تداعيات السياسة الخارجية لترامب في 2026

كرّس الرئيس دونالد ترامب عامه الأول بتركيز مكثف على إنهاء نزاعات خارجية معقدة، في مسعى لترسيخ إرثه بوصفه «رئيس السلام».
لكن الرئيس يدخل العام الجديد وهو مثقل بملفات خارجية عالقة، من الحرب المستمرة في أوكرانيا إلى تصاعد التوتر مع فنزويلا.

 
 

 

ولا توجد مؤشرات كثيرة على أنه يعتزم صرف النظر عن الجغرافيا السياسية، وهو توجه قد يصطدم بعام انتخابات نصفية يُتوقع أن تهيمن عليه مخاوف المعيشة وتكاليف الحياة.


وقال ماثيو بارتليت، الاستراتيجي الجمهوري والمسؤول السابق في إدارة ترامب: «كل رئيس في ولايته الثانية يرغب دائماً في الانخراط أكثر في السياسة الخارجية وترسيخ إرث دائم في كتب التاريخ. لكن أولويات الرأي العام الأميركي تبقى مرتبطة بالحاضر وحياتهم اليومية… القدرة على تحمل التكاليف، السكن، الكهرباء والمرافق، التعليم، الرعاية الصحية، والمواد الغذائية».


وقبل عطلة الأعياد، قال البيت الأبيض إن ترامبيخطط لتنظيم تجمعات جماهيرية منتظمة للحديث عن ما تعتبره الإدارة إنجازات في خفض التكاليف.


وأمضى ترامبمعظم وقته العلني في مار-أ-لاغو مركزاً على الشؤون الخارجية. وحتى الآن، التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأجرى مكالمتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.


وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي إن الرئيس «انتُخب بتفويض واضح لتطبيق سياسة خارجية قائمة على مبدأ أميركا أولاً»، واستخدم أجندته «لجلب الاستثمارات والنتائج الملموسة» إلى الولايات المتحدة.


وأضافت: «لقد حقق إنجازات عبر التفاوض على اتفاقات تجارية أكثر عدالة، وتأمين تعهد من حلفاء الناتو بإنفاق دفاعي بنسبة 5%، والقضاء على شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بالإرهاب، وغيرها، وفي الوقت نفسه أنهى ثماني حروب، ما جعل العالم أكثر أمناً واستقراراً». وأكدت أن «الرئيس سيعمل دائماً على تحقيق السلام عبر القوة وتعزيز المصالح الأميركية في الخارج».


وخلال مقابلة مع بوليتيكو هذا الشهر، شدد ترامبعلى أن هدفه من السفر إلى الخارج هو دائماً تعزيز قوة الولايات المتحدة. وقال: «عندما أذهب في رحلة، لا أضع في ذهني سوى مكان واحد: الولايات المتحدة».


لكن بعض الجمهوريين باتوا يشعرون بالقلق من اهتمام الرئيس، الذي يرفع شعار «أميركا أولاً»، بحل النزاعات الخارجية. فقد أظهرت استطلاعات الرأي مراراً تصاعد قلق الناخبين بشأن الأوضاع المعيشية، واستعدادهم لتحميل الجمهوريين المسؤولية، رغم إصرار إدارة ترامبعلى أن الرئيس السابق جو بايدن هو من تسبب في أي ضعف اقتصادي.


ومع طي صفحة 2025، إليكم أبرز ملفات السياسة الخارجية التي سيرثها


الحرب في أوكرانيا مستمرة بلا حلول سهلة


تدخل الحرب في أوكرانيا عامها الرابع في فبراير، من دون أفق واضح للنهاية.
ورغم محاولات ترامبجمع بوتين وزيلينسكي على طاولة اتفاق سلام، ما زال الكرملين يماطل في المحادثات، ويرفض وقف إطلاق النار قبل التوصل إلى اتفاق شامل، ويواصل قصف أوكرانيا بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

 


وبدت أحدث المحادثات في مار-أ-لاغو أكثر إيجابية من سابقاتها، إذ أبدى ترامبتفاؤلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب مع إحراز تقدم في مسألة الضمانات الأمنية لكييف. غير أن الكرملين سارع إلى تبريد هذه الآمال، متهماً أوكرانيا بشن هجوم بطائرة مسيّرة على مقر إقامة بوتين، وهو ما وصفه زيلينسكي بأنه «حيلة روسية».


