الأحزاب في الأردن: أزمة بنية لا أزمة أفراد

ليست أزمة العمل الحزبي في الأردن مجرد خلل إداري هنا أو هناك؛ إنها نتيجة مباشرة لبيئة سياسية لم تكتمل شروط نضجها بعد.
ما يزال المشهد محكومًا بثقافة الشخصنة والذاتية والانتهازية، حيث تتحول الأحزاب في كثير من الأحيان، إلى مساحات نفوذ فردي أكثر منها مؤسسات سياسية تنتج برامج ورؤى.
في ظل غياب اللوائح الواضحة، وضعف الشفافية، وسيادة منطق "مركز الصرف هو مركز القرار”، يصبح من الطبيعي أن يتنقّل المنتسبون بين الأحزاب، وأن تتآكل الثقة، وأن يختلط الولاء بالمصلحة.
فالحياة الحزبية لا يمكن أن تزدهر حين تُدار وفق علاقات شخصية، لا وفق قواعد مؤسسية تحمي حرية الرأي والمساءلة والاختلاف.
المشكلة هنا ليست في الأشخاص بل في بنية سياسية ما تزال تعيش إرث الفردانية، وتعجز عن إنتاج عمل حزبي قائم على الفكرة والبرنامج والتراتبية التنظيمية.
فغياب المؤسسية يحول الحزب من مشروع وطني إلى شبكة علاقات، ومن منصة للتغيير إلى إطار هش ينهار عند أول خلاف.
ومع التحديات الاقتصادية والإقليمية الضاغطة، لم يعد إصلاح هذا الواقع خيارًا، بل ضرورة وطنية.
الأردن بحاجة إلى أحزاب حديثة تمتلك رؤية وبرنامجًا وقدرة تنظيمية، لا إلى تشكيلات مؤقتة تتنفس بقدر ما يتوفر لها التمويل أو النفوذ.
إن بناء حياة حزبية حقيقية يبدأ من إعادة هندسة البيئة الحاضنة للعمل السياسي: ضبط التمويل، تكريس الشفافية، حماية الاختلاف، وتأسيس ثقافة تنظيمية تجعل الفكرة أعلى من الفرد والمؤسسة أمتن من الشخصية.
فبدون ذلك ستظل التجربة الحزبية عالقة بين الشكل والمضمون، وبين الطموح والواقع.
يبقى السؤال: هل يمكن للبيئة الحزبية الأردنية أن تنتقل من منطق الفرد إلى منطق المؤسسة، ومن الولاءات إلى البرامج، ومن الظل إلى الدولة؟
الإجابة مرهونة بجرأة إصلاح يبدأ من جذور المشهد لا من واجهته.