اخبار البلد_ رصد_ دائماً ما نتحدث
عن العلاقة العكسية بين الغرب وعلى رأسه أميركا وبين الإسلام، ويأتي
الإسلاميون اليوم ليلتقوا مع أميركا على أهدافها في الوطن العربي كله، وفي
سورية خاصة. وقد رأينا دورهم في مصر وتونس وليبيا وغيرها، فما الدور الذي
تقوم به أميركا في توظيف الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها؟.
بعد سقوط الشيوعية تم اتهام الإسلام بأنه العدو الباقي لدول الغرب،
وهذا ما أوضحه الكثير من المفكرين والمسؤولين الغرب وعلى رأسهم المفكر
الأميركي صموئيل هنتنغتون بعد أن صاغ نظرية صدام الحضارات عام 1993 قائلاً:
(إن الصراع سيكون بين الحضارة الغربية من جهة، والحضارتين الإسلامية
والصينية من جهة أخرى).
وبدأت تجري بشكل متسارع في الإعلام الغربي عملية (تعريب وأسلمة الإرهاب)،
واعتبار العالمين العربي والإسلامي دريئة إعلامية يتدرب عليها الغرب في
مواجهة عدو جديد.
ولدينا أمثلة لا يمكن عدّها في هذا الشأن، وقد شدّني بعضها لطرافتها وخطرها
بآن معاً فمثلاً يقول برنارد لويس أحد أقطاب الاستشراق: (إن الإسلام
يتماثل مع خطر ستالين الشيوعي وهتلر النازي).
ويوصي دانييل بايبس الرئيسُ السابق لمعهد البحوث السياسية في جامعة
فيلادلفيا الإدارة الأميركية والدول الغربية بمواجهة الخطر الإسلامي بأعتى
أنواع الطرق، وعدم فتح أي حوار مع الجميع وليس فقط مع المتعصبين، لأنهم
يشكلون خطراً فادحاً على الحضارة الإنسانية.
وهناك المستشرق كوفييه الذي يعتبر العالم الإسلامي مفيداً لعمله (مملكة للحيوانات).
أمّا جائزة نوبل عام 2002 فقد مُنحت للكاتب الهندي نايبول لأنه كتب ثلاثة
كتب وصف فيها البلدان الإسلامية وصفاً بالغ السوء، وقالت مؤسسة نوبل إنها
أعطته جائزتها لما لمسته لديه من دقة في وصفه الإسلام والمسلمين.
وأكثر من ذلك تمت الإساءة لشخصية الرسول محمد (ص) من قبل الكثير من مفكري
وزعماء الغرب، كزعيم الأغلبية في مجلس النواب الأميركي النائب الجمهوري
السابق ريتشارد آرمي ممثل ولاية تكساس، وكذلك الزعيم بات روبرتسون.
أما بعض أعضاء الكونغرس المساندين لقضايا المسلمين في أميركا فقد تعرّضوا
لضغوط سياسية وإعلامية كبيرة جداً، فمثلاً منها ما أدى إلى إسقاط النائبة
السابقة سيسنثيا ماكيني ممثلة الدائرة الرابعة بولاية جورجيا، وأيضاً
النائب السابق آرييل هلليارد ممثل الدائرة السابعة بولاية ألباما، إضافة
للتهديدات بالقتل التي تعرض لها الكاتبان البريطانيان روبرت فيسك، وباتريك
سيل لمجرد أنهما يتمتعان بالموضوعية والنزاهة في تناولهما قضايا المنطقة.
فضلاً عن استخدام المؤسسات الإعلامية الغربية كافة الوسائل كي تبرهن على
الترابط بين الإسلام والتخلف؛ فتعمد برامج التلفزة الغربية إلى تقديم العرب
والمسلمين على أنهم أثرياء جداً يشترون أميركا، ويسببون ارتفاع الأسعار
وخاصة العقارات. ومن الصعب أن ترى طبيباً أو مهندساً عربياً على الشاشة،
فالعرب من وجهة نظرهم برابرة متخلفون، تجار رقيق، مثيرو حروب وحكّام
صحراويون طامعون ومخططون للإرهاب.
