لماذا ( السّلفيّةُ النقيّةُ ) الآن .. ؟





إنَّ الحمدَ لله – تعالى - ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ؛ من يَهْدِه اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه .

أما بعد ..

فلماذا نحتاج السّلفيّة النّقيّة الآن .. ؟

بانتصارٍ واختصارٍ شديدين :

لأنّ الله { لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسِهم }

لأنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلّم – أمرنا باتّباع سنّته وسنّة أصحابه – رضوان الله عليهم - ..

لأنّ آخرَ هذه الأمّة لا يَصْلحُ إلا بما صَلُحَ به أوّلها .. كما قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - ..

لأنّ أهل السّنة أعلم النّاس بالحق ، وأرحمُهم بالخلق .. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - ..

لأنّ الله – تبارك في علاه – أكمل لنا الدّين ، وأتمّ علينا النعمة ..

{ اليومَ أكملتُ لكمْ دينَكم وأتممْتُ عليكم نعمتي ورَضيتُ لكُم الإسلامَ ديناً } ، روى الإمام أحمد والشيخان عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنكم تقرؤون آيةً في كتابكم ؛ لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ! ، قال : وأيَّ آية ؟ قال : قوله : { اليومَ أكْملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمَتي }

ولأنّ " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " كما أخبر البشير النذير عليه السلام .

من أحدث في الإسلام طريقةً ، أو منْهجاً غيرَ ما كان عليه النبيّ الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه – رضوان الله عليهم – فإنّ ما أحدثه مردود عليه ...


إنّ المتدبّر بعين ( العلم الشرعي ) في واقع الأمة ( الفكري !) ؛ يرى – جليّاً – أنّ الناس – إلا من رحم الله – قد تفرقوا مع الدعوات المتعددة التي تظهر في الأمة من حين لآخر ؛ أعان – أو قل : تعاون ! – على هذا وجودُ ( القنوات ! ) من محطات فضائيات ، ومواقع ومنتديات ، وصحف ومجلات .. والتي كثير منها يسير – جهْلاً – على ( أخلاط ! ) المذاهب الفكريّة ، و ( أغلاط ! ) الاتجاهات العقليّة ؛ والتي هي – في غالب أحوالها – متضاربة ، متعارضة ، متناقضة في : أصولها ، وطرائقها ، وطرْحها ، ونتائجها ..

كيف لا ؛ وهي – على وجه الإجمال – نتاج العقل البشري القاصر ، ومحكومة بـ ( المناط السياسي! ) الحاضر ، و ( النمط الاجتماعي ) السائد أو السائر السّافر .. ؟!

وأنت ترى – دون إمعان – ما ( يُطْرحُ ! ) على الأمة في ( الموقع الواحد ! ) من مُشتتات عقليّة و ( نفْسيّة ! ) متعدّدة و ( متعدّية ! ) : للفطرة الإنسانيّة ( مُحيّدة ) مُحَرِّفة ، وللطفرة الفكريّة مؤيّدة مُعرّفة !

فتسمع في ( الموقع الواحد ) من العلمانيّ ، والليبراليّ ، والشيوعيّ ، ومن شايعهم ..
ومن ( الإسلامي الحزبيّ ) ، والثوري الحركي ، والشيعي ، ومن بايعهم ..!
ومن أصحاب العقائد المنحرفة : أتباع الفلاسفة ، والفرقُ التي فارقت ( الطائفة الناجية العارفة ..) ، ومن تابعهم ..

ويعظُم الأمرُ إن خفيَ على المسلم النقيّ أمرُهم ، ومكْرُهم ، أو غرّه مظهرُهم ..

و " الناس في زماننا هذا أسراب كالطير، يتْبع بعضُهم بعضًا، لو ظهر لهم من يدَّعي النبوة - مع علمهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء - ، أو من يدّعي الربوبية لوجدَ على ذلك أتباعًا و أشياعًا" كما قال الإمام ابن بطّة في كتابه ( الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة )

لأنّ .. القلوب – باختصار أشبه بانكسار - ضعيفة والشبهات خطّافة ..
وانتشار حب الظهور مع الجهل والسّخافة ، و ( نِتفٍ ) مما يسمونه : الثقافة ! – في هذا الزمان – آفة .. وأيّة آفة ؟!

