتضور جوعا.
محير أمر هؤلاء القادة وهم الذين يسافرون إلى كل أنحاء المعمورة ويرون
القادة في الدول المتحضرة وهم تحت مراقبة الشعب ويخضعون للمسائلة والمحاسبة
والدفاع عن قراراتهم في كل يوم .
هل
سمع أحد عن أغاني تمجد أوباما أو كميرون أو ميركل أو غيرهم ؟ المديح يبدوا
أنه خصوصية من خصوصيات الأنظمة غير الديمقراطية التي تستعيض عن المسائلة
للقيادة بالتبجيل والمديح الذي على ما يبدوا يعمل عمل غسيل الدماغ للناشئة
ويضفي على القيادة الفذة صفات غير بشرية.
الوضع
في الأردن ليس ببعيد عما هو شائع في كثير من الدول النامية. سمعنا منذ
نعومة أظفارنا مئات الخطابات الرنانة التي تمدح الملك وتعظمه بعد الله لا
بل فقد شاهدنا بأم أعيننا كيف أن التعرض للذات الإلهية أهون من حيث العقوبة
القانونية من التعرض لشخص الملك والذي قد يترتب عليه محكمة أمن الدولة
وتوجيه تهمة إطالة اللسان وقدح مقامات عليا.
نتساءل بعد سماعنا للعديد من خطابات المدح التي أصبحت" فن متخصص في
الأردن" لو كانت هذه الخطابات صادقة وحقيقية لما كنا في هذا الوضع السيئ في
الأردن.
العباقرة والمفكرون السياسيون والاقتصاديون الذين أوصلوا المملكة
للمديونية والوضع الاقتصادي الموشك على الانهيار ورؤساء الوزراء والوزراء
ومدراء الأجهزة الأمنية كلهم جاءوا بإرادة القيادة ونتاج قراراتها فأي نظر
ثاقب نتحدث عنه أيها المداحين المتزلفين إذا كنا اليوم نعيش في أحلك الظروف
الاقتصادية والسياسية ، وإذا كان 60% من شعبنا الأردني يعيش تحت خط الفقر،
وإذا كانت معدلات البطالة قد وصلت لأكثر من 17% من القوى العاملة، وإذا
كان الأردن غير قادر على إنارة شوارعه ليلا ناهيك عن قدرته على تعبيدها
وإدامتها.
لو كنت مكان الملك لأخرست هؤلاء الممالئين الكذابين والمنافقين الذي
يعكسون الحقائق ويقولون كلاما يبتغون من وراءه أعطيات تماما مثلما كان
الشعراء والمداحون يقولون المدح مقابل المال عند أبواب السلاطين .
مذهل
والله وأنا أستمع لبعض الخطباء من المسؤولين يقولون كلاما عن وضع الأردن
الاقتصادي المتين وعن الاستقرار السياسي في المملكة علما بأن الاقتصاد
الأردني الآن هو في الأسوأ حالا منذ أكثر من 40 عاما كما أننا شهدنا أربع
حكومات خلال الأربعة شهرا الماضية فأي استقرار تتحدثون عنه.
لقد اعتقدت بأن هؤلاء النفر يتحدثون عن دولة غير الأردن لديها فوائض مالية
وميزانها التجاري يعكس صادرات وطنيه هائلة تحقق مبالغ معتبرة من القطع
الأجنبي أو زيادة في معدلات الناتج القومي الإجمالي وكذلك معدلات الدخل
الفردي. الخطباء المداحون لا يعدمون الوسيلة في إبراز أي تقدم في الأردن
وإظهاره على أنه من منجزات النظام لدرجة أنني لا أستغرب أن ينسبوا زيادة
نسبة المواليد في الأردن إلى براعة النظام السياسي وحكمته ونظرته الثاقبة.
خطابات المدح والتزلف للنظام هي نفاق ودجل وضحك على الذقون وهذه الخطابات
لا تعكس بأي حال من الأحوال مدى الرضا الشعبي عن أداء النظام السياسي .
مدى الرضا الشعبي عن أداء النظام السياسي يعكسه ما يقوله الناس والمظاليم
والمعوزين والمشردين والمرضى والمحرومون أمنيا من العمل وذلك من على شاشات
الفضائيات وأعمدة الصحف الإلكترونية والإذاعات الصباحية والندوات
والمحاضرات في مجمعات النقابات وما ترفعه المسيرات الشعبية والإعتصامات
والإضرابات عن العمل.
الأردنيون لم تعد تجذبهم تلك الكلمات الرنانة والخطابات المنافقة للملك
والمسئولين لأنهم يعرفون أن هذه الكلمات لا تعدوا كونها للاستهلاك المحلي
وأنها لا تمثل واقعهم ومعاناتهم ، لا بل فإن بعض إن لم يكن معظم خطباء
المدح والتبجيل يعرفون أن خطاباتهم خالية من المضامين والمحتوى وأنها لا
تغني ولا تسمن أحد باستثناء أنفسهم وأبنائهم .
المداحون وصوليون وهم أعداء ليس فقط للنظام والملك ولكنهم أعداء للوطن
وللشعب لأنهم يضللون الملك والمسئولين ويظهرون وضع الوطن والمواطنين على
غير حقيقته ويعززون اتجاهات العظمة والطغيان لدي أولي الأمر.