"لن يحدث شيء دون حماس".. خطة غزة "الأوضح" تشمل قطارات ومدارس ومستشفيات وساحلا فاخرا و"55 مليار دولار"

في رؤية تعدالأوضح منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن خطة أمريكية أعدها فريق من كبار مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب، تحت اسم "مشروع شروق الشمس".

تهدف الخطة، بحسب الصحيفة، إلى تحويل قطاع غزة المدمر إلى مدينة عصرية تعرف بـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، مدعومة ببنية تحتية ذكية وسياحة فاخرة، شريطة أن تتخلى حركة حماس عن سلاحها.

الخطة، التي وضعها ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، ومستشار البيت الأبيض جوش غرونباوم، خلال الأسابيع الخمسة والأربعين الماضية، تتصور عملية إعادة إعمار تمتد لأكثر من عشرين عاما، بتكلفة تقدَر بـ112.1 مليار دولار في العقد الأول وحده.

وتستند الخطة إلى رؤية أعلن عنها ترامب في وقت مبكر من العام الحالي، قبل انتهاء الحرب، تدعو إلى تحويل 70% من ساحل غزة إلى "وجهة سياحية فاخرة" تضم فنادق ذكية، ومنتجعات راقية، وسلاسل فنادق دولية، تدر عائدات تتجاوز 55 مليار دولار على المدى الطويل. وتتضمن الخطة بناء قطارات فائقة السرعة، وشبكة كهرباء ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، ومرافق حيوية تشمل مدارس، مستشفيات، ومساجد، إلى جانب "مراكز ثقافية" تعيد تعريف الحيز الحضري في القطاع.

العرض التقديمي المرفق بالخطة، والمكون من 32 شريحة، وصف بأنه "حساس ولكنه غير سري"، يتضمن صورا مذهلة لمدن عصرية تطل على البحر، وأبراجا سكنية وسط حدائق، وبنية تحتية متطورة، تحت عنوان:"بناء غزة جديدة وموحدة".

 

 

وبحسب الخطة، فإن هذا المشروع لا يكتفي بإعادة الإعمار، بل يقدم "فرصة تاريخية لخلق بوابة إلى شرق أوسط مزدهر يتمتع بأحدث البنى التحتية، والتصميم الحضري، والتكنولوجيا".

وتنص الخطة على خارطة طريق متعددة المراحل تمتد على عقدين، المرحلة الأولى (سنوات 1–3) وتشمل إزالة الأنقاض الهائلة الناتجة عن حرب استمرت عامين، وهي عملية تطالب الولايات المتحدة إسرائيل بتمويلها وتنفيذها. وكذلك تفكيك أنفاق حماس وإزالة الذخائر غير المنفجرة، وبناء مساكن مؤقتة لنحو 2.3 مليون فلسطيني رغم غياب تفاصيل واضحة حول مواقع الإقامة خلال هذه المرحلة.

وفي المرحلة الثانية (سنوات 4–10)، سيتم البدء بإعادة إعمار رفح وخان يونس، المدمرتين بالكامل، واللتين تقعان جنوب القطاع تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة. وتحويل رفح إلى"عاصمة جديدة" لقطاع غزة، باعتبارها "مقر الحكومة"، ضمن رؤية الخطة للمرحلة الثانية من خطة ترامب.
وكذلك بناء أكثر من 100 ألف وحدة سكنية تؤوي أكثر من نصف مليون نسمة، إلى جانب 200 مدرسة، و75 منشأة طبية، و180 مسجدا ومركزا ثقافيا، ورصف طرقات، وإنشاء شبكة طاقة ذكية، وزرع الأراضي الزراعية.

وفي المرحلة الثالثة (سنوات 10–20)، سيتمالانتقال إلى إعادة بناء المخيمات المركزية، وأخيرا مدينة غزة التي لا تزال تحت سيطرة حماس،وإطلاق مشروع "ريفييرا غزة" عبر تطوير 70% من الساحل كمنطقة سياحية راقية. والاعتماد المتزايد على عائدات الاقتصاد المحلي لتمويل استمرار الخطة وسداد الديون.

رغم طموح الرؤية، تضع الخطة شرطا جوهريا لا يمكن تجاوزه وهو استجابة حماس "الواسعة" لمطلب تفكيك جميع أسلحتها وأنفاقها وإخراجها من الخدمة.

