رجال في النظام الأردني يسحبون من رصيد القصر



اخبار البلد_ بسام البدارين _  لا أعرف سببا يدفع دركيا وتحت أي ظرف لدفع كفيف أو معوق حركيا وقف على بوابة الديوان الملكي الأردني باحثا عن ملاذ في حضن قصر الأردنيين الملكي.

السبب الوحيد المرجح بتقديري هو مسؤول ما ضيق الأفق بالميدان قرر أن يقمع الإعتصام الفريد الذي نفذه السبت الماضي من يطلق عليهم الإعلام الرسمي من باب الرحمة لقب (ذوي الحاجات الخاصة).

هؤلاء تحرك الملك عبدلله الثاني شخصيا لنصرة الأطفال منهم عندما وجه أسرع رسالة للحكومة وقام بزيارات مفاجئة تنديدا بالممارسات غير الأخلاقية ضد الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة.

المسؤول الذي قرر قمع إعتصام هذه الفئة من المواطنين قد يكون دركيا وقد يكون مدنيا من أصحاب ربطات العنق المتدثرين بوظيفة رفيعة وسط مكيفات الهواء ويتصورون أن الأردن شعبا وقيادة لا يساوي شيئا بدونهم وأنهم حماة الديار والسبب في تثبيت أسعار الدينار ولولاهم لأصاب النظام الإنهيار.

مكفوفون لا يبصرون ومعوقون حركيا من مختلف محافظات المملكة تجمعوا أمام الديوان الملكي للمطالبة بحقوق طبيعية وبشرية من العار التحدث عنها أو نقصها في المجتمعات المتحضرة خصوصا تلك التي يمول المواطن فيها خزينتها..طبعا قبل ان يسرق اللصوص والحرامية هذه الخزينة بدعوى الحفاظ على المصلحة العليا للإقتصاد.

..هؤلاء المساكين جربوا حظهم مع الإعتصام كما فعل نصف أبناء الشعب الأردني على الأقل طوال عام ونصف في هامش الحراك فوقفوا أمام بوابة الديوان الملكي ورفعوا الصوت بنداء إستغاثة.. لم يخطط أي منهم لإنقلاب على النظام ولم يفكر أيهم بالإصلاح السياسي فلو كانت البلاد كما يقال فيها {تجربة إصلاحية} لحصل كل صاحب حاجة على حقه بدون إعتصامات.

رغبوا عمليا بتقليد موجات الربيع العربي وقال أحد المكفوفين لزميل في مدرسة الظلام : إمسك عصاك وإلحقني لعلنا نلفت نظر السلطة فحضر الأعمى والأطرش والأصم والأبكم والمعوق حركيا بلا حول ولا قوة يتعكزون على أنفسهم لهدف يتيم وهو إسماع صوتهم لعل وعسى.

المشهد يشبه فيلما سينمائيا شهيرا لعادل إمام عن شخص كفيف يقود ثورة في الشارع بسبب التعسف والظلم والإضطهاد والتجاهل والتطنيش.

أحد المسؤولين في الميدان قرر الإستجابة للأوامر القاضية بمنع الإعتصامات أمام الديوان الملكي بعد الان وتم التنفيذ فقمع المعوقين {وفقا لتعبير منظمات حقوق الإنسان} بقسوة وعلى حد زعم نشطاء فيس بوك أصيب بعضهم بجراح لان صرخة واحدة وسط تجمع من أبناء هذه الفئة العزيزة تعني الغرق في التدافع والتزاحم.

وهذا الإجراء الأمني البائس لم يتخذ سابقا في نفس المكان ضد مئات المعتصمين الذين رفعوا صوتهم على بوابات ديوان الملك وبينهم متقاعدون عسكريون صاح أحدهم بتحويل المملكة إلى جمهورية قبل تغيبه عن المشهد وبينهم كذلك المئات من النشطاء والسياسيين الذين تم إحتواؤهم.

عقلية الموظفين أحجمت عن التصرف على الطريقة الأردنية التي تقضي بأن يطلب أحد المسؤولين وفدا يمثل المعتصمين ما داموا يلوذون بالملك وليسوا ضده ولا يحملون سلاحا فيحصل لقاء وتسلم مطالب وتطلق وعودا بتمريرها لان كل ما يريده الناس عمليا إيصال الخبر للملك لقناعتهم المطلقة بأن الأخبار لا تصل أوتحجب او تفلتر.

البديل كان سريعا وهو قمع ذوي الإحتياجات الخاصة فالعقلية الأمنية في البلاد تضيق لتقترب من خرم الأبرة ولابد من البطش وإظهار الخشونة حتى يرتدع الحراكيون ويحافظ المسؤولون على مناصبهم مع إسقاط كامل للإعتبارات التي تحمي النظام والملك والحكم بالعادة مثل قيم العدالة ومحاربة الفساد والإنصاف.

ثمة خيارات في الأردن تضيق أمام صاحب القرار بفعل سيادة الأمني على السياسي وثمة بالمقابل ـ وهذا الأخطر- خيارات تصبح ضيقة جدا أمام المواطن أيضا، والذين يتشدقون يوميا بإسم النظام لحمايته والحديث عن مؤامرات ضده هم أنفسهم الذين يحولون بسياساتهم الرعناء البالية بين المرء وقيادته.

اليوم يمكننا القول بضمير مرتاح تماما بان المؤسسة الأردنية تدفع عمليا ثمن مجازافاتها بإختيار نخب ورموز متكلسة مراهقة دقت الإسفين بين الحاكم والمحكوم فالجرأة التي يتحدث فيها الناس بالشارع اليوم ضد مؤسسة القرار وليس فقط ضد الحكومة والوزراء خلافا للعادة لها سبب واحد ويتيم: إنهم رجال النظام الذين أحاطوا به وطوقوه بأجنداتهم ومقترحاتهم المرتعبة والمصلحية والشخصانية.

لو كان وضع مؤسسات الدولة الأردنية مع الناس جيدا وممتازا كما يقال لنا في الدوائر الرسمية لما سمعنا كل هذا الضجيج بين الناس ضد النظام وضد الحكم هذه المرة فكل خطأ بيروقراطي أو أمني إرتكبه أحدهم سحب بعضا من رصيد النظام رغم أن الملكية مستقرة في وجدان الأردنيين وعايشوها طوال عقود في تجربة كانت دوما فريدة بين شعب وقيادة تملك كل الشرعيات المتاحة بالكون وهي شرعيات يؤثر عليها سلبا الإصرار على إختيار الرجل المناسب في المكان المناسب.

‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن