العنف في المجتمع العربي: أزمة بنيوية تتطلّب اعترافًا وإصلاحًا جذريًا
تواجه المجتمعات العربية داخل البلاد أزمة متفاقمة تتعلق بانتشار العنف والجريمة، وهي أزمة لم تعد قابلة للتهوين أو التعامل معها كحوادث منفردة أو استثناءات ظرفية.
المشهد العام يشير بوضوح إلى تحوّل العنف إلى ظاهرة بنيوية، تتداخل فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بحيث لم يعد من الممكن فصل حدث عن آخر أو النظر إليه بمنظار فردي.
خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات القتل بوتيرة مقلقة، إذ تشهد البلدات العربية فقدان شباب وفتيات في عمر الورد دون سبب مباشر أو خلاف واضح، كما حدث مؤخرًا في كفر ياسيف وجت.
هذه الحوادث، وإن بدت متفرقة، تتجاوز حدود "الصدفة"؛ فهي تنتمي إلى سياق واحد يعكس إخفاقًا شاملًا في توفير منظومة أمان فعّالة.
من الناحية التحليلية، يمكن قراءة الأزمة على مستويين متوازيين:
أولًا: المستوى البنيوي— فجوات خطيرة في منظومة الأمن.
يشير الواقع إلى ضعف واضح في قدرة المؤسسات الرسمية على حماية المواطنين، سواء من حيث الردع، أو تفكيك شبكات الجريمة، أو ضبط انتشار السلاح غير المرخص.
وتظهر التجربة أن غياب استراتيجية متكاملة لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي ترك فراغًا واسعًا تستغله مجموعات منظمة لفرض نفوذها وتوسيع نشاطها.
ثانيًا: المستوى المجتمعي— تآكل الثقة وتطبيع الخوف.
يعيش المجتمع حالة من الإرهاق النفسي وتراجع الثقة بالمؤسسات، ما يزيد الشعور بعدم الأمان ويعزز الانغلاق الاجتماعي.
القلق اليومي الذي يرافق الأهالي، والخشية المستمرة على الأبناء، والتطبيع المتكرر مع أخبار القتل، كلها مؤشرات على اختلال في الصحة الاجتماعية العامة.
ولعل الأخطر هو قبول هذا الواقع كأمر مفروغ منه، وهو ما يعيق أي جهد حقيقي نحو التغيير.