ترامب يراهن على قطر وتركيا في إقناع حماس بنزع سلاحها

لا تزال عملية الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في قطاع غزة، تواجه مطبات جمة، رغم الإشارات المتفائلة التي ترسلها الإدارة الأميركية.
وبحسب تقرير للكاتب في مجلة "فورين بوليسي" جون هالتفانغر، يشكل سلاح حركة حماس أحد أبرز التعقيدات التي تواجه الوسطاء، بوصفه أحد البنود الجوهرية في خطة السلام المؤلفة من عشرين بندا، وأصعبها من حيث التنفيذ.

وتمثل "المقاومة المسلحة" ضد إسرائيل ركنا أساسيا في أيديولوجيا حماس السياسية والتنظيمية، وهو ما يفسر رفضها المبدئي لفكرة نزع السلاح.
وقد ألمحت الحركة الفلسطينية مؤخرا إلى استعدادها لتجميد أسلحتها أو تخزينها، لكن إسرائيل أوضحت أنها لن تقبل بأقل من نزع كامل وشامل للسلاح.

ونقلت مجلة "فورين بوليسي" عن مسؤول حكومي إسرائيلي قوله إن فكرة تجميد السلاح أو تخزينه غير واقعية وغير مقبولة.
وأكد المسؤول أن الخطة العشرون تنص صراحة على نزع سلاح حماس. وأضاف أن إسرائيل مصممة على ضمان أمن حدودها، وأن غزة لن تشكل مستقبلا مصدر تهديد للدولة العبرية.

ويغذي الخلاف حول سلاح حماس، تردد عدد من الدول، ولا سيما العربية منها، في إرسال قوات للمشاركة في قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة.

وبموجب خطة ترامب، فإن من مهام "قوة الاستقرار" توفير الأمن في غزة والإشراف على عملية نزع السلاح، والعمل جنبا إلى جنب مع مجلس السلام، الذي سيشرف بدوره على لجنة انتقالية من التكنوقراط لإدارة شؤون القطاع اليومية.
ويصف ترامب عضوية هذا المجلس بكونها "أسطورية"، وأنه سيتم الإعلان عنها مطلع عام 2026. غير أن تشكيل هذه الهياكل، حتى لو تم، لا يلغي حقيقة أن التحدي الأهم سيبقى نزع سلاح حماس على الأرض.

ويرى دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، أن غياب آلية فعالة لإجبار حماس على تسليم أسلحتها، وتفكيك أنفاقها، وإخراج مقاتليها وقادتها المتبقين إلى المنفى (كما تنص خطة ترامب) يصعّب تصور تدخل قوات أمن عربية أو إسلامية لتولي الدور الذي أقره مجلس الأمن الدولي.
ويؤكد شابيرو أن هذه الدول لا ترغب في خوض مواجهة مباشرة مع حماس، بل في توفير الاستقرار فقط بعد إزاحتها بالكامل عن حكم غزة.

في المقابل، يشير دبلوماسيون ومحللون إلى أن قطر وتركيا تمتلكان نفوذا استثنائيا يمكن توظيفه للضغط على حماس من أجل نزع سلاحها. فالدولتان، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، تُعدّان من الضامنين لوقف إطلاق النار، وترتبطان بعلاقات طويلة الأمد مع قيادة الحركة، بعدما استضافتا قادتها ومسؤوليها لسنوات.
وقد استخدمت الدوحة وأنقرة هذه القنوات بالفعل للمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار. وفي هذا الإطار، قال السفير الأميركي لدى تركيا، توم باراك، إن الهدنة ما كانت لتتحقق لولا دور تركيا وعلاقاتها بحماس.

ويؤكد شابيرو أن النفوذ الذي تتمتع به قطر وتركيا يمثل الأداة الأقوى المتاحة أمام ترامب في مساعيه لنزع السلاح، موضحا أن الرئيس الأميركي سيحتاج إلى إقناع قادة حماس بأن سيطرتهم على غزة قد انتهت، وأن استمرار المقاومة المسلحة سيؤدي إلى فقدان الدعم من الدوحة وأنقرة على حد سواء.

غير أن توتر العلاقات بين إسرائيل وكل من تركيا وقطر يعقّد هذا الدور المحتمل، فقبل أقل من عام، نفذ الجيش الإسرائيلي غارة جوية في قطر في محاولة فاشلة لاغتيال قادة من حماس في الدوحة.
ورغم مساعي إدارة ترامب لترميم هذه العلاقات، فإن العقبات لا تزال كبيرة. واستبعدت إسرائيل مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية، بينما تواصل واشنطن وأنقرة الضغط في الاتجاه المعاكس.

وقال باراك مؤخرا إن القوات البرية التركية الكبيرة والفعالة، إلى جانب قنوات الاتصال القائمة مع حماس، يمكن أن تجعل من أنقرة مساهما مهما في خفض التوترات إذا ما انضمت إلى القوة الدولية.

مع ذلك، تظل الشكوك قائمة حيال إمكانية تحقيق نزع السلاح عبر هذه القنوات. وأعربت غونول تول، المديرة المؤسِّسة لبرنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط وزميلة أولى في برنامج البحر الأسود، عن تشاؤمها، مشيرة إلى أن حماس، رغم نفوذ قطر وتركيا عليها، تعمل وفق منطقها الداخلي الخاص، وأن قرارها النهائي يتوقف على كيفية تصورها لمستقبلها السياسي والعسكري.
وترى تول أن حماس تعتبر نفسها فاعلا أساسيا في النضال الوطني الفلسطيني، وتعتقد أنها أسهمت في تعزيز هذه القضية عبر تعميق عزلة إسرائيل الإقليمية والدولية بعد حرب 7 أكتوبر 2023.

