هل تحسن المقاومة المناورة في ظل تقلبات الظروف.. هل يكون القادم أسوأ.. وأسئلة أخرى



* صراع الفصائل وزوج الأربعة
أدركت الفصائل الفلسطينية أخيراً بأن الاحتلال الإسرائيلي يمتلك أشد الأسلحة الاستراتيجية فتكاً اعتماداً على مبدأ فرق تسد لذلك فهي تشترط دائماً لإدارة غزة بعد الحرب أن تخلو من فصائل المقاومة وخاصة حماس حتى أنها ترفض أي دور لسلطة أوسلو رغم ما قدمته من تنازلات على حساب الحقوق الفلسطينية حتى وصل الأمر بالرئيس عباس لأن يرفض خيار المقاومة لصالح اتفاقية السلام أوسلو "الموءودة" على اعتبار أن التنسيق الأمني خيار مقدس.. لذلك فإن وجود ولو بارقة أمل باتجاه تحقيق الوحدة الفلسطينية سيكون أكبر إنجاز فلسطيني لأنه سيضع القضية الفلسطينة على مسارها الصحيح والتعامل مع غزة كجزء من نكبة عام ثمانية وأربعين.. فهل سَيَثْبُتْ رئيس سلطة أوسلو محمود عباس على ذلك فيدعم وحدة الفصائل ويوافق على إجراء توسيع لنطاق منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كافة الفصائل دون شروط، أم أن توريثه لموقع الرئيس - إذا طرأ ما يشغره- إلى نائبه حسين الشيخ الذي يعتبر رجل "إسرائيل" الذي ستناط به كل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، رغم عجز السلطة في التصدي لمشروع ضم الضفة الغربية من خلال القضم الإسرائيلي الممنهج؟
ومن باب الاستبشار بالخير، وحسن النية، فإن قيادة الفصائل الفلسطينية تحت أية مظلة وحدوية سواء كانت من خلال السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية تحتاج لتوافق استثنائي، إذْ يمكن تشبيه قيادة سلطة أوسلو قبل اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة يوم الجمعة 13 أكتوبر الجاري، في ظل المواجهات التاريخية الدامية بين أكبر فصيلين فلسطينيين (حماس وفتح) بعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية المنتخبة ذات الأغلبية الحمساوية في ظل آخر انتخاب شرعي لمحمود عباس، والتي تم حلها بعد ذلك بوقت قصير. عام 2007، أشبهها بزوج الأربعة في حرب الضراير حيث كان حصاده الخيبة.. فإذا استمال زوجته المحظية تنقلب الأخريات عليه، وإذا اضطهدهن خسر أبناءه، إذْ لا سبيل للاستقرار إلا بالعدالة والتفاهم.
فهل يخرج من رحم الأزمات المتفاقمة عقب طوفان الأقصى مّنْ يقود المركب الفلسطيني بتوافق يليق بالمرحلة الراهنة، بعد أن استعادت القضية الفلسطينية مكانتها الموضوعية في عالم تعددت مكاييله، دون الخروج من المشهد الفلسطيني للاصطفاف مع العدو -في سياق التنسيق الأمني- بحثاً عن القوة اللازمة لقيادة الشعب والتعامل معه كقطيع، فيما عليه دائماً اتباع المرياع المتصهين، على حساب وحدة الفصائل، التي تعتبر "الرافعة الوطنية" لاستثمار مكتسبات الطوفان وقد اعترف بها العدو نفسه.. وهي منجز يجير لأيقونة غزة التي غيرت العالم.
وحتى نفهم مجريات الوحدة الفصائلية وفق مخرجات اجتماع القاهرة، لا بد من المرور عبر مخرجات طوفان الأقصى لتفسير آخر التداعيات في هذا الشأن.



