بعد اجتماع ديسمبر.. الفدرالي الأميركي يستعد لثمانية اجتماعات حاسمة في 2026!
مع اقتراب اجتماع الفدرالي الأميركي في 9–10 ديسمبر/ كانون الأول، فإنه يواجه تحدياً مزدوجاً، بين موازنة الضغط على سوق العمل المتباطئ ومع استمرار التضخم فوق هدفه البالغ 2 بالمئة، لتعكس الأجواء الراهنة حالة من الانقسام لدى صناع السياة النقدية، وتزيدها تعقيداً فجوة المعلومات الناتجة عن الإغلاق الحكومي الأخير في الولايات المتحدة.
تشير البيانات الأخيرة وأحدث تقرير Beige Book إلى تباطؤ في نمو التوظيف، مع تجميد بعض الشركات لعمليات التوظيف أو الاكتفاء بتعويض المغادرين فقط. وفي المقابل، التضخم لم يحقق بعد الانخفاض الكافي نحو هدف 2 بالمئة، ما يثير قلق الأعضاء الأكثر صرامة في الفدرالي الذين يخشون أن أي خفض إضافي للفائدة قد يضعف السيطرة على الأسعار ويزيد المخاطر على الاستقرار المالي.
ويبدو أن اللجنة مقسمة بين "الحمائم"، الذين يدعمون خفضاً جديداً للفائدة في ديسمبر لتخفيف الضغوط على سوق العمل، و"الصقور"، الذين يفضلون التريث حتى صدور بيانات أكثر وضوحاً لتقييم التضخم بدقة، لا سيما وأنالإغلاق الحكوميزاد من حدة هذا الانقسام، إذ أدى إلى غياب أو تأجيل بعض البيانات الاقتصادية الأساسية، مما يقلل من وضوح الرؤية أمام صانعي القرار.
ولفهم كيفية تفكير صانعي القرار في هذا الظرف النادر، يتحدث مسؤولان سابقان في بنك الاحتياطي الفدرالي، ممن لديهم خبرة مباشرة في آليات اتخاذ القرار داخل اللجنة لـ CNBC عربية، مقدمين رؤية حول كيف يوازن الفدرالي بين التضخم والنمو الاقتصادي، وكيف يحاول التعامل مع نقص البيانات.
ظروف نادرة
النائب السابق لرئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا، أريس أريستيدس بروتوباباداكس، وهو أستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية إدارة الأعمال بجامعة USC Marshall School of Business، يقول لـ CNBC عربية: "الظروف الحالية نادرة جداً.. لا أتذكر ما حدث في آخر إغلاق حكومي.. لست متأكداً من أن مستوى شح البيانات كان بهذا الشكل حينها".
يعتمد الفدرالي على النماذج لتحليل ما يحدث في البيانات وإلى أين قد يتجه الاقتصاد، لكن بروتوباباداكس يعتقد بأن "لجنة السوق المفتوحة الحالية تعتمد على البيانات نفسها أكثر من اعتمادها على النماذج.. وكانت فترة برنانكي (الرئيس الرابع عشر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي من عام 2006 حتى 2014) كانت تولي اهتماماً أكبر للنماذج.
"الظروف الحالية نادرة جداً.. لست متأكداً من أن مستوى شح البيانات كان بهذا الشكل في الإغلاق السابق"
أريس أريستيدس بروتوباباداكس
النائب السابق لرئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا
لـ CNBC عربية
ويرى أن الفدرالي الآن في وضع شديد الصعوبة من جهتين، لا سيما وأن لديه أداة واحدة فقط، لكنه مُلزَم قانوناً بتحقيق هدفين:
◾ عندما تكون معدلات التضخم مرتفعة والنشاط الاقتصادي قوي، تصبح السياسة سهلة نسبياً: رفع سعر الفائدة.
◾ عندما يكون التضخم منخفضاً والاقتصاد ضعيفاً أو يتعثر، تصبح السياسة أيضاً سهلة نسبياً: خفض سعر الفائدة.
◾ لكن عندما يكون التضخم مرتفعاً والاقتصاد متباطئاً (كما هو الحال على الأرجح الآن)، أو عندما يكون التضخم منخفضاً والاقتصاد في حالة ازدهار، فإن المؤشرين يدفعان الفدرالي لاتخاذ إجراءات متعارضة بشأن سعر الفائدة، ويصبح القرار بالغ الصعوبة.