وتحذر تول من أن حلّ حماس لنفسها أو نزع سلاحها دون أفق سياسي دائم للقضية الفلسطينية قد يؤدي ببساطة إلى ظهور جماعة مسلحة أخرى، وهو ما تدركه الحركة جيدا ويزيد من ترددها في التخلي عن سلاحها.
كما تشير تول إلى أن قادة حماس قد ينظرون بريبة إلى نوايا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ظل مساعي أنقرة لتحسين علاقاتها مع واشنطن والتفاوض بشأن العودة إلى برنامج طائرات "إف-35".
ورغم إقرار شابيرو بصعوبة إقناع حماس بالتخلي عن السلطة طوعا، فإنه يؤكد أن تدخل قطر وتركيا يظل الخيار الأكثر واقعية لدفع هذا المسار قدما.

ويتفق سلمان شيخ، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة الشيخ للاستشارات وبناء السلام، مع هذا الرأي، معتبرا أن الدوحة وأنقرة قادرتان على لعب دور حاسم في إقناع حماس بنزع سلاحها. ويصف الحركة بأنها عنيدة، وتحتاج إلى إقناع من أطراف تثق بها وتحترمها، مشيرا إلى أن قطر تحتل موقعا مميزا في هذا السياق، وأن القادة الأتراك لا يستطيعون تحمل استمرار الصراع إلى ما لا نهاية في ظل الدعم الشعبي الواسع للقضية الفلسطينية داخل تركيا.
ويضيف شيخ أن أي تقدم حقيقي سيظل مرهونا بالسياق الأوسع، وبوجود هدف نهائي واضح يتمثل في إقامة دولة فلسطينية، إلى جانب الإرادة السياسية اللازمة لتحقيقه.

وكانت حماس أعلنت بوضوح أنها لن تنزع سلاحها بالكامل إلا بعد قيام دولة فلسطينية، وهو موقف ترفضه الحكومة الإسرائيلية رفضا قاطعا.
في موازاة ذلك، يطرح مقترح آخر مدعوم من فرنسا والسعودية، ومؤيد من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، فكرة تسليم حماس أسلحتها للسلطة الفلسطينية. ويتناقض هذا الطرح مع خطة ترامب، التي تنص على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة غزة في نهاية المطاف بعد فترة إصلاح، فيما ترفض إسرائيل بالكامل أي دور للسلطة في القطاع بعد الحرب.

وتُظهر تجارب السلام السابقة أن نزع السلاح غالبا ما يكون من أكثر القضايا تعقيدا واستغراقا للوقت. فالجيش الجمهوري الإيرلندي، على سبيل المثال، لم ينزع سلاحه بالكامل إلا في 2005، أي بعد سبع سنوات من التزامه بذلك بموجب اتفاقية الجمعة العظيمة لعام 1998. وفي ظل هشاشة وقف إطلاق النار في غزة بعد شهرين فقط من سريانه، تتزايد المخاوف من ضيق الوقت المتاح لوضع أسس المرحلة الثانية.
وحذر وزير الخارجية النرويجي إسبنبارث إيدي، في مقابلة على هامش منتدى الدوحة، من أن عملية السلام يجب أن تنتقل سريعا إلى مرحلتها الثانية، وإلا فإن الأوضاع في غزة قد تنزلق مجددا إلى القتال أو الفوضى، أو كليهما.

وأكد إيدي أن أكبر مخاوفه هو الجمود، مشددا على أن قطر وتركيا ومصر والولايات المتحدة، بصفتها ضامنة للاتفاق، تتحمل مسؤولية أساسية في ضمان امتثال جميع الأطراف.
وشدد على أن نزع سلاح حماس لا يمكن معالجته بمعزل عن القضايا الأخرى، موضحا أن الحركة، بوصفها السلطة الفعلية في غزة، مطالبة بنقل الحكم إلى كيان آخر. وبما أنها لن تسلم السلطة لإسرائيل، فلا بد أن يكون البديل إدارة فلسطينية جديدة، تُنظر إليها كهيئة تكنوقراطية مؤقتة مدعومة بقوة استقرار دولية ومجلس سلام، يتم في إطارها نزع السلاح. واعتبر أن توقع نزع السلاح دون وجود هذه البدائل أمر غير واقعي.

وتربط حماس بدورها نزع سلاحها بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، في حين تسيطر إسرائيل حاليا على نحو 53 في المائة من القطاع بعد انسحابها إلى "الخط الأصفر" المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار. وتؤكد إسرائيل، في المقابل، أن الانسحاب الكامل لن يتم قبل نزع سلاح حماس.
وقال ماجد الأنصاري، مستشار رئيس الوزراء القطري والمتحدث باسم وزارة الخارجية، إن بلاده لا تستطيع تقديم تفاصيل محددة حول دورها في ملف نزع السلاح، لكنها تعمل مع شركائها على بلورة مقاربات مناسبة.
وأوضح أن الإشكالية الأساسية تكمن في التتابع الزمني بين إنهاء الاحتلال ونزع السلاح، وهو خلاف مزمن لا تزال المباحثات بشأنه جارية.

وحذر الأنصاري من أن نزع السلاح الكامل لا يمكن أن يتحقق في ظل الاحتلال، مشيرا إلى أن غزة تضم فصائل مسلحة متعددة تتجاوز حماس.
واعتبر أن نزع سلاح فصيل واحد دون معالجة التهديدات الأمنية الأساسية قد يؤدي إلى ظهور فصائل جديدة خلال أشهر. وختم بالقول إن هدف قطر كوسيط يتمثل في إزالة دوافع إعادة التسلح، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عبر سلام دائم ومستدام.