الصحفي القومي المخضرم فهد الريماوي يفتح قلبه بعد غياب في مقابلة مع "عود الند" حول الصحافة وعلاقتها بتقدم الأمة

  • ثورة الانترنت أحدثت نقلة واسعة في مضمار النشر الصحفي وسرعت وسهلت انتشار الصحف عربيا وعالميا وتخطت الحواجز والحدود..

  • الانترنت حوّل توزيع الصحف الورقية من الميكانيكي الى الإلكتروني

  • اغتنمنا ما بعد هبة نيسان وحصلنا رخصة إصدار مطبوعة أسبوعية باسم "المجد" وانطلقنا عام 1994 وشعارنا مقولة عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"

  • تعرضت المجد من انطلاقتها حتى توقفها لسلسلة من العقبات والعقوبات يصعب حصرها، سواء لجهة المصادرة أو المنع من الطبع وحتى الحبس والمنع من السفر والجرجرة الى المحاكم والسبب موقف المجد من معاهدة "وادي عربة"

  • بسبب شح في المال والإعلام ورفضنا التمويل، قررنا اصدار "المجد الالكتروني" ومع ذلك لم نسلم من هجمات الهاكر داخليا وخارجيا، وتوقفنا بسقوط سوريا الحبيبة في قبضة الارهابيين.

  • لم يسقط الأسد .. بل سقطت سوريا بكامل ابعادها وتحولت من لاعب إلى ملعب، ومن دولة محورية مهيبة في عهد "الأسدين" إلى ساحة فوضوية مستباحة يتناوشها الأعداء، واتمنى ان يستيقظ الشعب السوري من غفلته ويعود الى وعيه

  • مواقع التواصل الاجتماعي فجة وقليلة الدسم وحافلة بالأخطاء اللغوية والنحوية والمهنية ولا يمكن اعتمادها كمصادر مؤهلة للثقة

  • رحبنا بـ "ثورة الياسمين" في تونس واعتبرنا رحيل زين العابدين انتصارا مدهشا للانتفاضة الشعبية وشاورتنا الشكوك فيما بعد لدى اندلاع ثورة 25 يناير في مصر بعد ان اكتشفنا تدخل أمريكا المباشر والعلني في شؤون مصر الداخلية وبعدها انكشف الملعوب ووقفنا في "المجد" ضد الربيع الذي اتضح انه مؤامرة تخريبية هدفه نشر الفتنة و الفوضى والانقسام

  • الربيع العربي كرّس بؤس الواقع واضراره لا زالت موجودة لأنه أمريكيا بامتياز ممول من انصار امريكا في المنطقة

  • هذه أسباب تدهور الحال العربي وغروب شمس القومية العربية أهمها عوامل داخلية وضغوط وتدخلات خارجية شوشت الوعي العربي والفكر القومي

  • ما زلت مترددا في كتابة مذكرات ولدي أسبابي في ذلك

  • أشجع الطلبة النابهين على احتراف مهنة الصحافة وأحرضهم على الاقتداء بي في تعشق هذه الصنعة ، فالصحافة ليست مهنة او هواية او موهبة بل مغامرة مفزعة بقدر ما هي ممتعة، فأنا اقتحمت عالم الصحافة منذ الصفوف المدرسية الثانوية وكنت اطير فرحا حينما اقرأ اسمي مطبوعا تحت سطور خاطرة في باب القراء في الصحف الصادرة في القدس خلال عقد الخمسينات

أجرت مجلة «عود الند» مجلة ثقافية فصلية رقمية حوار هام مع الصحفي المخضرم والقومي فهد الريماوي حملت عنوان الصحافة بين قضايا الأمة والتقدم التقني تجربة صحيفة المجد الاردنية حيث تحدث الريماوي عن تجربته وبداياته ومحطاته على مدار عقود ستة قضاها قابضا على جمر المهنة ملتزما بقضايها القومية منغمسا في احداثها مشتبكا مع الهم العام .

الريماوي ليس مجرد كاتب فحسب بل هو موهبة أجادت تطويع اللغة باسلوب ادبي راقي محترم ونظيف فمثل هذا اللقاء بعد غياب محطة هامة لمن يحاول ان يستفيد من تجربة ومعاناة الريماوي الذي لم يحيد قيد انملة عن خطه وفكره ومعتقده الذي نحن بحاجة إليه هذه الايام اكثر من اي وقت مضى وفيما يلي نص الحوار مع القامة الصحفية العميقة المليئة بالوعي الطافح بالفكر المتجذرة بالحماس التي طوعت اللغة لتصبح قصيدة مليئة بالمعاني والاماني.

