النكبة العربية أصبحت نكبات

اخبار البلد 
في 15 من أيار من كل عام تصادف ذكرى النكبة العربية في فلسطين وتشريد شعبها الآمن الى كل بقاع الدنيا ، تلك النكبة التي لا زالت حاضرة في ألأذهان والضمير الإنساني وكأنها بالأمس كانت ، وليس قبل 64 عاما .
وفي هذا العام تأتي ذكرى النكبة في واقع وظروف مختلفة تماما ، فقد أصبحت النكبة للأسف نكبات ، ومن جرح فلسطين النازف منذ 64 عاما ، لجرح العراق النازف قبل 9 أعوام لجرح ليبيا منذ عام ، والنكبة الأولى كانت في فلسطين والباقي كان إكمالا للحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل بعد أن جرى تحييد مصر في صفقة كامب ديفيد المخزية .
ونكبة فلسطين كانت ولا تزال المحرك الرئيسي لكل ما حدث في الشرق الأوسط والوطن العربي تحديدا منذ تلك المأساة بدءا من ثورة 23 يوليو المجيدة في مصر على النظام الفاسد وصولا لثورتي العراق 14 تموز عام 1958 ، والثانية 17 تموز عام 1968 ، وثورة إيران التي قادها الإمام الخميني على العميل محمد رضا بهلوي والتي جزء كبير من أسبابها من أجل فلسطين بعد أن كانت إيران الشاه مركزا لنشاط المخابرات الأمريكية والموساد الصهيوني ، والفتنة بين العراق وإيران وحرب الثمانية أعوام المؤلمة كان الهدف منها ضرب كل نظام عربي أو إسلامي قد يسبب خطرا محتملا على مستقبل الكيان الصهيوني الذي أقامته بريطانيا وكان مهندس العلاقات الصهيونية مع بريطانيا العظمى سابقا المجرم حاييم وايزمان ، وعندما سقطت بريطانيا وغابت شمسها بعد العدوان الثلاثي الشهير التي كانت أحد أطرافه على مصر عبد الناصر عام 1956م ، وانتقل النشاط الصهيوني الى الولايات المتحدة ولا زال حيث كان مهندس العلاقات مع الأمريكان المجرم ديفيد بن غوريون ، ورغم العقود التي عقبت نكبة العرب بفلسطين والنكبات الأخرى المتتالية للعرب ولعل أخطرها صفقات العار والاستسلام التي أبرمت مع العدو الصهيوني من كامب ديفيد وصولا الى ملحقاتها في أوسلو ووادي عربة ، والعلاقات الاقتصادية الصهيونية مع محميات الخليج العربي المحتل القوية جدا التي تفوق علاقات تلك الدول مع كل باقي أقطار الوطن العربي مجتمعة .
إلا أن المقاومة العربية الشعبية والفلسطينية تحديدا بقيت قوية وكلما اعتقد العدو أنه وصل للهيمنة الكاملة على المنطقة يفاجأ بأن هذه الأمة لم تسقط ولم تستلم والمقاومة الشعبية للكيان الصهيوني تزداد تجذرا في الشارع العربي فقد سقط نظام كامب ديفيد العميل السادات مبارك في مصر والتي لا تزال تموج بالأحداث والمؤامرات لإرجاع عقارب الساعة للوراء وزلزلت الأرض تحت أقدام الأنظمة العربية المعتلة ، وها هي تلك الأنظمة تعاني اليوم أزمة وجودها الذي كان على الدوام مرتبطا في الخارج من أعداء الأمة الصهاينة الأمريكان وقبلهم بريطانيا وكانت فلسطين ومأساتها من أفرز الغث من السمين والذين مع أمتهم أو مع أعدائها .
ومن ثورة 23 يوليو المجيدة التي رفعت راية العروبة والوحدة وجرى التآمر عليها وصولا لثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الخيانة والعمالة وثورات العراق وصولا لاحتلاله وثورة إيران الإسلامية والتآمر عليها ، اليوم تحت مزاعم إنتاج السلاح النووي كل ذلك كان تحت عنوان فلسطين ونكبتها .

ولكن ما يثلج الصدور أنه ورغم النكبات العربية بعد نكبة فلسطين و العراق وليبيا وتقسيم السودان والبقية تأتي ولكن أيضا المشروع الصهيوني الذي بدأ عملاقا وقويا بأساطير وخرافات توراتية تلموذيه قد ولد ميتا وبالحقائق التاريخية وحمل فكرة هدمه وإزالته من داخله فقد وصل الى الشيخوخة السياسية وبدأ بالعد التنازلي لزواله بعد نكسة حزيران الأليمة مباشرة ، فقد هزم بحرب الاستنزاف ويوم الكرامة وحرب أكتوبر كما فشل في حرب التسعون يوما في حصار بيروت على منظمة التحرير الفلسطينية التي صمدت صمودا أسطوريا يشرف كل عربي وإنسان حر في هذا العالم ، كما هزم المشروع الصهيوني في لبنان وأجبر قطعانه على الانسحاب تاركين عملائهم لمحاسبة الشعب ، وكما هزم الكيان الصهيوني شر هزيمة في حرب تموز الخالدة عام 2006م ، أمام أبطال المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله سيد المقاومة الذي يتطاول عليه اليوم في الصحافة المأجورة كتبة السفارات إياها بأمرا من أسيادهم الصهاينة الأمريكان بواسطة عملائهم ، والعدو لن ينسى هزيمته القاسية في حرب تموز المجيدة التي اسماها غربان الاعتلال العربي من عملاء أمريكا وعلى رأسهم المأجور سعود فيصل بمغامرة حزب الله وكان الاصطفاف واضحا من جانب الخونة في الخندق الصهيوني .
وما يحدث في سوريا اليوم والتآمر عليها جزءا من تهويد فلسطين بالقضاء على المقاومة ودول الممانعة التي في مقدمتها سوريا العروبة حماها الله، والمؤامرات والدسائس التي تعرضت لها فلسطين طيلة المائة عام الأخيرة كانت كفيلة بزوال أكبر الإمبراطوريات.

