مصعب يضع بالبنزين والنار حدا لحياته احتجاجا على "فصله" من شركة الكهرباء

اخبار البلد_ أقدم الثلاثيني مصعب، صباح الخميس، على وضع حد لحياته، بعد أن رفضت شركة الكهرباء الأردنية، إعادته إلى وظيفته، ليحرق نفسه بمادة شديدة الاشتعال، أمام مبنى الشركة الكائن في عمان حيث فارق الحياة.


وبحسب، والده، فإن مصعب وجد في الانتحار "أفضل وسيلة للتعبير عن فقره المدقع وحاجته الملحة للعمل".


وأكد والده أن مصعب مضى عليه في عمله في شركة الكهرباء نحو خمس سنوات، وتزوج قبل نحو عام، ورزق بطفلة قدر لها أن تعيش يتيمة الأب وعمرها سبعة أشهر.


ويقطن مصعب في أحد أزقة منطقة الهاشمي الشمالي، في منزل تصل أجرته الشهرية إلى نحو 120 دينارا، بينما يقطن والده وباقي أفراد الأسرة المكونة من ثمانية أفراد بجانبه في منزل متهالك مسقوف من صفيح.


ولكون والد مصعب عاطلا عن العمل، فإن مصعب كان المعيل الوحيد لعائلته وأسرته في الوقت ذاته، إذ لا يملك سوى راتبه الذي يصل إلى 400 دينار، يقتطع حوالي نصفه بسبب قرض بنكي، كما يدفع أجرة منزله، وبالتالي لا يبقى سوى حفنة من الدنانير، ولهذا كان مصعب، بحسب والده، يعتمد على ما تدر له ساعات العمل الإضافي من أجر.


وكان مصعب يعمل فنيا في قسم الورش في شركة الكهرباء، وبسبب خلافات في العمل مع مرؤوسيه، قرروا نقله الى العمل في مجال الضغط العالي، وبالتالي ثار غضبه كون العمل في هذا القسم لا يشتمل على عمل إضافي، وبالتالي ألحق هذا القرار بمعيشة أسرته وعائلته ضررا ماديا بالغا.


ونتيجة لهذا القرار، الذي رأى فيه مصعب إجحافا بحقه، توجه إلى مرؤوسيه في العمل، محاولا الاعتراض لغايات إنسانية، وعلى الرغم من أنه أوضح ظروفه المأساوية لهم، إلا أنهم "تلاسنوا ولم يتشاجروا معه"، بحسب ما ذكر مسؤول من شركة الكهرباء.


وأكد والده أنهم قاموا بطرد مصعب من الشركة، بعد أن أعطوه إجازة مدتها عشرة أيام، بداعي أنه موقوف عن العمل.


وأضاف والده الذي كان في طريقه إلى بيت الدفن الإسلامي تمهيدا لدفنه، وعيناه قد اغرورقتا بالدموع "لقد حاولنا جاهدين حل الخلاف مع مسؤوله الذي يزعم أنه تعرض للضرب من قبل مصعب، لكن الأخير رفض استقبالنا في منزله أكثر من مرة"، مطالبا الشركة بصرف جميع مستحقاته.


لكن، مدير شركة الكهرباء الأردنية مروان بشناق، نفى أن تكون الشركة فصلت مصعب، مبينا أنه "تم الاستغناء عن خدماته وأخذ كامل حقوقه رغم أن قانون العمل يعاقب من يعتدي بالضرب على مديره بالفصل".


وبين أن لجنة تم تشكيلها للنظر في شكوى مديره "نظرت بإنسانية" لظروف مصعب، لذلك قررت الاستغناء عن خدماته وليس فصله.


ونفى بشناق، أن يكون أي من موظفي الشركة يتعرض لمضايقات لمشاركته في إضراب العمال الذي تم تنفيذه مؤخرا، مؤكدا أن حرية التعبير محفوظة للجميع.