ولا يزال مصير إقليم دونباس، الاستراتيجي في شرق أوكرانيا، العقدة الأساسية لدى الطرفين، من دون مسار واضح للتوصل إلى اتفاق.


وقد وافق زيلينسكي على تحويل الـ15% المتبقية من دونباس الخاضعة لسيطرة أوكرانيا إلى «منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح»، لكن روسيا رفضت الفكرة. ويمنح التحكم بالإقليم الجيش الروسي منفذاً إلى الخنادق الأوكرانية، بينما يخشى الأوكرانيون ألا تتوقف موسكو عند هذا الحد إذا قررت شن هجوم جديد.


ورغم الاتصالات المتكررة مع ترامب، تواصل روسيا طرح مواقف قصوى، تشمل منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وفرض قيود على حجم جيشها، والسيطرة الروسية الكاملة على دونباس. كما رفض بوتين لقاء زيلينسكي قبل إعداد خطة سلام يقبلها الرئيس الروسي.


اتفاق غزة يتعثر


لعب ترامبدوراً رئيسياً في التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس ضمن خطة سلام أوسع، بعد نحو عامين من القتال في غزة. ورغم تراجع وتيرة القتل، يواجه المسؤولون صعوبة في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة، التي تشمل تثبيت وقف النار، وتبادل الرهائن والأسرى، وزيادة المساعدات الإنسانية. وهددت إسرائيل في بعض الأحيان باستئناف القتال بسبب ما تعتبره انتهاكات من جانب حماس.

 


ومن أبرز نقاط الخلاف في المرحلة الثانية رفض حماس نزع سلاحها. وتصر الحركة، التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، على حقها في «المقاومة المسلحة» ضد الاحتلال الإسرائيلي. وحذر ترامبهذا الأسبوع حماس من أن عدم نزع السلاح سيؤدي إلى «عواقب وخيمة».


وتبرز تحديات أخرى، من بينها إقناع دول بإرسال قوات للمشاركة في «قوة استقرار دولية» لتأمين أجزاء من غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يتبادل الطرفان الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار. وقد قُتل مئات الأشخاص، معظمهم فلسطينيون، منذ بدء الهدنة في أكتوبر.


وتتطلب عمليات السلام متابعة دبلوماسية حثيثة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامبتمتلك الكوادر والخبرة الكافية لتنفيذ رؤيتها. وأي تصعيد جديد في غزة قد يهدد أحد أبرز إنجازات ترامبفي السياسة الخارجية حتى الآن.


ترامب يشدد الضغط على مادورو


قال ترامبهذا الأسبوع إن الولايات المتحدة «قضت» على «منشأة كبيرة» مرتبطة بتهريب المخدرات في فنزويلا، في خطوة قد تكون أول هجوم بري معروف داخل البلاد منذ بدء واشنطن استهداف ما تُعرف بقوارب تهريب المخدرات الفنزويلية. (ورفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على تقارير تحدثت عن ضربة بطائرة مسيّرة استهدفت رصيفاً في الأراضي الفنزويلية خلال ديسمبر).

 


وتشير هذه الخطوة إلى تصعيد كبير في حملة الضغط المستمرة منذ أشهر لإجبار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على التنحي. ولم يستبعد ترامبهذا الشهر خيار الحرب مع فنزويلا، وقال إن «أيام مادورو باتت معدودة».


وقد أدت التوترات المتصاعدة مع فنزويلا إلى انقسام داخل تيار «أميركا أولاً»، الذي بناه ترامبجزئياً على تعهد إبقاء الولايات المتحدة بعيداً عن التورط الخارجي. وحذر معارضو التدخل من أن الإطاحة بمادورو قد تزعزع استقرار المنطقة وتجر واشنطن إلى صراع طويل الأمد.