*مخرجات الطوفان ما بين ترامب و"البيبي ستر"
قبل الحديث عن ذلك لا بد من الإشارة إلى أهم منجزات طوفان الأقصى كما جاءت مختصرة على لسان ترامب لموقع دايلي كولر في سبتمبر الماضي قائلاً: إن إسرائيل قد تكسب الحرب، لكنها تخسر معركة العلاقات العامة عالمياً، وإن هذا يضر بها. 
مضيفاً: أنه كان لإسرائيل أقوى جماعة ضغط رآها، وكانت لديها سيطرة تامة على الكونغرس؛ لكنها فقدت ذلك الآن.
وقال ترمب إنه لم يفعل أحدٌ لإسرائيل أكثر مما فعله هو، بما في ذلك الضربات الأخيرة على إيران.. وهو ما كرره في كلمته الإخيرة أمام الكنيست الإسرائيلي في 13 أكتوبر الجاري.
ليس هذا فحسب، بل أن الإسرائيليين أنفسهم على كافة مستوياتهم السياسية والعسكرية - وفق الإعلام العبري-، طرحوا أسئلتهم المحرمة على مجرم الحرب نتنياهو (المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية) عمّا تحقق من الأهداف الإسرائيلية في الحرب الضروس منذ عامين، سوى تدمير القطاع وارتكاب المجازر التي نصح ترامب بعدم بث صور عنها عبر الفضاء الرقمي؛ لأنها لا تمثل انتصاراً مطلقاً كما يسوقه نتنياهو، بل إنها تمثل الخيبة والدمار، إذْ أساءت لصورة "إسرائيل" عالمياً وعلى كافة الأصعدة، لا بل حققت انقلاباً دولياً على السردية الإسرائيلية لصالح السردية الفلسطينية التي ترسخت في عقول الشباب على صعيد عالمي فتحولت غزة إلى أيقونة غيرت العالم.
ويدرك الإسرائيليون أن العدوان كبد "إسرائيل" المعزولة، خسائر مادية ومعنوية ما أرغم نتنياهو على محاصرة اليمين الإسرائيلي في الكيبينت (بن غفير، وسموترتش) لإيجاد مساحة توافقية مع عرّابه الهائج الذي ضاق ذرعاً بسياسته الهوجاء، أقصد هنا الرئيس الأمريكي ترامب، الذي تصرف بسرعة ماداً إليه طوق النجاة من خلال مخرجات مؤتمر شرم الشيخ للسلام، وسعيه الدؤوب لدى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ كي يأمر بالعفو عنه في قضايا الفساد التي تلاحقه، ناهيك عمّا ينتظره من مساءلات تتعلق بفشله الذريع في حربه على حماس التي ارتدّتْ نتائجُها عليه، إذْ لوح ترامب بإيقاف الدعم عن "إسرائيل" إذا تمادى نتنياهو في تدميرها؛ لإجل مصالحه الشخصية (أي أن الغاية لا علاقة لها بالدم الفلسطيني المراق)؛ لذلك وصف الإسرائيليون "وصاية" واشنطن على نتنياهو ب "بيبي سيتر".
* مؤتمر شرم الشيخ وفك عزلة "الاحتلال الإسرائيلي"
طبعاً غادر ترامب الكنيست وفشل في اصطحاب نتنياهو معه إلى مؤتمر شرم الشيخ للسلام الذي أنهى أعماله في 13 أكتوبر 2025 رغم الترحيب المصري به؛ بسبب رفض بعض المشاركين لحضوره، حينها جمع ترامب أوراقه وأخذها معه إلى مؤتمر "السلام" المزعوم.
وهو سلام منقوص كونه يحمل شعار "إيقاف الحرب على غزة" دون مناقشة أهم محاور القضية الفلسطينية ومنها إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومكتملة الأركان، تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية ناهيك عن حق العودة مع أن كثير من الفلسطينيين يؤمنون بفلسطين التاريخية إما بالتحرير وفق رؤية المقاومة الراسخة في العقل الفلسطيني الجمعي، أو عبر أوسلو، أو حتى بدولة ثنائية القومية كرؤية يمكن التعامل معها بعد فشل اتفاقية أوسلو السلمية .. ولنقل بأن الأسباب الموضوعية في غزة أدت إلى مؤتمر شرم الشيخ للسلام "المنقوص" على النحو الذي جاء به.