فهد الريماوي (أبو مظفّر) مدرسة صحفية. هذا وصف مستحق بجدارة إذا أراد المرء أن يكون منصفا في الحديث عنه وعمّن يختار الصحافة كخيار حياته المهني رغم الأعباء التي يحملها، والأثمان التي يدفعها، من يقدم على هذا الخيار مدفوعا بالمبادئ النبيلة. في مقالة نشرها في عام 2016 في صحيفته القومية، «المجد»، التي أصدرها في الأردن عام 1994، ألقى بعض الضوء على مسيرته وعلى فلسفته الصحفية وتصوره لدور الصحيفة.

"بدافع الفطرة الأدبية والموهبة الكتابية، والانبهار بالكلمة المطبوعة المتعربشة على أكتاف الجرائد والمجلات، وقع اختياري —بل إصراري— على دراسة الصحافة بكلية آداب جامعة القاهرة، بعدما فتح جمال عبد الناصر أبواب «مجانية التعليم» في مصر أمام سائر أبناء الوطن العربي".

تخرج الريماوي في الجامعة عام 1965. عمل وكتب أولا في جريدة «الدفاع» المقدسية قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية وسيناء والجولان في حرب حزيران (يونيو) 1967. بعد ذلك، عمل في الأردن في صحيفتي «الشعب» و«الدستور». وانضم بعدهما إلى صحيفة «الرأي»، أكبر الصحف الأردنية وأوسعها انتشارا، لحين إصداره «المجد» عام 1994.

أسس الريماوي صحيفة «المجد» مستلهما "المدرسة الصحفية الطليعية، ومرحلتها النهضوية الساطعة، وروحها الناصرية العنفوانية". وقد سعى إلى "إحياء المستطاع من تراث الصحافة الأصيلة، وتشييد صرح إعلامي قليل الإمكانات، ولكنه شديد البأس في منازلة ومغالبة مرحلة كاملة من السقوط العربي على أيدي فقهاء الظلام وسفهاء الاستسلام على حد سواء".

«المجد» كما أرادها مؤسسها "صحيفة مبدأ وموقف والتزام، أكثر مما هي منصة أخبار ومقالات وتحقيقات [...] ودأبت على المزاوجة بين عمق العقيدة الفكرية وعذوبة القصيدة الشعرية، رغم أن الواقع العربي المضرج بالدم والهم والغم، لا يسر البال ولا ينعش الخاطر ولا يشجع القريحة على التجلي والإبداع".

بعد دخول «المجد» مجال النشر الرقمي بتأسيس موقع على الإنترنت، كان الموقع يتعرض لهجمات إلكترونية تؤدي إلى حجبه عن متابعيه والجمهور عامة. وكان رغم ذلك يستأنف الصدور. لكن الموقع متوقف منذ فترة طويلة.

مجلة «عود الند» الثقافية أجرت الحوار التالي مع الصحفي المخضرم والشخصية القومية المعروفة في الأردن وخارجه، الأستاذ فهد الريماوي، عن تجربته في ميدان الصحافة وفي صحيفته «المجد». طرح الأسئلة عدلي الهواري.


(س) أنت صحفي مخضرم قضى عقودا في الصحافة التي عرفتها الأجيال على أنها أخبار وصور مطبوعة على ورق من نوع وحجم معينين، يشتريها معظم الناس من باعة الصحف المتجولين، أو بسطة على الرصيف. تقدمت التكنولوجيا وفرض النشر الرقمي نفسه على الجميع. هل نشر الصحف رقميا خدم الصحافة بشكل عام، والصحف من ناحية الانتشار والدخل، أم العكس؟

(ج) مؤكد أن ثورة الإنترنت ومشتقاتها الإلكترونية قد أحدثت نقلة واسعة في مضمار النشر الصحفي، وبما يعني سرعة وسهولة انتشار الصحف والمجلات على الصعيد العربي والعالمي، وتخطيها للحواجز الجغرافية والحدود بين الدول والكيانات السياسية المختلفة.

ومن هنا فقد أسدى النشر الصحفي الرقمي خدمة جليلة للصحافة، ومكّن لها من تجاوز الكثير من العوائق والعقبات والمصادرات في هذه الدولة أو تلك، فبعد أن كان توزيع الصحف الورقية يتم ميكانيكياً بنقل الكميات المطبوعة من مكان إلى آخر بواسطة أدوات الشحن والتحميل، بات يتم إلكترونياً عبر وسائل الاتصال. وشتان بين سهولة الاتصال وصعوبات الانتقال.