وتُظهر استطلاعات حديثة أن غالبية الأميركيين، بنسبة 63%، يعارضون العمل العسكري داخل فنزويلا، فيما يعارض 53% توجيه ضربات عسكرية لقتل مهربين مشتبه بهم في البحر.


لكن هذه الأرقام لم تردع ترامبحتى الآن. ففي ديسمبر، صعّد الضغوط عبر الإعلان عن حصار وخطط لتصنيف حكومة مادورو منظمة إرهابية أجنبية. كما صادرت السلطات الأميركية ناقلة نفط فنزويلية هذا الشهر، وأمر ترامبفي نوفمبر بإغلاق المجال الجوي الفنزويلي.
توتر محتمل مع طهران


انضم ترامبإلى إسرائيل في يونيو في شن هجمات على منشآت نووية إيرانية، ضمن حرب قصيرة استهدفت أيضاً برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. وبعد 12 يوماً من القتال والتدخل الأميركي — بما في ذلك ضربة بقنبلة خارقة للتحصينات قال ترامبإنها «دمّرت بالكامل» البرنامج النووي الإيراني — نجح في فرض وقف القتال بين إسرائيل وإيران.


لكن المخاوف تتزايد الآن من أن إيران تعيد بناء برنامجها النووي، ما قد يشعل جولة جديدة من الصراع تستدعي تدخلاً أميركياً مجدداً.
وحذر ترامبمن أنه إذا أعادت إيران إحياء برنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة «ستضربهم بقوة». كما لمح إلى دعم واشنطن لإسرائيل إذا شنت هجمات على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني المعاد بناؤه. وقال الرئيس الإيراني إن بلاده سترد على أي عدوان «بشكل قاسٍ ومؤسف».


ويمثل الملف الإيراني نقطة توتر داخل قاعدة «ماغا»، حيث يرغب كثيرون في تقليص دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكان البعض يأمل أن يكون تدخل يونيو حدثاً عابراً، فيما تزداد مشاعر الإحباط لدى جزء من القاعدة تجاه إسرائيل، باعتبار أنها تجر واشنطن إلى صراعات لا تخدم المصالح الأميركية.


انفراج محدود مع الصين


خفّت حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين في الأشهر الأخيرة بعد توصل ترامبوالرئيس الصيني شي جين بينغ إلى هدنة تجارية لمدة عام في أكتوبر. لكن هذا الانفراج يبدو هشاً.

 


فقد أعرب مشرعون في الكونغرس عن شكوكهم بشأن التزام بكين بتعهداتها، ومنها تقليص تدفق المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل وشراء كميات محددة من المنتجات الزراعية الأميركية.


كما لا تزال ملفات أخرى عالقة، بينها اتفاق المعادن النادرة الذي كان يفترض إنجازه قبل عيد الشكر، والتكتم حول تقارير تفيد بأن شركة «بايت دانس» أنهت بيع «تيك توك».


وتتجاوز تحديات 2026 مع الصين الجانب التجاري، إذ تهدد بكين بغزو تايوان، ما قد يفتح جبهة جديدة في السياسة الخارجية.


وقد كثفت الصين استعداداتها هذا العام، وكشفت عن نظام جديد من السفن العسكرية المصممة للإنزال على شواطئ الجزيرة.


وأعربت الصين عن غضبها من احتمال تنفيذ أكبر صفقة أسلحة أميركية لتايوان، بإطلاق صواريخ وإجراء تدريبات جوية وبحرية طوقت الجزيرة. ووصفت بكين الحصار العسكري المحاكى بأنه «تحذير شديد» ضد الانفصاليين و«التدخل الخارجي»، فيما وصفت تايوان الصين بأنها «أكبر مدمّر للسلام».


وقال ترامبللصحفيين هذا الأسبوع إنه لم يُبلّغ مسبقاً بالمناورات العسكرية، لكنه قلل من شأنها، مشيراً إلى أن الصين «تجري تدريبات بحرية في تلك المنطقة منذ 20 عاماً».