إلق بسِلاحك لكي ... أقتلك

هذا العنوان أكثر واقعية من أن يتحمل علامة التعجب التي وضعتها، ثم حذفتها في الحال، بظهور رئيس الاستخبارات المصرية حسن رشاد بيننا. رجل النظارات السوداء، الآتي الينا من الشقيقة الكبرى، لا من أجل وضع امكانات بلاده بتصرفنا، ونحن أمام ذلك المأزق الوجودي المروع، وانما لينقل الينا توقعاته بالأيام السوداء التي تنتظرنا. انتبهوا ... من يشغل ذلك الموقع في أرض الكنانة هو "الكاردينال الرمادي"، أي رجل الظل. وما أدراكم ما يعنيه اللقب في تلك التوتاليتاريات العربية الغراء، وحيث لا حدود للشبق الفرويدي للسلطة .

وكما تعلمون فان التعويذة المقدسة عندنا، نحن ورثة الحجاج بن يوسف الثقفي، هي السلطة للسلطة. وكنا نتمنى أن يكون الزائر العزيز (حتماً) ميعوث تحتمس الثالث، كأعظم الفراعنة المحاربين، حتى أنه دعي بـ" ابو الأمبراطوريات"، أو بـ "نابليون المصري"، لا أن يأتينا بدور فاتن حمامة التي غالباً ما تخلط بين دقات قلبها ودموعها. سيادة اللواء رشاد حلّ بيننا متباكياً علينا، وباكياً من غيرنا ..

 

خلاصة الكلام الاسرائيلي الذي يهلل له لوردات الأحزاب ولوردات الطوائف عندنا "الق بسلاحك لكي أقتلك"، البعض يدعو رشاد لزيارة طهران بدل بيروت، الضائعة بين رقصة التانغو مع بنيامين نتنياهو ورقصة التانغو مع أحمد الشرع. ولكن متى توقفت الحرب، بتلك المهزلة المرقطة التي تدعى "الميكانزم"، كشاهد ما شافش حاجة. مثلما القى الحاخامات بقرارات مجل الأمن، بدءاً من القرار 181 في 29 تشرين الثاني 1947، وحتى القرار 1701 في 11 آب 2006، في صندوق القمامة، ألقوا باتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024 ؟

 

ما يمكن تأكيده أن القرار اللبناني لقيادة "حزب الله" لا للقيادة الايرانية، لكي نتخلى عن استراتيجية الزوايا. ولكن هل تركت تل أبيب يوماً واحداً للرئيس جوزف عون، لكي يمضي في جلسات الحوار، وهي ضرورية وجوهرية، مع قيادة الحزب التي تتلقف يومياً، بأعصاب النار، ما تفعله الطائرات بأفضل كادراتها (هيئة البث الاسرائيلية تحدثت عن 340)، ودون أن ترد ولو برصاصة لأسباب شتى، لعل أهمها، وجود قرار السلم والحرب بيد الدولة لا بيدها. ولكن ماذا بامكان الدولة (ما قبل الدولة) أن تفعل، وهي المثقلة بكل أنواع الأزمات. الأكثر خطورة الصراع الداخلي والمتعدد الأبعاد، بين القوى السياسية والقوى الطائفية. كم هو مضحك حصر الأزمات بأزمة حصر السلاح !

أي علاقة الآن بين لبنان ـ الدولة واسرائيل، وبين لبنان ـ الدولة وسوريا التي يبدو أن قيادتها تخلت عن جبل الشيخ، رمز عنفواننا، وعن مرتفعات الجولان، وعن الجنوب السوري، وحتى عن أبواب دمشق، وحارات دمشق، لتقول لـ "الأخوان الاسرائيليين" "اهجموا على "حزب الله" ونحن معكم ونحن وراءكم". ومتى لم يكن اسلاميو تورا بورا أشقاء ليهود التوراة (ولولي أيتها الأبواب واصرخي أيتها المدينة) ؟

لكن ما تردد وراء الضوء ان الرئيس السوري طلب من مسؤول كبير في السلطة زاره في وقت سابق تسليمه قيادات "حزب الله" المسؤولة عن ارسال قوات الى سوريا للقتال الى جانب النظام السابق، وأن المسؤول اللبناني وعد بتحقيق الطلب، ربما دون أن يعلم الشرع ماذا حدث ابان الحرب الاسرائيلية على لبنان، ومن غاب ومن بقي. لكن المسألة أبعد من ذلك. قرار من مرجعيات السلطة السورية الحالية. على كل القيادات السياسية والعسكرية والاعلامية في "حزب الله" الاختيار بين صيدنايا، وحيث الفردوس السوري، ومن فوقه، وبين غوانتنامو، وحيث الفردوس الأميركي وتابعه الاسرائيلي.

انتبهوا، على ذلك يراهن، وهكذا يبشر بعض القادة لسياسيين والحزبيين في لبنان. كل هذا حتى لا يدخل بنيامين نتياهو الى الزنزانة، وحيث ينتظره طبق الحساء الذي ظهر سلفه ايهود أولمرت وهو يتناوله لتكون "لحظة العار" في حياته. هذه اللحظة تدوي في رأس زعيم الليكود الذي يسند ظهره الى يهوه، الاله الذي في السماء، والى ترامب، الاله الذي على الأرض.

 

الكل يأتونا بالتهديدات لا بالمقترحات. أهذه مهمة الوسطاء في أزمة على ذلك المستوى من الاحتقان، أن يأتونا بأظافرهم لا بأفكارهم، وان تردد أن رشاد يحمل معه تصوراً ما للتسوية، وقد احترف، وهو في الظل، صياغة المقترحات الخاصة بحل مشكلة حركة "حماس"، لا لحل مشكلة الفلسطينيين، بالتالي لحل مشكلة الاسرائيليين الذين لم يكونوا يعلمون كيف يتعاملون مع اليوم التالي، ولا يعرفون ما هو اليوم التالي.

المطلوب تسليم سلاح "حزب الله"، وفي هذه الظروف الهائلة التي يتقاطع فيها الموقف العربي مع الموقف الاسرائيلي (هل نبالغ ؟). هذا كله دون أي ضمانات، حتى لو كانت هناك ضمانات مثل ضمانات ملوك أوروبا لأهل الأندلس. لتتقدم دبابات ايال زامير من الجنوب على وقع أغنية "شربو دربو"، أي "السيوف والضربات" للثنائي الاسرائيلي نيسيا ليفي ودور سوروكر، ولتتقدم جحافل مرهف أبو قصرة من الشمال على وقع أغنية "أولرام تركيم" للتركي ابراهيم تاتليسيس.