كما تكرّس برامج الأطفال التلفزيونية الغربية صورة العربي العدواني، فلا
تقدّم هذه الشاشات العرب والمسلمين كأفراد لهم سلبياتهم وكذلك إيجابياتهم،
إنما تقدمهم كصور نمطية مقولبة بإحكام من خلال مادة جذابة وفن تلفزيوني
مثير، الأمر الذي يجعل هذه الصور تترسخ في أذهان الأطفال، وتصبح منطلقاً
لأفكارهم وقيمهم وسلوكهم.
لقد قام الباحث الدكتور إياد قزّاز أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا
بتحليل ستة وثلاثين كتاباً مدرسياً للعلوم الاجتماعية، ووجد أن هذه الكتب
تقدم صورة مشوهة للعقيدة الإسلامية، وتكرّس صورة العربي كتاجر رقيق أو بدوي
يعيش في جزر واسعة، مبيّنةً أن المسلمين مغرمون بالغزو والنهب، ومصوّرةً
المسلم عبارة عن شخص همجي يمسك أنبوباً من النفط.
هذه هي نظرة الغرب الحقيقية للإسلام والمسلمين والعرب.
ولكن السؤال الأخطر من هذا هو: ما الدور الذي تقوم به أميركا في توظيفها الإسلاميين لخدمة مصالحها؟.
كان ذلك منذ أن وجد الأميركيون في الإسلام المتطرف وسيلة سهلة وناجعة
لمواجهة المدّ الشيوعي وحلفائه من القوميين العرب، وتجلّى ذلك واضحاً في
مفهوم (الحزام الأخضر) الذي وضعه مستشار الأمن القومي الأميركي زبغينيو
بريجنسكي للحدّ من قوّة القطب السوفييتي، وعلى الرغم من سقوط الاتحاد
السوفييتي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلا أن أميركا لم تبدل سياستها
في التعامل مع الإسلاميين في أمكنة وأزمنة عديدة، كالتواصل في بداية
التسعينيات مع أنور هدّام الناطق باسم جبهة الإنقاذ الإسلامي في الجزائر
أثناء الصراع بين الدولة الجزائرية والإسلاميين.
واليوم تمد الولايات المتحدة يدها إلى الإخوان المسلمين في مصر بعد سقوط
عميلها حسني مبارك، وكذلك إلى حركة النهضة الإسلامية في انتخابات المجلس
التأسيسي في تونس بعد سقوط حليفها زين العابدين بن علي.
ولا أرى في ذلك إلا انعكاساً لمفهوم الحزام الأخضر الذي وضعه بريجنسكي،
ولكن هذه المرّة على الوطن العربي مع اختلاف الأسلوب، في محاولة لتطويق
ثورتي تونس ومصر من صديقة زعيميها السابقين.
وفي مقارنة بسيطة جداً بين ثورات الغرب التي اتجهت بها إلى التقدم، وبين ما
تسميه أميركا وحلفاؤها ثورات في الوطن العربي، نجد أن الشرارة الأولى في
ثورات أوروبا كانت حين أعلن زعيم الإصلاح الديني مارتن لوثر وثيقة دعا فيها
إلى مبدأ (أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما للـه للـه)، ومن ثم تم التحول إلى
الدين المدني الذي يبني المجتمع ويربط الفرد بوطنه ويكوّن هويته الثقافية
والاجتماعية بغض النظر عن كيفية تفكيره بخالقه، وبهذا كانت ثورة كرومويل
ومن ثم الثورة الفرنسية.
والآن وبعد قرون عديدة على فصل الدولة عن الدين في هذه الدول، تأتي إلينا
الدول نفسها لتقدم نموذجاً عكسياً تماماً، ولكن بسبب معرفتها رفض الشعب
السوري للإخوان المسلمين وفكرهم ومشروعهم، فقد جعلت برهان غليون (بطقمه
وربطة عنقه) واجهةً لهم مكررة ما حدّثت العرب به من خلال (عباءة وعقال)
لورنس العرب.. قبيل سايكس- بيكو، في ظن منها أن ذلك سيتكرر في سورية، ولكن
هيهات....!!!.