وسط ترقب أنقرة.. الانتخابات العراقية تضع النفوذ التركي على المحك

مع بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025 في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، يواجه النفوذ التركي في بغداد أول اختبار جدي منذ تعزيز العلاقات مع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وعلى الرغم من أن تركيا ليست طرفًا مرشحًا رسميًا في الانتخابات، فإن مصالحها مطروحة على الطاولة، خاصة مع استمرار اتفاقيات تقاسم المياه والتنسيق الأمني الذي وصل إلى ذروته بين أنقرة وبغداد خلال السنوات الأخيرة، بحسب موقع "المونيتور".

برزت تركيا كفاعل هادئ خلال العملية الانتخابية، تسعى من خلاله للحفاظ على الزخم الإيجابي الذي تحقق مع السوداني، وإنهاء سنوات من الخلافات بشأن العمليات العسكرية التركية ضد المسلحين الأكراد في شمال العراق.
وتظل أنقرة تأمل في أن توفر الحكومة المقبلة، بغض النظر عن تكوينها، استمرارية في المسار الحالي للتعاون الثنائي.

فرص وتحديات السوداني
تجرى الانتخابات على جميع مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعدًا، ويُنظر إلى ائتلاف السوداني لإعادة الإعمار والتنمية على أنه المرشح الأوفر حظًا، مستفيدًا من الإصلاحات في البنية التحتية والتحسن النسبي في الاستقرار منذ 2022.

إلا أن المنافسة ستشتد مع الإطار التنسيقي بقيادة نوري المالكي، الذي يسعى لاستعادة النفوذ ومنع السوداني من ولاية ثانية.

وبحسب عباس العنبوري، رئيس مركز رواق بغداد للسياسات العامة، قد يحصل ائتلاف السوداني على نحو 60 مقعدًا، مقابل أكثر من 30 مقعدًا للمالكي، مع صعوبة في ضمان استمرار السوداني في منصبه بسبب معارضة غالبية أعضاء الإطار التنسيقي.
ولتشكيل حكومة، يحتاج السوداني إلى 165 مقعدًا، وهو ما قد يدفعه للبحث عن تحالفات مع الكتل السنية والكردية المعتدلة مثل تحالف قوى الدولة الوطنية بقيادة عمار الحكيم.

ويقول بيلجاي دومان، خبير الشؤون العراقية في أنقرة، إن الانقسامات داخل الشيعة وحتى داخل قوات الحشد الشعبي تمنح السوداني فرصة لبناء تحالفات أكثر اعتدالًا؛ ما يفتح الباب أمام استمرارية سياساته وتثبيت النفوذ التركي في بغداد.

مصالح تركيا في بغداد
تركز أنقرة على ملفين رئيسيين: الأمن وتقاسم المياه. فقد حظر العراق حزب العمال الكردستاني (PKK) في مارس 2024 تلبيةً لمطالب تركيا، فيما يسعى الحزب حاليًا لنزع سلاحه وحل نفسه ضمن محادثات السلام الجارية.

وفيما يتعلق بالمياه، توصل الطرفان إلى اتفاقية إطارية خلال زيارة الرئيس أردوغان لبغداد في أبريل 2024، تم تمويلها جزئيًا من عائدات صادرات النفط العراقي، لدعم مشاريع البنية التحتية المائية التي تبنيها تركيا في العراق.
وقد ساهم هذا الاتفاق في التخفيف من التوترات، خاصة في جنوب العراق، حيث هددت الاحتجاجات حول نقص المياه شعبية السوداني قبل الانتخابات.

كما تسعى الحكومة العراقية لتطوير مشروع طريق التنمية الذي يربط الموانئ الجنوبية للعراق بالخليج بأوروبا عبر تركيا؛ ما يعزز الروابط الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين.
ويؤكد دومان أن هذا المسار سيستمر بغض النظر عن نتائج الانتخابات، حيث أصبحت العلاقات التركية العراقية مؤسسية إلى حد يسمح بالتعاون حتى مع رئيس وزراء مثل نوري المالكي، الذي كانت أنقرة قد انتقدته سابقًا بسبب سياساته الطائفية تجاه السنة العراقيين.

الديناميات الإقليمية
تلعب الأحزاب الكردية دورًا مهمًا في تشكيل الحكومة، إذ يعتمد اختيار رئيس العراق على توافق الكتل الكردية، بينما يكلف الرئيس عادةً مرشح أكبر كتلة شيعية بتشكيل الحكومة.

تميل تركيا إلى دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني، الأقرب لأنقرة في التعاون التجاري والأمني، لكن العلاقات مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني تحسنت مؤخرًا بعد استئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى السليمانية.

وبالمثل، تتسم الكتل السنية بالانقسامات؛ ما يجعل عملية تشكيل الحكومة معقدة، لكنها أيضًا تتيح فرصة للائتلافات المعتدلة لتجاوز الانقسامات الطائفية والفئوية، وبالتالي تعزيز استقرار السياسة العراقية على المدى الطويل.
ويخلص عباس العنبوري إلى أن البرلمان المقبل سيحافظ على موقفه الإيجابي تجاه تركيا، مع استمرار الأولوية للقضيتين الرئيسيتين: المياه ووضع القوات التركية على الأراضي العراقية.

وبذلك، تظل أنقرة حليفًا استراتيجيًا للعراق بغض النظر عن نتائج انتخابات 11 نوفمبر/تشرين الثاني.