ويضيف: في هذه الحالة، يكون عليهم "التخبط بحذر".. هناك مقولة يونانية: إذا بصقت للأعلى ترتد في وجهك، وإذا بصقت للأسفل تسقط على لحيتك!.
ويستطرد: "الآن هناك مشكلة إضافية: أنهم لا يعرفون فعلياً أين يقف الاقتصاد.. هناك بيانات خاصة، وهناك معلوماتالكتاب البيج(الذي تجمعه فروع الفدرالي عبر استبيانات ومناقشات)، وهناك أيضاً أرباح الشركات المنشورة للعامة".. لذا سيحاولون تكوين رؤية -أو بالأحرى تقدير احتمالات- حول حالة الاقتصاد، ثم سيحاولون تقدير حجم الضرر الذي قد تسببه السياسة المتخذة إذا تبين لاحقاً أنها خاطئة.
وتساعد النماذج في التنبؤ بمسار الاقتصاد في ظل بدائل سياسية مختلفة أو في حال عدم اتخاذ أي إجراء.
وهذا الوضع -بحسب أريستيدس- لا يختلف كثيراً عن الأوقات الأخرى.. "لكنّ مستوى عدم اليقين الآن أعلى من المعتاد".

أحدث التقديرات
وتعكس تقارير الـ Beige Book الصادر عن الفدرالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كيفية نظر وتقييم صناع السياسة النقدية للمشهد الاقتصادي الراهن.
والكتاب "البيج" هو تقرير يصدر ثماني مرات في السنة عن بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، يجمع معلومات نوعية من 12 فرعًا إقليمياً حول حالة الاقتصاد المحلي.
ومع الفراغ في البيانات الذي خلفه الإغلاق الحكومي القياسي الذي استمر 43 يوماً والذي امتد حتى منتصف نوفمبر تشرين الثاني، من المفترض أن يحظى الكتاب البيج بوزن أكبر من المعتاد في المداولات بين صانعي السياسة النقدية المنقسمين بشدة، بعد قرارهم الشهر الماضي خفض أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية للاجتماع الثاني على التوالي. ويتراوح سعر الفائدة حالياً في نطاق من 3.75 إلى 4%.
واستؤنف تدفق البيانات منذ انتهاء الإغلاق، لكن معظم التقارير التي صدرت خلال الأسبوعين الماضيين كانت قديمة إلى حد بعيد، إذ غطت الفترة التي سبقت بدء الإغلاق مباشرة في أول أكتوبر/ تشرين الأول، ولم تقدم أي لمحة جديدة تقريباً عن سلامة الاقتصاد.
وورد في ملخص التقرير أن "النشاط الاقتصادي لم يشهد تغيراً يُذكر منذ التقرير السابق، وفقًا لمعظم المناطق الـ 12 للاحتياطي الفدرالي، على الرغم من أن منطقتين سجلتا انخفاضاً طفيفاً، بينما أفادت منطقة أخرى بنمو متواضع (..) وظلت التوقعات مستقرة إلى حد كبير بشكل عام. وأشار بعض المشاركين إلى تزايد خطر تباطؤ النشاط الاقتصادي في الأشهر المقبلة، بينما ساد بعض التفاؤل بين المصنّعين.
وفيما يخص أسواق العمل، فقد انخفض التوظيف بشكل طفيف خلال الفترة الحالية، حيث لاحظ حوالي نصف المناطق ضعفاً في الطلب على العمالة. وعلى الرغم من زيادة إعلانات التسريح، أبلغ عدد أكبر من المناطق عن اتصالات تحد من أعداد الموظفين باستخدام تجميد التوظيف، والتوظيف البديل فقط، والاستنزاف بدلاً من التسريح.
بالإضافة إلى ذلك، قام العديد من أصحاب العمل بتعديل ساعات العمل لاستيعاب حجم أعمال أعلى أو أقل من المتوقع بدلاً من تعديل عدد الموظفين. وأشارت بعض الشركات إلى أن الذكاء الاصطناعي حل محل الوظائف المبتدئة أو جعل العمال الحاليين منتجين بما يكفي للحد من التوظيف الجديد. وفي معظم المناطق، كان من الأسهل على أصحاب العمل العثور على عمال، ولكن لا تزال هناك جيوب من الصعوبة المتعلقة ببعض الوظائف الماهرة وقلة العمال المهاجرين.
