شروط المساعدات الأجنبية

اخبار البلد 
ما قاله السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بشأن المساعدات المالية للمؤسستين المدنية والعسكرية المصرية، ينطبق بحذافيره على الأردن وعلى فلسطين، فقد حذر كيري من أن واشنطن ستراجع التزاماتها المالية نحو مصر، إذا أنهى الجانب المصري "اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، بصورة مباغتة أو بوضع قوانين معقدة تستهدف إسرائيل، أو في حال عدم الالتزام بشروط قرض صندوق النقد الدولي".

كلام واضح يعكس شروط القوي على الضعيف، والثري على الفقير، والمتكرم على المتلقي، وهو يعكس ثمن المساعدات والحاجة إلى مد اليد من أجل الحصول على متطلبات ملحة، والثمن هو فقدان حرية الاختيار والوقوع في أسر الشروط المجحفة والمخلة بالاستقلال السياسي والاقتصادي من قبل الدولة التي تتلقى المساعدات والمنح والقروض وفق رؤى ومتطلبات ومصالح الدول المانحة.

ما قاله جون كيري بشأن مصر، ينطبق حرفياً على ما يمكن أن يقوله نحو الأردن ومعاهدة وادي عربة وسياسات الأردن نحو إسرائيل، ويحمل المضمون الأميركي نفسه وسياسة الدول المانحة نحو فلسطين، وهذا ما يفسّر تردد وصول المنح والمساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وتعطيلها بسبب تمسك الرئيس الفلسطيني بشروط المفاوضات مع إسرائيل، مما أدى إلى الاضطرار للتراخي بعد ذلك بقبول المفاوضات الاستكشافية في شهر كانون الثاني 2012 في عمان، والبحث عن أدوات اتصال وإلغاء المقاطعة الكاملة مع نتنياهو نزولاً عند الضغوط الأميركية والأوروبية والعربية، عبر الرسائل المتبادلة، مع الإدراك المسبق بعدم جدوى هذه المفاوضات مع حكومة متطرفة تعمل على إلغاء نتائج اتفاق أوسلو بشكل تدريجي، والعمل على خلق حقائق استيطانية توسعية استعمارية تحول دون تماسك ما تبقى من الرقعة الفلسطينية عبر تهويد القدس والغور وتوسيع الاستيطان وجعل الجدار الحاجز الحدود الفاصلة بين إسرائيل التوسعية وما تبقى من الضفة الفلسطينية لتكون امتداداً وجزءاً من دولة غزة الحرة المستقلة، رغم ذلك أدت أشكال التفاوض الاستكشافية والرسائل المتبادلة إلى إعادة الضخ المالي الأميركي الأوروبي لموازنة السلطة الفلسطينية، ثمناً للتعاطي الفلسطيني مع المفاوضات رغم عدم جدواها.

ولذلك ليس عبثاً ولا صدفة برنامج سلام فياض الوطني المتصادم مع مشاريع الاحتلال والقائم على مسألتين جوهريتين: الأولى استثمار المساعدات لبناء مؤسسات الدولة على الأرض، أي خلق حقائق مادية بشرية تستهدف صمود أهل الضفة والقدس على أرضهم كي تشكل هذه المؤسسات مع شعبها القاعدة التحتية لولادة الدولة المنشودة، والثانية التخلص من المساعدات المالية الأجنبية حتى لا تبقى قرارات المنظمة والسلطة أسيرة للضغوط الأجنبية التي تفقد السلطة الوطنية خياراتها الحرة والمستقلة، وذلك عبر الاعتماد على المعطيات المحلية والمساعدات العربية والتي ما زالت أيضاً أسيرة للقرار الأميركي، فالبلدان العربية الثرية تقع تحت طائلة المراقبة والقرار الأميركي بسبب حاجاتها للحماية الأمنية والعسكرية الأميركية والأوروبية في الخليج العربي، ورغم ذلك تبقى المساعدات العربية، الأقل كلفة والأقل ابتزازاً مقارنةً مع الضغوط الأميركية المرافقة لهذه المساعدات.

لن تنتصر إرادة الشعوب العربية إلا إذا تحررت من المساعدات المالية الأميركية والأوروبية المقدمة للأطراف الثلاثة في كل بلد عربي يتلقى هذه المساعدات وهي: 1- الخزينة الحكومية. 2- المؤسسة العسكرية والأمنية. 3- مؤسسات المجتمع المدني. وهذه الأخيرة لا يمكنها الادعاء بأنها تتصرف خدمة للمصالح المحلية فحسب، بل هي مؤسسة محلية موظفة لخدمة البرامج والأجندات الأجنبية، وهي مثلها مثل الحكومات ومثل المؤسسة العسكرية تقع في خندق خدمة المصالح الأميركية والأوروبية وتسويق سياساتها وبرامجها وتطبيقها بعد تكييفها مع الواقع الاجتماعي والسياسي لبلادنا، طالما تعتمد في تمويلها على الصناديق الأميركية والأوروبية، وهو تمويل يفتقد للنزاهة ويخدم مشاريع مدروسة ومحددة تصب في خدمة المصالح المشتركة بين الدول المانحة وهذه المؤسسات المحلية.

h.faraneh@yahoo.com