مصر .. انتصار العلمانية وعودة الناصرية
اخبار البلد
هبطت القوة التصويتية للإخوان المسلمين المصريين من 42 بالمئة
من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات البرلمانية إلى حوالي 25 بالمئة من الأصوات
في انتخابات الرئاسة، أي أنهم خسروا 17 بالمئة من ناخبيهم خلال بضعة شهور. ولا شيء
في أداء الإخوان وبرامجهم وقدراتهم السياسية، يسمح لهم باسترداد ما خسروه من تأييد
شعبي. بالعكس، إن قوتهم الجماهيرية سوف تتدهور أكثر فأكثر، وستتقلّص في حدود الدائرة
الإخوانية لا غير. والأسباب وراء هذا الإتجاه الهابط عديدة، لكن أهمها تورّطهم في صفقات
متتالية مع العسكر، واستعدادهم لتقديم التنازلات المجانية للأميركيين والإسرائيليين،
والضعف المريع لأدائهم البرلماني، ومسعاهم للاستئثار بكل المواقع، بما فيها مقاعد الهيئة
التأسيسية التي تتطلب طبيعة مهمتها الدستورية، مشاركة كل الأطراف الوطنية على قدم المساواة.
المرشح الإخواني الرئاسي، محمد مرسي، لن يستطيع تحقيق الفوز
على مرشح النظام السابق، أحمد شفيق، من دون الحصول على الكتلة التصويتية السلفية والإسلامية
المستقلة، والكتلة التصويتية الناصرية ـ اليسارية. وهو استحقاق له أثمان سياسية في
الشراكات التي ستشكّل قيودا على الإخوان وتلجمهم. والمشكلة أن طرفيّ هذه الشراكات متناقضان
جوهريا؛ فلكسب أصوات السلفيين ينبغي على الإخوان، السير خطوات إلى الوراء بشأن الدولة
المدنية والعلمانية، ولكسب أصوات الناصريين اليساريين، فلا بدّ لهم من السير خطوات
إلى الأمام، ربما تتعارض مع مبادئهم وبرامجهم السياسية. وقد يركن الإخوان إلى توفيقية
ملفّقة، ظهرت في دعوتهم المتأخرة والانتهازية لإقامة جبهة وطنية يظنون أنه يمكنهم أن
يتفلتوا من شروطها لاحقا. لكن ذلك التكتيك سينقلب عليهم ويفقدهم ثقة القوى والجماهير
نهائيا. الخيار الثاني الأسوأ، هو العودة إلى التحالف مع العسكر .. وبشروط الأخيرين.
قد ينجح الإخوان في عقد سلسلة من الاتفاقات تسمح لهم بالحصول
على موقع الرئاسة، لكن رئيسهم سيكون كالبطة العرجاء، والأهم أنه لن يكون بوسعه فرض
برنامج لأسلمة الدولة المصرية. لقد حصلت قوى الإسلام السياسي مجتمعة على حوالي 13 بالمئة
فقط من إجمالي الهيئة الناخبة المصرية. وهي نسبة قد تسمح بالحكم وإدارة الشؤون السياسية
والاقتصادية، لكنها لا تسمح بتغيير هوية الدولة المدنية. فمثل هذا التغيير يحتاج إلى
أغلبية كاسحة.
نستطيع القول إن مصر استردت وعيها المدني والعلماني في الانتخابات
الرئاسية، وأكثر من ذلك ظهر، من خلال نتائج حمدين صباحي، أنها بدأت تستردّ، أيضا، وعيها
الناصريّ.
ولكي ندرك الأهمية السياسية النوعية لفوز صباحي بأكثر من
21 بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين، علينا أن نتذكر نقطتين هما:
أولا، أن حجم الأموال التي قدّمها الخليج للإسلاميين
" والمُباركيين "، خلال 16 شهرا من انتفاضة 25 يناير، وصل، حسب تقديرات محمد
حسنين هيكل، إلى حوالي ملياريّ دولار! وقد تابع المراقبون، بالفعل، تدفق المساعدات
العينية الإخوانية والمالية " المباركية " على الناخبين، في حين خاض صباحي
حملة نظيفة محدودة التكاليف اعتمدت على الجهود النضالية. وهذا يعني أن صباحي حصل على
أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون من الأصوات الحرة التي أيدت برنامجه السياسي عن
وعي، ولم تخضع لمؤثرات معنوية أو مالية.
ثانيا، أن عمليات التزوير التي شابت الانتخابات الرئاسية
المصرية تركزت ضد حمدين صباحي، ما حدا به إلى الطعن القضائي في نتائج خمس محافظات.
