خدعة عربية اجتاحت العالم.. قصة خطأ تاريخي دام 700 عام
كشفت دراسة أكاديمية حديثة عن خطأ تاريخي دام أكثر من سبعة قرون في سرد تاريخ انتشار الموت الأسود، الطاعون الذي أودى بحياة ملايين الأوروبيين في القرن الرابع عشر، مؤكدين أن أحد المصادر الرئيسة التي استند إليها المؤرخون كان نصاً أدبياً خيالياً وليس شهادة تاريخية.
لطالما سارت الرواية السائدة حول الموت الأسود على نمط مألوف، يتمثل في انتشار مفاجئ في الصين، ثم انتقال سريع غرباً عبر آسيا، وصولاً إلى أوروبا بحلول عام 1347، وقد اعتُبر أن الطاعون قطع مسافة 5000 كيلومتر برياً في أقل من عشر سنوات، وهو ما اعتُبر شبه واقع تاريخي.
لكن دراسة نُشرت في مجلة الدراسات العربية والإسلامية تكشف أن المصدر الأساسي لهذه "نظرية الانتقال السريع" كان مقامة عربية كتبها السوري ابن الوردي خلال تفشي الطاعون في العالم المملوكي بين 1348 و1349، وهي نوع من الأدب يجمع بين النثر المقفى والاستعارة والفانتازيا، بهدف التعبير عن البعد النفسي والأخلاقي للموت الجماعي، وليس لتقديم سجل تاريخي دقيق، وفقا لديلي جالكسي.
وابن الوردي هو المؤرخ والأديب السوري المعروف باسم أبو الحسن علي بن محمد بن الوردي، عاش في القرن الرابع عشر الميلادي (توفي حوالي 1349م). يُعرف ابن الوردي بشكل رئيسي بكتاباته التاريخية والأدبية التي دمج فيها بين التاريخ والسرد الأدبي، خاصة في سياق الأحداث الكبرى مثل الأوبئة والحروب، من أبرز أعماله "رسالة النبأ عن الطاعون"، التي تتناول وباء الموت الأسود في المشرق الإسلامي خلال القرن الرابع عشر، لكنها نص أدبي أكثر من كونه وثيقة تاريخية دقيقة.
سوء تفسير هذه المقامة أدى إلى بناء سرد تاريخي خاطئ عن انتقال الطاعون، ما شكل صورة لمرض ينتقل بدقة شبه ميكانيكية من الصين والهند وفارس والشرق الأوسط. وقد تبنى هذا الخطأ لاحقاً مؤرخون عرب وأوروبيون، ما أضفى على النصوص الأدبية طابعاً وثائقياً زائفاً دام قروناً.
ولم يكن ابن الوردي وحده؛ إذ استخدم كل من الصفدي والمقريزي أساليب مشابهة في مقاماتهم، حيث صوروا الطاعون كقوة زائرة أو متجولة، بهدف التعبير عن الخوف والاضطراب والحكم الإلهي، وليس لرسم خرائط دقيقة للوباء.
توضح الدراسة أن تصحيح هذا الخطأ لا ينفي حجم الكارثة التي خلفها الموت الأسود، الذي قضى على 30% إلى 50% من سكان أوروبا بحلول أوائل خمسينات القرن الرابع عشر، ولا يُشكك في حقيقة وصول الطاعون من آسيا إلى أوروبا، لكنه يعيد النظر في وتيرة انتشاره ومساره الجغرافي.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه المقامات ليست مجرد نصوص أدبية، بل تعكس آليات التكيف النفسي والاجتماعي لمجتمعات العصور الوسطى في مواجهة الموت الجماعي، من خلال السرد والاستعارة والتصوير الرمزي، ما يجعلها أقرب إلى الحسابات النفسية للأوبئة منها إلى تتبع علمي دقيق.
وخلص التقرير إلى أن الإبداع الفني كان جزءاً من استراتيجيات التكيف، وأن دراسة هذه النصوص تكشف أوجه التشابه بين الاستجابة الثقافية للموت الأسود وسلوكيات المجتمعات الحديثة أثناء الأوبئة، بما في ذلك التخييل والإنكار والإطار الرمزي للأحداث.