خطوة إلى الوراء .. خطوتان إلى الوراء أيضاً
اخبار البلد
عُدَّ النكوص عن "إعلان الدوحة” خطوة إلى الوراء على مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية، وليس هدف هذا المقال، تحليل الأسباب وتحميل المسؤوليات، فقد قلنا وكتبنا وتحدثنا في الأمر مرات ومرات...لكن وقائع الأيام القليلة الفائتة سَجّلت في ثناياها، خطوتين إلى الوراء أيضاً، أو بالأحرى انتكاستين كُبريين...الأولى، وتمثلت في التعديل الوزاري الذي أجراه الدكتور سلام فيّاض على حكومته...والثانية، التعديل المقترح على قانون الحكم المحلي بما يتيح إجراء إنتخابات بلدية في الضفة الغربية من دون قطاع غزة.
كان من المفروض وفقاً لأجندة المصالحة، أن تكون حكومة فيّاض في "ذمة التاريخ”، وأن تكون الضفة والقطاع، قد خضعتا منذ عدة أشهر، لإدارة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)...وكان المفروض وفقاً لتلك الأجندة الزمنية، أن يكون الفلسطينيون على مشارف إنتخابات برلمانية ورئاسية، أكثر أهمية وإستحقاقاً وإلحاحاً من الانتخابات البلدية.
تعديل حكومة فيّاض، مؤشر لا يقبل التأويل على فشل مساعي استئناف الحوار وإتمام المصالحة...هذا أمر لا نقاش فيه ولا جدال...حتى وإن أكد الرئيس عباس ومعاونوه بأن تعديل الحكومة لن يمنع حلها صبيحة اليوم التالي، إن توفرت الفرصة من جديد لتشكيل حكومة الوحدة وإتمام المصالحة...وفي ظني أن مثل هذا التعديل، وإن كان من الممكن النظر إليه كورقة ضغط على حماس وحكومة غزة، إلا أنه يظل مع ذلك، خطوة إلى الوراء بكل المقاييس.
وليس من حق حماس، وبالتحديد في قطاع غزة، أن تتخذ من هذه الخطوة، فرصة للتنصل من المسؤولية في إفشال مسعى المصالحة، فالحركة مسؤولية مثل فتح، إن لم يكن أكثر منها، على الأقل في إحباط آخر جولة من جولات المصالحة، بسبب إنقساماتها الداخلية الظاهرة للعيان، وميل جناحها الغزاوي (بإعتراف قيادات حمساوية علناً)، للاحتفاظ بحكومة الأمر الواقع في القطاع، وتعطيلها عمل لجنة الإنتخابات، بل وميلها لإرجاء كأس الانتخابات إلى أبعد مدى زمني ممكن.
والحقيقة أن التعديل الوزراي الأخير في رام الله، سبقته تعديلات وتبديلات في المواقع والحقائب في غزة، والأهم سبقته حركة نشطة وغير مسبوقة للحكومة المقالة في الخارج في الأشهر والأسابيع الأخيرة، بدءا من جولات رئيسها إسماعيل هنية الخارجية الواسعة، وإنتهاء بآخر زيارة لوزير خارجيتها إلى طهران، لتبديد القلق الإيراني من مغبة إبتعاد حماس عن "محور المقاومة والممانعة” ؟!.
على أن الطامة الكبرى، ستطل برأسها، إن قررت القيادة الفلسطينية إجراء إنتخابات الحكم المحلي في الضفة دون القطاع، عندها سيكون الإنقسام قد تكرّس جغرافيا وسياسياً ومؤسساتياً، وبإرادة شعبية...وعندها قد يُثار السؤال حول إمكانية إستمراء وإستسهال اللجوء إلى إنتخابات برلمانية ورئاسية منفصلة، تعيد شبح سيناريو باكستان الشرقية والغربية، الباكستان وبنغلادش.
قد لا تبدو الصورة بهذا القدر من التشاؤم والسودواية، فما زالت هناك حوارات وإتصالات وتعهدات بإستئناف المساعي ووصل ما انقطع...ما زالت هناك فسحة من الوقت لحين إتمام انتخابات المكتب السياسي ومجلس شورى حماس...وتجربة الوحدة الميدانية في السجون وفي حركة التضامن مع الأسرى، خارج السجون وعلى إمتداد الوطن المحتل والمحاصر، تبقي جذوة الأمل مشتعلة في النفوس والعقول والضمائر...لكن الأمر الذي لا خلاف فيه ولا جدال، أن "حكاية المصالحة” باتت أمراً ممجوجاً ومثيراً لسخرية وإحباط معظم الفلسطينيين...وهي تبرهن يوماً إثر آخر، أن قوى الإنقسام والشرذمة و”تأبيد الأمر الواقع” ما زالت تحظى بصوت مرتفع ونفوذ لا يجوز التقليل من شأنه بحال من الأحوال.