في المحصلة، فإن المؤتمر لن يفك عزلة الاحتلال الإسرائيلي الدولية إلا في نطاقها العربي الإسلامي، كونه أعطى الذريعة للدول غير المطبعة مع الاحتلال؛ كي تستجيب لضغوطات ترامب باتجاه احتمال إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية، والتمترس في الخندق الإسرائيلي ضد العدو المفترض البديل المتمثل بإيران، وأذرعها التي انحصرت فاعليتها بالحوثيين، بعد تقييد حزب الله باتفاق وقف إطلاق النار في 26 نوفمبر 2024 والذي ما زالت تنتهكه "إسرائيل" دون مبررات، كما تحاول استنساخه في غزة. 
لذلك، قاد الأمريكيون -بإشراف ترامب نفسه- المفاوضات مع حماس بلقاء مباشر بين ويتكوف والحية في مصر بتاريخ 20 أكتوبر 2025، والتي أدّت إلى عقد مؤتمر شرم الشيخ؛ من موقف الوسيط الأمريكي القوي القادر على فرض توصياته على الجميع بما فيها "إسرائيل" التي ضاق ذرعاً بها وبسياستها الخرقاء ضد أي اتفاق مع حركة حماس، (التي ساهم أنصارها وفق ما صرح به بعض موظفي البيت الأبيض في ركوب موجة مظاهرات السبعة ملايين الأمريكية ضد نزعة ترامب الملكية).. ولو أن موافقة الطرفين تضمنت شروطاً ضمنية دون أن تؤدي -كما جرت العادة- إلى إفشال الاتفاق، حتى أن ترامب نفسه تحاشى إي ذكر لمشروعه الأثير "رافيرا غزة" المعني بكوشنر وتوني بلير.
*تجاوزات إسرائيلية ممنهجة
وبالفعل جرى تنفيذ الاستحقاق الإسرائيلي لدى حماس بالإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين.. إلى جانب تسليم الجثامين التي تمكنت وحدة الظل الحمساوية من إخراجها (تبقى منها 12 جثة قيد البحث والتنقيب).. ورغم ذلك لم يلتزم الطرف الإسرائيلي بإيقاف الهجمات على القطاع بذريعة أن حماس تتلكأ في استخراج الجثامين لكسب الوقت وقيام عناصرها بقتل جنود إسرائيليين.. والنتيجة ارتقاء أكثر من 100 شهيد وإصابة المئات بعد الاتفاق دون رادع من الوسطاء الضامنين له.. حتى أن ترامب قال بأنه يتفهم حق "إسرائيل" في الرد على تجاوزات حماس التي أنكرت حدوثها، دون أن يؤثر ذلك على الاتفاق .
طبعاً أمريكا التزمت بمراقبة كل ما يجري في قطاع غزة بهدف متابعة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك من خلال مركز التنسيق المدني العسكري الذي أسسته القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، في مدينة كريات غات جنوب "إسرائيل"، حيث افتتح في 21 أكتوبر 2025 بمشاركة إسرائيلية.
ولكن من أخطر المهام المنوطة بالمركز هو ما كرّره جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي وجاريد كوشنر صهر دونالد ترامب، خلال زيارتهما الأسبوع الماضي ل"إسرائيل"، في أنه "إذا استمرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برفض نزع سلاحها، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ستعملان على خطة لبدء إعادة بناء شرق غزة فقط".
* اجتماع الفصائل في القاهرة
اعتبره مراقبون كأحد أهم منجزات طوفان الأقصى والصمود الفلسطيني في غزة، حيث تحقق ذلك بعد أن سحب نتنياهو البساط من تحت أقدام فصائل المقاومة لا بل وأصر على إخراج سلطة التنسيق الأمني من معادلة مستقبل غزة.