وبحسب شريحة "الملخص التنفيذي" في العرض التقديمي، التي حوطت بمربع أحمر تحذيري، فإن "خطة إعادة الإعمار مشروطة" بهذا الشرط الأمني.

ويعقد الوضع أكثر عدم عودة الرهينة الإسرائيلي، اللواء ران غويلي، الذي لا تزال حماس تحتجزه. فإسرائيل ترفض الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام ما لم يُعَد غويلي، وهي المرحلة التي تشمل نشر قوة دولية تحل تدريجيا محل الجيش الإسرائيلي وتمهد لإعادة الإعمار.

رغم أن الخطة تشير إلى التزام الولايات المتحدة بالتمويل بـ"مبلغ أساسي" يعادل 20% من التكلفة (أي نحو 22.4 مليار دولار) في العقد الأول، إلا أن باقي المبلغ، أي قرابة 90 مليار دولار، يفترض أن يأتي من دول غنية في المنطقة، كدول الخليج، بالإضافة إلى مصر وتركيا.

وقد أُرسل العرض بالفعل إلى هذه الدول، وخاصة بعد الاجتماع الذي عُقد في ميامي وجمع ويتكوف وكوشنر مع ممثلين عن مصر وتركيا وقطر لدفع "المرحلة الثانية" من الخطة.

لكن التمويل يبقى العقبة الكبرى. فوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو اعترف صراحة بأن "لا أحد سيستثمر في غزة إذا خشي اندلاع حرب جديدة"، مضيفا: "لدينا ثقة كبيرة في أننا سنحصل على مانحين... لكن فقط في ظل بيئة آمنة". ويشاطره هذا التشاؤم عدد من المسؤولين الأمريكيين الذين تحدثوا إلى "وول ستريت جورنال"، مشيرين إلى أن "الكثير من الدول تخشى أن تهدر استثماراتها في دوامة عنف جديدة".

الباحث البارز في "مجلس العلاقات الخارجية"، ستيفن كوك، قال صراحة: "بإمكانهم تقديم كل ما يريدون من عروض. لا أحد في إسرائيل يعتقد أنهم سيتجاوزون الوضع الراهن، والجميع راض بذلك.. لن يتغير شيء حتى تنزع حماس سلاحها. إذا لم تفعل حماس ذلك، فلن يتغير شيء".

في المقابل، يدافع مهندسو الخطة، وخاصة كوشنر وويتكوف، عن جدواها، حتى لو بدت بعيدة المنال الآن. وهم يرون أن تقديم رؤية متفائلة أفضل من الاستسلام لواقع غزة كمنطقة مدمرة بلا أفق، تعاني من أزمة إنسانية مستمرة وسكان يعيشون في مخيمات بلا كرامة. وزعمت مصادر في إدارة ترامب أن التنفيذ يمكن أن يبدأ خلال شهرين، إذا سمحت "الظروف الأمنية".

من جهته، أكد البيت الأبيض ردا على التقرير: "إدارة ترامب تواصل العمل بجد مع شركائنا للحفاظ على وقف دائم لإطلاق النار ووضع الأساس لغزة سلمية ومزدهرة".

الخطة، وفقا لمصادر مطلعة، وضعت بالتشاور مع مسؤولين إسرائيليين وشخصيات من قطاع الأعمال، وتتسم بالمرونة؛ إذ سيتم تحديثها كل عامين في حال تم تبنيها. ومع ذلك، يبقى السؤال الأصعب بلا جواب: من سيضمن أن حماس ستتخلى عن سلاحها؟ ومن سيضمن أن إسرائيل ستسمح بإعادة إعمار غزة دون شروط أمنية إضافية؟

وفي هذا السياق، قال روبيو بوضوح: "الهدف: ألا تتمكن حماس من تهديد إسرائيل، لأنه إذا استطاعت ذلك، فلن يكون هناك سلام".

"مشروع شروق الشمس" هو خطة جريئة إلى حد الخيال، لكنها معلّقة في الهواء ما دامت الحسابات الأمنية والسياسية لم تحسم. ويظل السؤال: "هل سيحدث أي شيء؟" بلا إجابة قاطعة.