وتاريخ هذا القضية شهد الكثير من تلك الإمبراطوريات التي سادت ثم بادت أو تراجعت الى الصف الثاني أو الثالث ، وبقيت فلسطين الأرض والشعب أقوى وأكبر من كل المؤامرات ولعل أخطر ما تعرضت له قضيتنا العادلة فلسطين ليس قوة العدو ولكن سقوط بعض أبناءها في أسر الأوهام بإقامة ربع دولة بالحلول الاستسلامية التي رفضها شعبنا ، وللأسف استغلت صهيونيا الى أبعد حد واستطاعت كسر الكثير من الحواجز خاصة بعد أوسلو وجيء المرتد محمود عباس بضغط صهيوني على ياسر عرفات رحمه الله ، وخلف أبو عمار بعد استشهاده وهذا عباس يطالب بوطن ولو كان بحجم حبة الأسبرين كما قال الشاعر العربي الكبير نزار قباني رحمه الله في قصيدته الرائعة المهرولون .

ولكن المقاومة العربية والفلسطينية تحديدا كانت بالانتظار لسحب الثقة من كل مساوم على حساب الشعب ونجاح حركة حماس وغيرها من قوى المقاومة على حساب حركة فتح جاء بعد أن غيّرت فتح أولوياتها وتلاشى وجهها المقاوم الجميل لصالح الوجه الأخر البشع عباس وتسلق لقيادتها مناضلي الشاشات وفنادق الخمسة نجوم من عينة عباس ودحلان وعبد ربه وغيرهم .

وقضية فلسطين أكبر من كل الأشخاص ، لقد كبر الشهيد ياسر عرفات وأصبح مناضلا يشار إليه بالبنان حيا وميتا باسم فلسطين وصغر عباس ودحلان وعبد ربه لأنهم أرادوا المساومة على حساب قضية شعب مقدسة دفعت ولا زالت من الدماء الطاهرة مئات الآلاف من الشهداء وملايين اللاجئين والنازحين كما أن كل القادة الذين لم يساوموا على فلسطين وعملوا من أجلها لا زالت سيرتهم خالدة في التاريخ العربي وفي مقدمة هؤلاء الزعيم جمال عبد الناصر الذي قاتل في فلسطين ضابطا شجاعا وجرح ونزف دمه على ترابها الطاهر وناضل قائدا وزعيما حتى استشهد وهو يوحد الصفوف من أجل فلسطين ويطفئ النار بين الأشقاء وكذلك الرئيس الشهيد صدام حسين والزعيم أحمد بن بلا وغيرهم .

والنكبة لم تزد العربي الفلسطيني تحديدا إلا تمسكا بفلسطين ومنها مدنية الأمة وثقافتها وهي بلد الحضارات والرسالات السماوية ، كما أن وحدة الأمة العربية ومصيرها يتوقف على فلسطين التي عنوان الوحدة والكرامة ، ولذلك كانت فلسطين وستبقى ارض الجهاد والاستشهاد والمنازلة الكبرى بين الحق والباطل بين الخائن والأمين وبين من هم مع أمتهم وبين من هم مع أعدائها ، وفلسطين هي الرقم الصعب في المعادلة الذي لا يمكن قسمته على اثنين ، ولعل شيخوخة المشروع الصهيوني المبكرة وهزائمه المتلاحقة رغم الجعجعة الفارغة مؤشرا أن ساعة الخلاص قد اقتربت رغم بعدها بالمنظور القياسي وعودة اللاجئين والنازحين وتحرير فلسطين التاريخية حتمية تاريخية لا يجادل بها إلا جاهل أو عميل .

ونهاية دولة الاغتصاب حانت وهم الصهاينة أنفسهم من يقول ذلك ومن هنا وفي ذكرى النكبة تحية لأرواح شهدائنا ألأبرار الذين قضوا من أجل فلسطين ولقادة أمتنا العظماء الذين زرعوا ثقافة المقاومة على مختلف مدارسهم الفكرية والسياسية من عز الدين القسّام السوري لجمال عبد الناصر المصري لصدام حسين العراقي ولكايد العبيدات الأردني ولمعمر ألقذفي الليبي ولأحمد بن بيلا الجزائري الذين اثبتوا أننا أمة واحدة تبحث عن وحدتها السياسية مهما طالت المسافات والتي عنوانها لن يكون إلا وحدة فلسطين وتحريرها وعهدا لفلسطين أننا لن ننساها لأنها عنوان وجودنا وكرامتنا وشرفنا ، وفلسطين وأرضها لن تكون إلا عربية ولا نامت أعين الجبناء .


عبد الهادي الراجح
alrajeh66@yahoo.com