اخبار البلد
إن لم يكن ما يجري في سوريا الآن، هو "الفوضى الشاملة” و”الحرب الأهلية”، فما هي الفوضى وما هي الحرب الأهلية إذن...مناطق شاسعة لا سيطرة للدولة عليها...عنف واغتيالات وتفجيرات تتنقل من منطقة إلى أخرى...عمليات خطف واسعة النطاق، باتت تطال السائحين وقوافل الحجيج والمقيمين، وعلى خلفيات مذهبية وطائفية...نزوح سكاني وعمليات إخلاء قسرية لقرى وأحياء على الخلفية ذاتها...تبادل للمخطوفين و”الأسرى” يجري بوساطة محلية وإقليمية، حيث هنا، وهنا فقط، يتبادل النظام والمعارضة الاعتراف أحدها بالآخر.
هي الحرب المفتوحة على المدى الطويل، و”الترانسفير الجماعي للسكان” والخرائط الجديدة لسوريا بكل مكوناتها بعد أن دخلت "الدولة” في مرحلة التآكل في هيبتها وشرعيتها وفاعليتها ومؤسساتها...هي الحرب المفتوحة على كافة أشكال التدخل الإقليمي والدولي، القائم فعلياً على الأرض، وليس المُنتظر كما يظن كثيرون...هذه هي الحال من دون زيادة أو نقصان.
وهي الحرب التي تلقي بظلالها على لبنان يوماً بيوم وساعة بساعة...”الدولة” في لبنان أيضاً تتعرض للتآكل لجهة هيبتها وسيادتها على ترابها وسلامة مؤسساتها واستقلالية قضائها...هي الأزمة السورية، إذ "تتنفس مواجهات وانقسامات واعتقالات وقطع شوارع وحرق دواليب وقتلى وجرحى...هي الأزمة السورية إذ أعادت للبنانيين صور الحرب الأهلية وكوابيسها البشعة...هذه هي الصورة من دون "رتوش”.
إيران لاعب كبير في سوريا ولبنان، وهي لا تخفي مشروعها في حماية النظام في سوريا و”الطائفة المحرومة” في لبنان (اللبنانيون الشيعة”...والسعودية لاعب كبير هنا وهناك أيضاً، وهي تجهر بعدائها للنظام في سوريا وإصرارها على حماية "الطائفة المظلومة” في لبنان، في إشارة إلى "اللبنانيين السنّة” على وجه الخصوص، كما ورد في رسالة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الرئيس اللبناني ميشيل سليمان....وتركيا لاعب رئيس، في سوريا على الأقل، حتى أنها أول من أستهدفت بالاتصالات للإفراج عن "الحجاج اللبنانيين الشيعة” المختطفين من قبل "الجيش السوري الحر” أو بعض الجماعات السورية المسلحة...لكأنها باتت عنواناً ثابتاً لكل هؤلاء.
ما جرى في "أعمال حلب” يظهر تراجع هيبة الدولة السورية وسلطانها على أراضيها، وإلا كيف يمكن تفسير اختطاف قافلة "حجيج” بقضها وقضيضها، على مرمى حجر من ثاني أكبر مدينة في سوريا وعاصمتها التجارية والصناعية...وما جرى في طرابلس وعكار في لبنان، يظهر تراجع هيبة الدولة اللبنانية وسلطانها على أراضيها، وإلا كيف يمكن تفسير سلسلة التنازلات الأمنية والقضائية والسياسية التي قدمتها "الدولة” على حساب استقلالية قضائها وهيبة جيشها وضباطه، أمام مجاميع شعبية غاضبة وحانقة، تغذي غضبها "ماكينة جبارة” من الشحن المذهبي والطائفي، وحالات تفلت وتهديد بالتمرد وإعلان قيام "الجيش اللبناني الحر”.
مظاهر النصر احتاجت "ثوار سوريا” فقد أسقطوا في قبضتهم مجموعة من "الروافض” أسرى ومختطفين (هنيئاً لهم)...ومظاهر البهجة عمّت الأوساط السلفية في لبنان، ولقد شهدنا على شاشات التلفزة اللبنانية ما يقطع بأن هذا التيار "قادم لا محالة”، وأنه سيأخذ في طريقه الأخضر قبل اليابس، حتى أنه بات من اليوم، قوى خارج كل سيطرة، حتى من قبل حلفائها ورعاته و”الناطقين المدنيين” باسمه، وهم كثر وبأسماء مختلفة.
هذا هو اللاعب الثالث الذي طالما أكثر الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس فريق المراقبين الدوليين إلى سوريا من الحديث عنه في الأيام الأخيرة...لاعب معلوم تماماً، ومعلومة هي الجهات التي تدعمه وتغذيه...لاعب لا يعترف بحدود هنا أو خطوط حمراء هناك...حمص بالنسبة إليه كطرابلس، وعكار عن "ثواره” امتداد لتل كلخ والتلبيسة...فالمعركة بالنسبة لهؤلاء واحدة، والعدو واحد، والساحة واحدة والداعمون هم أنفسهم من قبل ومن بعد.