وتمخض اللقاء عن التوافق الفصائلي حول إجراءات الإنقاذ الطارئة للقطاع وموضوع إدارة القطاع وفق التفسير الفلسطيني لمخرجات مؤتمر شرم الشيخ.. وذلك على النحو التالي: 
التاكيد على منع تجدد حرب الإيادة على غزة.. ورفض التهجير أو التلويح به، وإيصال المساعدات الإنسانية والأجهزه والمواد الطبية والاليات الثقيلة والبيوت الجاهزة؛ توطئة لبدء عملية الإعمار وتحويل القطاع إلى بيئة صالحة للحياة _ رغم عدم وجود بشائر لذلك بسبب التجاوزات الإسرائيلية للهدنة- .. والإجماع بالتوافق مع مصر، على رفض أي إدارة أجنبية لقطاع غزه؛ لذلك تم اقتراح لجنه إدارة مؤقتة تؤكد على أمرين: 
* أن تكون الإدارة فلسطينية محضة (100%).. وأن تدير شؤون غزة إدارة تتكون من أبناء القطاع المحليين. أيضاً الربط العضوي ما بين غزة والضفة الغربية. 
كذلك التوافق على ضرورة أن تكون هناك قوات لحفظ السلام تعتمدها الأمم المتحدة، ينحصر دورها بمراقبة وقف إطلاق النار ومنع الاحتكاك بين جيش الاحتلال والمقاومة.. إذْ لا يمكن أن يقبل الفلسطينيون استبدال الاحتلال الإسرائيلي باستعمار اجنبي آخر.
أما موضوع الأمن الداخلي للقطاع فيناط بالشرطة الفلسطينية المحلية بعد التوافق على بنيتها.
والأهم دعوة جميع الفصائل الفلسطينية -الحاضر منها والغائب- للبناء على هذا الاجتماع البناء الذي شاركت فيه ثماني فصائل فلسطينية، ومن ثم الدعوة إلى اجتماع الأمناء العامّين لجميع الفصائل من أجل بلورة اتفاق حول موضوع سلاح المقاومة الذس سيناقش في إطار تحديد أشكال النضال التي يتوافق عليها الفلسطينيون بشكل فعال، مع أن حركة حماس وحلفائها في غزة قررت بأن تسليم السلاح سيكون بعد قيام دولة فلسطينية وطنية ومستقلة. 
واتفقت الفصائل على ضروره التصدي للتوسع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي واعتداءات المستوطنين الارهابيين وتشكيل قيادة وطنية موحدة فلسطينية في هذا الاتجاه لبلوره استراتيجية وطنية كفاحية مشتركة.
* الاتفاق على حكومة كفاءات وطنية مستقلة لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون حكومة انتقالية ربما لعام، تعد بعد ذلك لإجراء الانتخابات الحره والديمقراطيه وتطوير منظمة التحرير الفلسطيني لتتسع لكل الفصائل الفلسطينية.
والسؤال هو :
من يضمن حصول انتخابات تشريعية فلسطينة مقبلة وعدم إخضاعها للتأجيل التلقائي لضمان عدم ترشح الأسير الفلسطيني الأشهر مروان البرغوثي فيما لو أفرج عنه، لقيادة المرحلة بدعم ترامبيّ، (كما حصل عام 2007 حيث أجلت الانتخابات حتى وقتنا الراهن لإفشال حكومة حماس الشرعية) في ظل صدور إعلان "دستوري" فلسطيني قيل بأنه جاء بضغوطات إسرائيلية، يقضي بتولي رجل "إسرائيل" مهام رئيس السلطة الفلسطينية حال شغور المنصب، 
الرهانات مهما اختلفت فإنها غير مطمئة فهل تحسن المقاومة المناورة في ظل تقلبات الظروف.. وقد يكون القادم أسوأ!