(س) صحيفة «المجد» صدرت في فترة شهدت توسيع نطاق الحريات في الأردن وبدء إجراء انتخابات نيابية. ثم حدث تعديل لقانون الصحافة، وواجهت «المجد» المتاعب نتيجة بعض المقالات التي نشرتها وفيها نقد للحكومة. كم كان سقف النشر مرتفعا، وإلى أي حد انخفض لاحقا؟

(ج) في أعقاب انتفاضة نيسان الشعبية الأردنية عام 1989، شهدت البلاد مناخاً وطنياً وديموقراطياً إلى حد ما، حيث جرت انتخابات برلمانية نزيهة، وتغيرت عدة قوانين عرفية منها قانون المطبوعات، وبما أباح حرية إصدار صحف جديدة بعد أن كان ذلك من المستحيلات.


لقد اغتنمنا هذه الفرصة النادرة لنيل رخصة إصدار مطبوعة أسبوعية باسم «المجد» التي انطلقت في 11 نيسان (أبريل) 1994، وحملت على صدر صفحتها الأولى مقولة القائد الخالد جمال عبد الناصر: «ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة».

منذ صدور عددها الأول وحتى عددها الورقي الأخير 26 كانون الأول (ديسمبر) 2016، تعرضت «المجد» لسلسلة من العقبات والعقوبات الأمنية والحكومية يصعب حصرها، سواء لجهة المصادرة أو منع الطباعة، أو حبس رئيس التحرير أو منعه من السفر أو جرجرته في المحاكم لعدة أعوام، أو حجب الإعلانات والاشتراكات الخ الخ.

أما السبب الرئيسي لكل هذه المتاعب والمصاعب، فهو وقوف «المجد» بحزم وشيء من التحدي في وجه معاهدة «وادي عربة» المشؤومة، التي تم إبرامها أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1994 بين الأردن وكيان إسرائيل، وأنهت «رسمياً» حالة العداء بين الجانبين، وحددت الحدود المشتركة، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة.

(س) متى حسمت أمرك وقررت إصدار المجد رقميا؟

(ج) بعد نضال صحفي مرير، وشُح في المال والإعلان، ورفض من جانبنا لأي تمويل من خارج مجهودات «المجد» ومواردها الذاتية، قررنا التخفف من أعباء الصحافة المطبوعة، والتوجه بالتالي نحو الصحافة الرقمية، حيث أصدرنا «المجد» الإلكترونية في شهر مارس (آذار) 2017، ورغم كل ما تعرضت له جريدتنا من هجمات وملاحقات الهاكرز من الأردن وكيان إسرائيل ومشيخات الخليج (وحتى من أوكرانيا جراء دعمنا لروسيا) إلا أننا قد صمدنا إلى يوم فجيعتنا بسقوط سوريا الحبيبة في قبضة الإرهابيين (الجولاني وأردوغان ونتنياهو) في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024.

يومذاك لم يسقط نظام الأسد، كما يزعمون، بل سقطت سوريا بكامل أبعادها. تحولت من لاعبٍ مقتدر إلى ملعبٍ مفتوح، ومن دولة محورية وازنة ومهيبة —في عهد الأسدين— إلى ساحة فوضوية مستباحة يتناوشها الأعداء من كل جانب، وذلك إلى حين أن يستيقظ الشعب السوري من غفلته، ويثوب إلى وعيه بعروبته، ويعيد سوريا إلى حقيقتها القومية باعتبارها «قلب العروبة النابض»، كما وصفها يوماً جمال عبد الناصر.

(س) في العصر الرقمي ظهر العديد من وسائل الإعلام الجديد (مواقع التواصل)، هل كان فيها مصادر إخبارية غير تقليدية، أم أصبحت وسيلة لكتابة أخبار ومقالات لا تسمن ولا تغني من جوع عن أقوال المغردين عن أمر ما؟

(ج) وسائل الإعلام الجديدة (مواقع التواصل) يُؤخذ منها ويُردّ، كما يقول المناطقة، فهي مفيدة في تعميم الأخبار وإشاعتها بين الناس، خلافاً لوسائل الإعلام التقليدية المحكومة غالباً بالتعليمات والقوانين الرسمية، والمصالح والأغراض السياسية والاقتصادية. غير أن معظم هذه الوسائل الجديدة فجة ومتسرعة وقليلة الدسم الفكري والأدبي، بل حافلة بالأخطاء اللغويّة والنحوية، وابسط القواعد الصحفية والمعايير الإعلامية، وهو الأمر الذي يحول دون الركون إلى مصداقيتها، والاعتماد على محتوياتها كمصادر مؤهلة للثقة بها.