وقال بشناق إن الشركة ستصدر خلال اليومين المقبلين بيانا توضح فيه ما حدث، معولا على "وعي وإدراك" عمال شركة الكهرباء الذي طلب منهم عدم الانسياق الى ما وصفه بأنه "أخبار غير دقيقة".


أما ابن خاله، فيؤكد أن مصعب فصل من عمله، حيث قال إن مصعب توجه إلى مقر الشركة، وهناك طلبوا منه أن يوقع على استقالته بدلا من فصله التعسفي، لكن مصعب رفض التوقيع، فطلبوا منه مغادرة المكان ليفاجأ بفصله لاحقا.


وقال أحد أصدقائه الذي يمتلك مقهى إنترنت في منطقة الهاشمي، إن مصعب كان في المقهى صباحا ولم تبد عليه أي بوادر للانتحار، مضيفا "استفسرت منه عما جرى بقضيته في العمل، لكنه لم يبلغني بقرار فصله".


وبحسب شهود عيان كانوا بالقرب من موقع الحادثة التي جرت أمام شركة الكهرباء في خلدا، كان مصعب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يقول "ظالمين يا شركة الكهرباء ظالمين".


وكان الدفاع المدني حضر الى موقع الحادثة، وأسعف مصعب إلى مستشفى المدينة الطبية، غير أنه وصل الى قسم الطوارئ متوفى.


وتحمل تفاصيل ما قبل الانتحار وقائع غريبة، منها أن مصعب أرسل إلى بعض أصدقائه ومعارفه رسالة "مسج" على هواتفهم النقالة قبل ساعة من انتحاره، تقول "سامحوني يا إخوان، سأحرق نفسي أمام مقر الشركة، لا تنسوا دمي".


وبادر أحد زملائه، ويدعى محمد العوضي، ممن وصلته "المسج" الخميس الساعة السادسة صباحا، بالاتصال بمصعب، مستفسرا منه عن فحواها، فقال له مصعب "مش بس الجيش بيقدم شهداء، شركة الكهرباء بتقدم شهداء كمان"، منهيا المكالمة، وبعدها بربع ساعة كان قد أحرق نفسه بعد أن سكب كمية كبيرة من البنزين على جسده.


أما المتابعون لصفحة مصعب على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، بحسب أصدقائه الذين فإنهم يستشعرون مدى التزامه الديني من جهة، وحسه الوطني والقومي، فالصورة الشخصية التي يستقبل بها أصدقاءه على الصفحة، هي صورة "علم الثورة السورية" التي تملأ أخبارها موقعه، حتى إن بعض التعليقات التي ترده على ما ينشره على الصفحة تشير الى اعتقادهم بأنه سوري وليس أردنيا.


ويدرج مصعب الكثير من الأحاديث الدينية في ملفه الشخصي على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي "بروفايله"، ما يشير إلى التزامه الديني، وهذا أمر يؤكده أصدقاؤه في الشركة، الذين قالوا إنه "ملتزم بالصلاة وبالتعاليم الدينية".


زميل آخر مقرب منه، فضل عدم ذكر اسمه، قال "إن فكرة الانتحار كانت أبعد ما تكون عن ذهن مصعب، فهو شاب مرح خلوق وملتزم ولا يؤذي أحدا، لكنه تعرض لضغوطات شديدة خلال السنة الأخيرة أثرت على نفسيته بشكل كبير".


ولم تكن الضغوط على مصعب وليدة اللحظة، فهو من أسرة تعاني فقرا شديدا، وهو الوحيد الذي يعمل بشكل دائم، حيث إن لديه شقيقين يعملان على نحو متقطع في المصانع وبرواتب متدنية جدا، وله شقيق آخر يدرس في ألمانيا، كما أنه متزوج ولديه طفلة لا يتجاوز عمرها عاما واحدا.