ولقد خبرنا أناساً ممَن – إذا تكلّموا في أمر العامّة ! – خرج كلامهم أضغاثاً وأخلاطاً من الأفكار والآراء ، فهو يجمع فيه – تأثراً بالأصول الفكريّة ! – ما به يزيّن مقالته ، ويُحْدث الإثارة والإثراء !

وأمّا الاستشهاد بالنصوص الشرعيّة ، والأقوال العلميّة فلا تحسّه ، ولا تمسّه ؛ وإن كان شيء منه .. فإنه – لرفع العتب – مجرّد إجراء !

ومع الأسف .. كثيرٌ من النّاس قد أغرق – اليوم – في ( متابعة ) قنوات ومقالات ، ومقامات ( أولئك! ) ، فاهتمّ بـ ( اتجاهاتهم المتعاكسة ! ) ، واغتمّ بـ ( تحليلاتهم المُشاكسة ! ) ..
ومع الألم : ائتمّ بـ ( تعْليلاتهم النّاكسة ! ) و ( تعليماتهم النّاقصة ! ) و ( حلولهم المُضطربة الناكصة ! )

أحدث هذا – لِزاماً – أنواعاً من التشويشات .. وألواناً من التشويهات !
في عقائد الدين والأركان ..
وفي قواعد ، ومراتب الإيمان ..
في العبادات ، والمعاملات ، والتصوّرات ..
وفي أيِّ أمر - من الدين - كان ..!

كانت الصّدّيقة عائشة – رضي الله تعالى عنها - تقول : " لو أدرك - رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - ما أحدثَ النساءُ لمنعهنَّ المسجدَ ... " !

وقال أنس بن مالك – رضي الله عنه - : " ما أعرفُ منكم ما كنتُ أعهدُه على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – غير قولكم : لا إله إلا الله " !

وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه – : " لو خرجَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلّم – عليكم ؛ ما عرفَ شيئاً مما كان عليه هو وأصحابُه إلا الصلاة " !

قال الإمامُ الأوزاعيُّ ( مات سنة 157 هـ ) – رحمه الله تعالى – : " فكيف لو كان اليوم ؟! "

قال الحافظ الحُجة عيسى بن يونس ( مات سنة 187 هـ ) – رحمه الله تعالى – : " فكيف لو أدرك الأوزاعيُّ هذا الزمان ؟! "

والأوزاعيُّ وعيسى بن يونس عاشا في النُّصف الأول من القرن الثاني ؛ أي: قبل انقضاء القرون الثلاثة المشهود لها بالخيريَّة " خير النّاس قرني ثمَّ الذين يلونهم ، ثمَّ الذين يلونهم ... " ؛ ويقولان هذا .. !!


فيا عجَباً ! ثمّ يا عَجباً ! لهذا الزمان .. !

ناهيك عن الاختلاف الكثير .. فكم من ( مسلم ! ) تسوقُ إليه الأدلة – من الكتاب ، والسّنة والآثار – فلا يُسلّم بالأخبار ؛ بل من السهولة بمكان – عنده - مواجهة النصوص بالرّدّ والإنكار.. !، والإضفاء عليها مما ( يروق ! ) له من التحليلات والأفكار !

ولو سمع ( مقالةً ! ) مُزخرفةً بمصطلحات ( المذاهب الفكريّة المعاصرة ! ) الممجوجة ، ومنمّقةً بعباراتها المعوجّة ؛ فإنّه يطير بها – من شدّة الانبهار – نحو المدح ، والإطراء ، والإشهار .. !

وأمّا ما يتعلّق بالأطروحات ، والاقتراحات حول الإصلاحات وما ( يُخلّص ) الأمة من تخلّفها .. فحدّث – بألمٍ – عن التلميحات .. ! ، وابحثْ في فكر ( أولئك ! ) عن ( اللقاحات ! )
وإنّك لتراها - جليّة – في المواقع و ( الفضائيات ) ، و الميادين ، والساحات ..

حتى لقد غدت الأمّة مثقلة – من سهامهم – بالجراحات ..


وإليك الحديث عنهم : شرْحاً وطرْحاً ..

إنّ تلكم الدعوات ناجمة - في أصلها ونشوئها - عن أمرين :

أولاً : الانحراف عن المنهج النبويّ الذي ( خطّه ) رسولنا الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلّم – وعلّمه الأمّة ، وبيّنه لها : محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا ينجو – في الدنيا والآخرة – إلا متّبعٌ لها وسالك ..
قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيًا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد " . والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى.

