يا دولة الرئيس خسرنا المال لكن لا نريد أن نخسر الوطن..!


المراقب لمسيرات الجمع الماضية وخاصة مسيرة "إخوان الأردن" الأخيرة فيما أطلق عليها جمعة "سقطت الأقنعة" وسط العاصمة عمان وما تخللها من شعارات وعبارات وهتافات هجومية, وما رافقها من استعراض شبه عسكري لبعض شبابهم بعصابات الرأس الخضراء والبيضاء,يجد أن في ذلك رسالة واضحة للحكومة الجديدة وإشارة تحذيرية لها من اللعب بالنار المشتعلة اصلاً وذلك بالاقتراب من جيب المواطن بحجة تخفيف عجز الموازنة من خلال رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع وفي مقدمتها الكهرباء والبنزين لما لذلك من انعكاسات سلبية ستطال كلف الإنتاج وبالتالي ارتفاع معظم السلع في الأسواق الأردنية.

إذن,يستشف من هذه المسيرات والاحتجاجات وما سمعناه خلال الأيام الماضية من تصريحات نارية وقوية صدرت عن بعض قوى المعارضة وفي مقدمتهم المتحالف الرئيس مع "إخوان الأردن" أحمد عبيدات وما حملته تلك التصريحات من اتهامات صريحة لصانعي القرار بالتراجع عن الإصلاح, أن العودة للتصعيد والتوتير قد بدأت وكل المؤشرات تدل على أننا سنكون أمام صيف أكثر حدة بشعاراته وهتافاته وسقف مطالبه, وقد بان لنا واتضح إن "إخوان الأردن" وحزبهم قد اعدوا العدة مع كافة القوى المتحالفة معهم لتوسيع دائرة الاحتجاجات والمسيرات إلى الحد الذي قد يرهق الدولة مستغلين توجه الحكومة الجديدة لرفع الأسعار, وتدني مستوى المعيشة للمواطن الأردني, وتآكل القدرة الشرائية له, وضعف وتباطؤ الحكومات المتعاقبة في تنفيذ برامج إصلاحية حقيقية والتصدي لرموز الفساد ووضع حد لممارساتهم وملاحقتهم واجتثاثهم واسترداد ما نهبوا من المال العام بغير حق كون أولئك الفاسدين هم وحدهم مسئولين بالتضامن والتكافل عما آلت إليه البلاد من مديونية مرتفعة أرهقت وما زالت الاقتصاد الوطني والدخل القومي وبالتالي أنتجت كل هذه الأزمات التي يعاني منها الوطن والمواطن في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأمنية والأخلاقية.

وإزاء هذه كله, علينا أن نتحدث بصراحة تامة إذا كنا نبغي مصلحة الوطن العليا والمحافظة على أمنه واستقراره وصون وحدته ونسيجه الوطني من العبث, وهي رسالة موجهة إلى حكومة الدكتور الطراونة, فنقول :لا أحد يستطيع أن يبرئ ساحة الحكومات التي تعاقبت خاصة تلك التي جاءت خلال السنوات الخمس الماضية بما فيها كافة أجهزة الدولة الرقابية من أنها تراخت وعجزت عن تنفيذ برامج إصلاحية جادة وفي مقدمتها مكافحة الفساد على اختلاف أشكاله حتى شجع ذلك بعض الناس للنزول للشوارع وعلت أصواتهم المطالبة بمحاربة وكشف وتعرية واجتثاث كل من يقف في طريق الإصلاح ويعطل محاكمة الفاسدين ويحول دون إبعادهم عن مراكز صنع القرار في الدولة وهي مطالب لاقت قبولاً وإجماعاً لدى الشعب وحظيت وما زالت بدعم وتأييد ومؤازرة ومباركة صاحب الجلالة الملك.

لكن, الذي حصل, أن توسيع دائرة الحديث عن الفساد ورموزه والتركيز عليها سواء كان ذلك بالمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات أو عبر وسائل الإعلام المختلفة وتضخيم وتهويله, وتبادل الاتهامات بين هذا وذاك وتعدد الجهات المسؤولة في الدولة عن فتح ملفاته واجتهاداتهم المختلفة حول القضايا المطروحة عليهم بدءاً بالنيابة العامة وهيئة مكافحة الفساد ومروراً برئاسة الوزراء بحكم الولاية العامة لها وانتهاءً بمجلس النواب ولجان التحقيق والتحقق المنبثقة عنه, كلها جاءت في صالح الفاسدين ومنحتهم الفرصة بتجميع قواهم وترتيب أوراقهم وتشكيل جبهة مضادة ضاغطة لتشتيت وتفتيت جهد الحكومات و "هد حيلها" في التصدي لهم فنجحوا في ذلك واستطاعوا إضعافها والتأثير عليها فأصيب المواطن بالإحباط وتولد لديه الشعور وترسخ في أن الحكومات غير جادة في مكافحة الفساد وضبط رموزه والسيطرة عليه, وأننا نسير من سيء إلى أسوأ, فانعكس ذلك ضرراً فادحاً على سمعة الوطن والدولة الأردنية في الخارج واثر سلباً على جلب المساعدات والاستثمارات وساعد على ذلك أيضاً, ازدياد وتيرة جلد الذات في الداخل من قبل أصحاب الاجندات الخاصة الذين يضمرون الشر للوطن وأهله عندما استغلوا تلك الأوضاع وحاولوا تحريك الشارع وتوجيهه ودفعه إلى ممارسة العنف والخروج عن القانون هدفهم وغايتهم جر الوطن _ لا سمح الله _ إلى ما لا تحمد عقباه.

الآن وقد رحلت حكومة الخصاونة بهذه الفجائية وما رافقها من تكهنات وتفسيرات وتأويلات هنا وهناك, عاد هؤلاء لاستغلال هذا التغيير المفاجأ وتوظيفه لنفث سمومهم من جديد في أوردة الوطن غير مكترثين لما ستحدثه من نتائج سلبية قد تلحق أمننا وسلمنا الأهلي واقتصادنا الوطني ما دام ذلك يحقق لهم مآربهم ويخدم أهدافهم, يساعدهم على ذلك تلك التصريحات والتوجهات التي صدرت عن الحكومة الجديدة لرفع أسعار بعض السلع الرئيسية.

فإلى الحكومة الجديدة ورئيسها الدكتور فايز الطراونة وهو العارف الملم, والواقف على حقائق الأمور والواعي المدرك لخطورة المرحلة التي يمر بها وطننا, والمطلع على نوايا أعداءه, نقول : فان كان ولا بد من إجراءات فورية وسريعة لإنقاذ الخزينة وان كانت على حساب المواطن البسيط, فان ذلك سيكون مقبولاً لدى الغالبية العظمى من أبناء الشعب وهم على أتم الاستعداد والجاهزية للتضحية وشد الأحزمة على الأمعاء إذا ترافق هذا _ وهو المطلوب الآن وقبل أي وقت مضى _ بإعلان ثورة حقيقية من قبل حكومتكم على الفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم والتخلص منهم وإخراجهم من النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأماكن صنع القرار في الدولة وتحصين كل المؤسسات الرقابية تحصيناً آمناً مطلقاً لأننا يا دولة الرئيس خسرنا المال, لكن لا نريد أن نخسر الوطن.
moeenalmarashdeh@yahoo.com