وحول خلافاته مع مرؤوسيه، تتعدد الروايات من قبل زملائه، إذ إن اثنين منهم أكدا أن المسؤول عن مصعب بدأ بمضايقته بعد اشتراكه في الإضراب الذي نفذه عمال شركة الكهرباء مؤخرا، في حين أكد زميل آخر أن سبب حرمانه من العمل الإضافي يعود إلى غيابه المستمر عن العمل، لكن أصحاب الرواية الأولى يتساءلون "لماذا انتظر المسؤول عنه إلى ما بعد الإضراب ليحاسبه على الغياب المستمر وليس قبل ذلك؟".


أما الغياب عن العمل فله قصة يرويها زملاء كثر له، حيث أجمعوا على أن مصعب كان من أكثر العمال التزاما بعمله، وهذا الأمر يمكن التأكد منه من خلال سجلات الدوام في الشركة، لكنه قبل أشهر قليلة تعرض لإصابة عمل عطلت يده اليمنى، فاضطر بعدها إلى الغياب لمراجعة الأطباء.


وثمة مشكلة أخرى، أشار اليها أحد الزملاء، حيث قال إن الشركة لم تعتبر إصابة مصعب "إصابة عمل"، على الرغم من إحضاره تقارير طبية تؤكد ذلك، ولهذا لم يشملها التأمين الصحي للشركة، فاضطر مصعب لشراء العلاج على حسابه الخاص، ما كبده المزيد من المصاريف.


ويقول أحد زملائه "عندما دخل مصعب ليشكو إلى مسؤوله ضيق حاله وعدم استطاعته متابعة العمل في وحدة شبكة الضغط العالي، بعد إصابته، رفض مديره الاستماع إليه وطرده من المكتب"، وفي المرة الثانية طلب منه أن يحضر بديلا له، وبعد جهد كبير استطاع مصعب إقناع أحد زملائه بأن يتبادل معه.


وقبل أسبوعين، وتحديدا بتاريخ العاشر من الشهر الحالي، دخل مصعب مرة أخرى إلى مسؤوله، راجيا إياه أن يلحقه بالعمل الإضافي حتى يستطيع الإنفاق على عائلته، وأقسم له أن ابنته مريضة وبحاجة إلى علاج، فضلا عن المصروفات الأخرى التي لا يستطيع الالتزام بها، بعد حرمانه من العمل الإضافي.


وأضاف زميله المقرب إن مصعب قال له إن المسؤول بدأ بالصراخ عليه، وتوجيه الإهانات له، واستفزه إلى درجة جعلته فاقدا لأعصابه، فاعتدى عليه بالضرب، ليرد عليه المسؤول بالأسلوب نفسه، إلى أن تدخل بعض الموظفين للتفريق بينهما.


أما زملاؤه الذين اجتمعوا أمس، فقد قرروا بمبادرة من النقابة المستقلة لعمال شركة الكهرباء، تنفيذ وقفة احتجاجية أمام شركة الكهرباء الأحد المقبل تحت عنوان "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، للمطالبة بوقف قرار فصل مصعب، لضمان حق عائلته في الحصول على تعويض مالي من الشركة، وراتب شهري.


كما أصدرت النقابة أمس بيانا أكدت فيه أنها "تحمل كامل المسؤولية لإدارة الشركة عن القيام بفصله، لأن الكي آخر العلاج وليس أوله".


وأكدت النقابة أن سبب ما حدث يعود إلى سياسة الشركة التي اتبعت وتتبع حاليا بعد الإضراب الذي حصل في الشهر الماضي، حيث باتت تتبع أسلوب "الكيل بمكيالين بين العاملين، وبخاصة بعد تعميم المدير العام الأخير، والذي ميز بين العاملين". وكان مدير الشركة أصدر تعميما بعد انتهاء الإضراب، وصف فيه العمال ممن لم يضربوا بـ"المخلصين"، وصرف لهم مكافأة مقدارها 200 دينار.