وروى الإمام أحمد – رحمه الله – من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : " خطَّ لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – خطَّا ، ثم قال : " هذا سبيل الله " ؛ ثمَّ خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله ؛ ثم قال : " هذه سُبُل ، وعلى كلِّ سبيل منها شيطانٌ يدعو إليه " ، ثم قرأ : { وأنَّ هذا صراطي مُستقيماً فاتَّبعوه ولا تتبعوا السُّبُلَ فَتفرَّقَ بكم عن سَبيله }

قال ابن القيم في كتابه ( مدارج السالكين ) : " وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد ، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه ، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق ، ولو أتى الناس من كل طريق ، واستفتحوا من كل باب ، فالطرق عليهم مسدودة ، والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد ، فإنه متصل بالله ، موصل إلى الله ، قال الله – تعالى - : { هذا صراطٌ عليّ مُستقيم } ؛ قال الحسن : معناه صراط إليَّ مستقيم " اهـ

وهذا الطريق قويمٌ واضحٌ أبْلج ، وعداه – أيَّاً كان – سقيمٌ جانحٌ أعْوج ؛ من سلكه أنجاه ، ومن سلك غيره أرداه .


ولكن كان أن وجِدَ – في الأمّة - من تنكّب ذاك الطريق ؛ لشبهات – عندهم – أو ( شهوات .. ) ؛ فظهرت – تتابعاً – الفرقُ ، والأحزاب ، والجماعات .. وهي – مع الأسف – كثيرة ؛ لها ( أصول ! ) في مناهجها ومذاهبها المخالفة لما كان عليه نبيّنا – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه – رضوان الله عليهم جميعاً – سلفُنا الأول الصالح ..

واليوم !

ترون – بوضوح – كثيراً من الفرق والجماعات والأحزاب ( الإسلاميّة ) والتي بدأت آثارها تَنِزّ من الجرح ، وتبرزُ على السطح ..

كلٌّ يدعو – استعلاءً ! – إلى ما عنده وأعدّه ! ، ويدّعي – استقراءً ! – مُلْكهُ الطريق وحَدَّه .. !

و ( بعضهم ) أتى بعجبٍ فقال – تجميعاً ! - : كلُّ الطرق وإن اختلفت تؤدي إلى الله تعالى ، وأنّ كلّ فرقة تكملّ الأخرى .. !

فهذا – مع كوْنه مخالفاً لأصول أهل السّنة – يتصادم مع العقل .. فإنّ العاقل يعلم – علم اليقين – أنّ ( التضاربَ والتناحر والتدابر ! ) نتيجةٌ حتْميّةٌ ؛ خاصّة عند سلوك الحزب ( طريقه ) للإصلاح والتغيير ، و ( نُصْرة الدين ! ) ؛ وخُذ – لك – مثلاً :

مِن الجماعات والأحزاب الإسلاميّة – كحزب الإخوان المسلمين - مَن ( يرى ) أنّ التغيير والإصلاح يكون بالنزول إلى ( الشارع ! ) ، و الضغط بـ ( إرادة الشعب ! )

ومنها – كحزب النور السياسي – يراه بـ ( العمل السياسي العصريّ بالصبغة السلفيّة )

ومنها – كالسلفية الجهاديّة – تراه بـ ( القوّة )

ومنها – كجماعة التبليغ – تراه بـ ( السفر والرحيل للدعوة )

ومنها – كالصوفيّة – تراه بـ ( الطرق والزوايا والغلوّ في الأولياء والصالحين والموالد )

ومنها .. ومنها .. !

ما هي طريقة ( التكميل ) الممكنة – عقلاً - عندهم ؟! وكيف ( الاجتماع والائتلاف والاتفاق ! ) الذي أُمرْنا به – نقْلاً – أهل الإسلام .. ؟

قال ربُّ العزّة : { واعْتَصمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعًا ولا تَفَرَّقُوا }

وللحديث بقيّة إن أذن الله – تعالى – وقدّر ..

أسأل الله – جلّ ذكره – أن يرينا الحقّ غير ملتبس علينا ؛ ويرزقنا اتّباعه ، وأن يرينا الباطل غير ملتبس علينا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجمع قلوب المسلمين ، ويؤلّف بينهم ، ويجنّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين