جلال الرفاعي وداعاً..

اخبار البلد 
بكل مشاعر الحزن والأسى، ودعت الاسرة الصحفية والإعلامية بالأمس واحداً من مؤسسي فن الكاريكاتير في الأردن، عمل من خلاله على أن تتحدث ريشته بلغة يعجز بالتعبير عنها اللسان، أو حتى الكلمة المكتوبة.
رحل الأخ والصديق ورفيق الدرب جلال الرفاعي، مخلفاً وراءه إرثاً كبيراً من الفن الرفيع، والجرأة على قول الحق والحقيقة، من خلال الآلاف المؤلفة من رسوماته الكاريكاتيرية، والتي تناول فيها كل ما يشعر به الإنسان من ظلم، وغبن، وجحود، وكان يسلط الضوء بريشته على هموم الوطن والمواطن، بطريقة بارعة، ويلخص من خلال رسوماته ما تعجز الصفحات عنه الصفحات المملؤة بآلاف الكلمات.
عرفت جلال الرفاعي منذ صدور العدد الأول من الدستور، وكان الخطاط الرئيسي فيها، إذ أنه في عام 1967 لم يكن أحداً يعرف شيئاً عن الكاريكاتير، وكانت الدستور تمتلئ بالعناوين التي يكتبها جلال، والتي كانت ترد إليه أولاً بأول من عند رئيس التحرير آنذاك أستاذنا المرحوم بإذنه تعالى ابراهيم سكجها.
لم يكن جلال متلقياً لهذه العناوين، بل كان صاحب رأي فيها أيضاً، وكان يقترح تعديل جزء من العنوان، أو حتى تغييره في بعض الأحيان إنطلاقاً من معرفته بالسوق، وماذا يريد المواطن، لأن بائع الصحيفة في اليوم التالي كان يصرخ بأعلى صوته مردداً أهم العناوين «البياعة» والتي تجلب المواطن إليها.
كان عنوان أبشع جريمة قتل في عمان على سبيل المثال يهز المجتمع بأسره، وترى الصحيفة التي تحمل هذا العنوان قد تبخرت خلال وقت قصير.
في مطلع السبعينيات، بدأ جلال الرفاعي رحلته مع الكاريكاتير في الدستور، والتي كانت وما زالت رائدة هذا الفن الرفيع، وقاسى جلال الرفاعي ورئاسة التحرير الشيء الكثير، فلم يكن رئيس الوزراء أو أي وزير، أو حتى مدير دائرة قد اعتاد على أن الرسم الكاريكاتيري له، وكان الوزير يرغد ويزيد وهو يتحدث بالهاتف لأن جلال قام برسمه ولم يعجبه الأنف الطويل، أو الوجه الكشر، إلى أن بدأ المسؤول بتقبل مثل هذا النقد، وبدأت صحف أخرى تأخذ عن الدستور، وكان رسام الكاريكاتير بعد ذلك في صحيفة «الرأي» زميلنا المرحوم بإذنه تعالى رباح الصغير، حيث شكلا ثنائياً فريداً من نوعه، وانتشر فن الكاريكاتير في الأردن، فيما طلبت العديد من الصحف العربية من جلال أن يزودها برسوماته.
لقد انحاز جلال دائماً إلى صف المواطن، وكان يقرأ كل كبيرة وصغيرة، ويستمع إلى مشاكل الناس، لتأتي رسوماته عبر ريشته الجميلة معبرة تمام التعبير عما يجيش في الصدور ليتم تداولها بين الموظفين والمواطنين على حد سواء.
غاب جلال، لكن رسوماته، واعماله ستبقى خالدة، فالكتب التي أصدرها، والعطاء الذي قدمه على مدار عدة عقود ما زالت حية بيننا وأن ما رسمه جلال قبل ثلاثين عاماً، يصلح لأن يعاد نشره لأنه سيعطي نفس المدلول، فمشاكلنا ما زالت نفس المشاكل وهي الغلاء.. والفقر.. والبطالة لكنه أضاف إليها أمراضاً في المجتمع لم نكن نتوقعها، أو نصادفها من قبل، وهي غريبة علينا وعلى عاداتنا وتقاليدنا.
رحمك الله يا أخي جلال رحمة واسعة وأسكنك فسيح جنانه لقاء ما قدمت للوطن والمواطن، ولا أقول لك وداعاً.. ولكن إلى اللقاء.. فنحن جميعاً على هذا الدرب لأن الخلود لله وحده جلت قدرته.