(س) المجد ذات ميول (عقيدة) ناصرية، وانتظمت في إحياء ذكرى ثورة 23 يوليو، وميلاد ووفاة جمال عبد الناصر. الحديث عن عبد الناصر وتجربته دائما بين نقيضين: الهجوم الكاسح عليها، وتمجيدها بلا هوادة. هل اعتماد ناصر على شخصيته الكاريزمية وعدم بناء مؤسسات لا تنهار بغيابه من أسباب تراجع التيار الناصري والحديث عن كيان عربي موحد أو قومية عربية؟

(ج) أولا، في الأساس نحن العرب أمة قبائل تمجّد أبطالها وتحتاج لقيادتهم عند الشدائد والمحن، وهذا تاريخنا شاهد على ذلك منذ فجر الإسلام، وكذا ها هو حاضرنا الراهن يؤكد أن أول أسباب ضياعنا هو غياب القيادات الكاريزمية الفاعلة.

ثانياً، لا أحد منا —معشر الناصريين— ينكر وقوع أخطاء وإخفاقات في مشروع عبد الناصر (فالعصمة لا تكون إلا لنبي) غير أن هذه الأخطاء والنكسات وردت في سياق النضال القومي النهضوي والوحدوي الباسل والمجيد وليس التخاذل والاستخذاء والانبطاح، وكذا وردت في خضم معارك ضارية ومتعددة مع القوى الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية، التي استماتت في التصدي للمشروع الثوري الناصري.

وفي المحصلة، لسنا في وارد الدفاع عن هذا العملاق العربي وتعداد إنجازاته والتنويه ببطولاته، ولكننا نسأل خصومه قبل أنصاره: أين كانت مصر والأمة العربية في عهده، وأين أصبحتا من بعده؟

ويبقى السؤال الحائر: هل جاء عبد الناصر سابقاً لعصره، ثم اختطفته يد المنون قبل أن يحقق نصره؟

(س) شهدت بعض الدول العربية في 2011-2012 مظاهرات طالبت بتغييرات. حظيت التحركات وقتها بالترحيب من كثيرين، وساور البعض لأسباب مختلفة الشك في أهدافها. كيف رأيت الأمور وقتها؟ وما هو تقيمك الحالي لما جرى في ضوء النتائج النهائية لهذه التحركات؟

(ج) في بداية ما سمي بــ«الربيع العربي» رحبنا بثورة الياسمين في تونس، واعتبرنا رحيل زين العابدين بن علي انتصاراً مدهشاً لهذه الانتفاضة الشعبية المباركة، غير أن الشكوك بدأت تساورنا لدى اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2012 في مصر، ليس حرصاً على نظام حسني مبارك المستبد الفاسد، ولكن رفضاً لتدخل الرئيس الأمريكي أوباما العلني والمباشر في شؤون مصر الداخلية، وإصداره أمراً عبر وسائل الإعلام للرئيس مبارك بالتنحي فوراً، تمهيداً لتسليم الرئاسة المصرية للإخوان المسلمين.

فيما بعد انكشف الملعوب، ووقفنا في «المجد» بحزم ضد هذا «الربيع» الذي اتضح أنه محض مؤامرة تخريبية مدبرة بليل، هدفها الأول والأساس نشر كوارث الفتنة والفرقة والفوضى والانقسام في عموم الوطن العربي، باستثناء الأنظمة الموالية لأمريكا، والمُطبّعة سراً أو علانية مع كيان إسرائيل.

يكفي أن نتأمل بؤس واقع الحال العربي الراهن، لندرك فداحة المخاطر والأضرار التي تمخض عنها ذلك «الربيع» الملعون الذي أطلقته أمريكا، ومولته المشيخات.


(س) تعبيرا الأمة الإسلامية والعربية أصبحا دون حد أدنى من المحتوى، بدليل عدم وجود تضامن ولو قليل بين ومع فئات الأمة. ما هو تشخيصك لأسباب هذا التراجع؟

هناك فرق بين الدين والقومية، ولذلك يصحّ القول: أمة عربية (بصرف النظر عن الدين) وعالم إسلامي (متعدد الدول القومية)، ولا شك أن كلا الطرفين العربي والإسلامي باتا خُلواً من المحتوى الأخوي التضامني الحقيقي، بدلالة مواقفهما المخزية (باستثناء حزب الله في لبنان، وإيران، واليمن/الحوثي) من المجازر والتوغلات والعربدات الصهيونية في غزة والضفة ولبنان وسوريا.