معنى ذلك أن الناصرية هي قلب مصر الحيّ. وستعود.
اخبار البلد
هبطت القوة التصويتية للإخوان المسلمين المصريين من 42 بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات البرلمانية إلى حوالي 25 بالمئة من الأصوات في انتخابات الرئاسة، أي أنهم خسروا 17 بالمئة من ناخبيهم خلال بضعة شهور. ولا شيء في أداء الإخوان وبرامجهم وقدراتهم السياسية، يسمح لهم باسترداد ما خسروه من تأييد شعبي. بالعكس، إن قوتهم الجماهيرية سوف تتدهور أكثر فأكثر، وستتقلّص في حدود الدائرة الإخوانية لا غير. والأسباب وراء هذا الإتجاه الهابط عديدة، لكن أهمها تورّطهم في صفقات متتالية مع العسكر، واستعدادهم لتقديم التنازلات المجانية للأميركيين والإسرائيليين، والضعف المريع لأدائهم البرلماني، ومسعاهم للاستئثار بكل المواقع، بما فيها مقاعد الهيئة التأسيسية التي تتطلب طبيعة مهمتها الدستورية، مشاركة كل الأطراف الوطنية على قدم المساواة.
المرشح الإخواني الرئاسي، محمد مرسي، لن يستطيع تحقيق الفوز على مرشح النظام السابق، أحمد شفيق، من دون الحصول على الكتلة التصويتية السلفية والإسلامية المستقلة، والكتلة التصويتية الناصرية ـ اليسارية. وهو استحقاق له أثمان سياسية في الشراكات التي ستشكّل قيودا على الإخوان وتلجمهم. والمشكلة أن طرفيّ هذه الشراكات متناقضان جوهريا؛ فلكسب أصوات السلفيين ينبغي على الإخوان، السير خطوات إلى الوراء بشأن الدولة المدنية والعلمانية، ولكسب أصوات الناصريين اليساريين، فلا بدّ لهم من السير خطوات إلى الأمام، ربما تتعارض مع مبادئهم وبرامجهم السياسية. وقد يركن الإخوان إلى توفيقية ملفّقة، ظهرت في دعوتهم المتأخرة والانتهازية لإقامة جبهة وطنية يظنون أنه يمكنهم أن يتفلتوا من شروطها لاحقا. لكن ذلك التكتيك سينقلب عليهم ويفقدهم ثقة القوى والجماهير نهائيا. الخيار الثاني الأسوأ، هو العودة إلى التحالف مع العسكر .. وبشروط الأخيرين.
قد ينجح الإخوان في عقد سلسلة من الاتفاقات تسمح لهم بالحصول على موقع الرئاسة، لكن رئيسهم سيكون كالبطة العرجاء، والأهم أنه لن يكون بوسعه فرض برنامج لأسلمة الدولة المصرية. لقد حصلت قوى الإسلام السياسي مجتمعة على حوالي 13 بالمئة فقط من إجمالي الهيئة الناخبة المصرية. وهي نسبة قد تسمح بالحكم وإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية، لكنها لا تسمح بتغيير هوية الدولة المدنية. فمثل هذا التغيير يحتاج إلى أغلبية كاسحة.
نستطيع القول إن مصر استردت وعيها المدني والعلماني في الانتخابات الرئاسية، وأكثر من ذلك ظهر، من خلال نتائج حمدين صباحي، أنها بدأت تستردّ، أيضا، وعيها الناصريّ.
ولكي ندرك الأهمية السياسية النوعية لفوز صباحي بأكثر من 21 بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين، علينا أن نتذكر نقطتين هما:
أولا، أن حجم الأموال التي قدّمها الخليج للإسلاميين " والمُباركيين "، خلال 16 شهرا من انتفاضة 25 يناير، وصل، حسب تقديرات محمد حسنين هيكل، إلى حوالي ملياريّ دولار! وقد تابع المراقبون، بالفعل، تدفق المساعدات العينية الإخوانية والمالية " المباركية " على الناخبين، في حين خاض صباحي حملة نظيفة محدودة التكاليف اعتمدت على الجهود النضالية. وهذا يعني أن صباحي حصل على أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون من الأصوات الحرة التي أيدت برنامجه السياسي عن وعي، ولم تخضع لمؤثرات معنوية أو مالية.
ثانيا، أن عمليات التزوير التي شابت الانتخابات الرئاسية المصرية تركزت ضد حمدين صباحي، ما حدا به إلى الطعن القضائي في نتائج خمس محافظات.
معنى ذلك أن الناصرية هي قلب مصر الحيّ. وستعود.