وانخفضت طلبات إعانات البطالة الجديدة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ أبريل/ نيسان. وتشير البيانات إلى عدم وجود زيادة ملحوظة في حالات تسريح العمال على الرغم من موجة إعلانات خفض الوظائف من شركات كبيرة مثل أمازون.
أما لجهة "الأسعار"، فقد ارتفعت الأسعار بشكل معتدل خلال فترة التقرير (..) ووردت تقارير متعددة عن انكماش هامش الربح أو مواجهة الشركات لضغوط مالية ناجمة عن التعرفات الجمركية (..) وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع معظم المتعاملين استمرار ضغوط التكاليف التصاعدية، لكن خطط رفع الأسعار على المدى القريب كانت متباينة".
"المقايضة" الأساسية
أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز بالولايات المتحدة، كينيث كوتنر، والذي عمل في وقت سابق نائباً للرئيس المساعد بقسم الأبحاث ببنك الاحتياطي الفدرالي في شيكاغو، يقول لـ CNBC عربية: "تظلّ المقايضة الأساسية كما هي: عودة أسرع إلى مستوى تضخم 2 بالمئة (المستوى المستهدف) مقابل ضعف أكبر في النشاط الاقتصادي).
ويرى أن "غياب البيانات في الوقت المناسب يجعل من الصعب على صانعي السياسة معرفة إن كانوا يبالغون في الاتجاه إلى جانبٍ ما دون الآخر".
ويضيف كوتنر: "من المؤكد أن اقتصاديّي الاحتياطي الفدرالي يحاولون سدّ بعض الفجوات عبر مصادر بيانات أخرى -مثل بيانات التوظيف الصادرة عن ADP، أو بيانات State Street Pricestats- كما يستخدم صانعو السياسة النقدية بيانات غير رسمية وأدلة سردية يجمعها رؤساء البنوك الإقليمية وتُدرج في الـ" Beige Book .
"غياب البيانات في الوقت المناسب يجعل من الصعب على صانعي السياسة معرفة إن كانوا يبالغون في الاتجاه إلى جانبٍ ما دون الآخر"
كينيث كوتنر
أستاذ الاقتصاد ونائب الرئيس المساعد السابق في بنك الاحتياطي الفدرالي في شيكاغو
لذلك من المحتمل أن تعتمد لجنة السوق المفتوحة على هذه البدائل أكثر من المعتاد. وفي غياب البيانات الصلبة، قد يعتمدون أيضاً بدرجة أكبر على النماذج الإحصائية أو الاقتصادية.
لكن يستطرد قائلاً: "كقاعدة عامة: إذا كان المتغير المستهدف يُقاس بدرجة أقل من الموثوقية (أي يتزامن مع ضجيج أكبر)، فإن التصرف الصحيح يكون بالمضي بحذر أكبر.. وربما يكون هذا أحد أسباب ظهور تراجع في مستوى التوافق بين أعضاء لجنة السوق المفتوحة مقارنة بما هو معتاد".
بيانات منتظرة
ومن المقرر أن يلقي الفدرالي نظرة أخيرة على التضخم، قبل اجتماعه في ديسمبر، حيث أعلنت وزارة التجارة يوم الاثنين الماضي عن أنها ستُصدر مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر سبتمبر/ أيلول في الخامس من ديسمبر، أي قبل أربعة أيام من اجتماع البنك المركزي القادم بشأن السياسات.
ورغم أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي يُقيّم التضخم من خلال بيانات مُتعددة، إلا أنه يُمثل أداتها الرئيسية للتنبؤ، مع تركيز خاص على المقياس الأساسي الذي يستثني الغذاء والطاقة. إلى جانب مؤشر التضخم، سيُصدر مكتب التحليل الاقتصادي التابع للوزارة أيضاً قراءات حول الدخل والإنفاق الشخصي.
كما سيُصدر مكتب إحصاءات العمل مؤشر أسعار المستهلك الخاص به لشهر أكتوبر في 19 ديسمبر. وقد تأخر إصدار البيانات بسبب إغلاق الحكومة.