أما عن أسباب تدهور الحال العربي وغروب شمس القومية العربية، فحدّث ولا حرج، حيث تضافرت —بعد رحيل عبد الناصر— عدة عوامل وظروف داخلية، وجملة ضغوط وتدخلات خارجية لتشويش الوعي العربي، وتشويه الفكر القومي، وضرب العروبة بالإسلام، وإسقاط الأنظمة المحسوبة على القومية العربية في العراق وليبيا وسوريا.

الغريب العجيب أن جزيرة العرب، التي تعتبر أصل العرب ومنبتهم الأساسي، تنطوي هذه الأيام على ممالك وإمارات شديدة العداء لمفهوم القومية والعروبة، بقدر ما هي شديدة الولاء للأمريكان والصهاينة وباقي «أطراف المحور الإبراهيمي».

(س) أنت صحفي مخضرم تابع الكثير من الأحداث الكبرى والصغرى في الدول العربية، وأجرى مقابلات مع مسؤولين على أعلى المستويات. هل تنوي كتابة مذكراتك؟ وإذا كتبتها متى نتوقع نشرها؟

(ج) ما زلت متردداً في كتابة مذكراتي، رغم أن أكثر أصدقائي طالبوني بذلك. ولعل عندي بضعة أسباب لهذا التردد والعزوف عن تدوين مذكراتي، أولها إنني محض كاتب صحفي عربي مارس مهنته بقدرٍ وافٍ من شرف المهنة، والالتزام بمعاييرها الوطنية والقومية والأخلاقية، شأني في ذلك شأن المئات من شرفاء الكتاب الصحفيين العرب الذين رفضوا بيع ضمائرهم، وتأجير أقلامهم.

أما ثاني هذه الأسباب (والذي سبق أن أشرت له في إحدى مقالاتي) فيعود إلى أن تجربتي الصحفية، الممتدة لأكثر من نصف قرن، تتضمن وقائع ومواقف مُشرّفة ومتأبية على المناصب والمكاسب وسواها من الإغراءات التي عرضتها عليّ بعض الجهات النافذة، وفي أوقات مختلفة. ولعل ما أخشاه هو التشكيك في صدقية هذه المواقف، والنظر إليها كمزاعم وادعاءات فارغة بلا أسانيد أو وثائق تثبت صحتها، علاوة على قناعتي —لاعتبارات أخلاقية— بضرورة التكتم على هويات تلك الجهات التي راودتني عن ضميري، خصوصاً وقد بات جُلّها في ذمة التاريخ.


(س) لو دعتك مدرسة ثانوية للحديث للطالبات والطلاب عن الصحافة كخيار مهني، هل ستشجعهم على ذلك، أم تنصحهم بالابتعاد عنه؟

(ج) بكل تأكيد سوف أشجع النابهين منهم على احتراف مهنة الصحافة، وأحرضهم على الاقتداء بي في تعشّق هذه «الصنعة» الفردوسية البالغة البهاء والجاذبية، ذلك لان الصحافة، في خاطري، ليست مهنة أو هواية أو موهبة، بل «مغامرة» مُفزعة بقدر ما هي مُمتعة، «ومنازلة» خطيرة ولكنها مُثيرة، «ورسالة» سامية لا تعلوها أو تتقدم عليها أية رسالة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أخرى.

لقد اقتحمتُ عالم الصحافة مبكراً منذ الصفوف المدرسية الثانوية، وكنت أطير فرحاً حينما اقرأ اسمي مطبوعا تحت سطور خاطرة أو مقطوعة شعرية منشورة في «باب القراء» الذي كانت تخصصه صحف الدفاع والجهاد وفلسطين الصادرة في القدس، خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، وما أن أنهيت المرحلة الثانوية حتى التحقت، عام 1961، بقسم الصحافة في كلية الآداب بجامعة القاهرة، حيث نلت شهادة الليسانس بتقدير جيد جداً ودرجة الشرف الثانية عام 1965، ومنذ ذلك الحين حتى وقتنا الراهن لم أتعامل مع أية مهنة سوى الصحافة، التي استحوذت على كامل حياتي واهتماماتي دون منازع.

وأضيف أخيرا، إنني قد حاولت طوال عمري المهني، الذي نيّف على خمسين عاماً، الالتزام ليس بمبادئ القائد الخالد جمال عبد الناصر وأفكاره القومية فحسب، بل أيضا بأخلاقياته الشامخة في الزهد والنزاهة ونظافة اليد والقلب.