الانهيار الكبير: حروب الذهب ونهاية النظام المالي العالمي

قراءة : د. زيد محمد الرماني
على الرغم من اهتمامنا بشؤون المال اليومية، وعمل معظمنا المُضني من أجله، فإننا نحتاج إلى التوقف قليلًا للتفكير في حقيقة المال بصورة واقعية، وماذا يعني في عالم اليوم.

لا شكَّ أن الكثيرين -ومنهم أولئك العاملون في الحقل المالي- لا يدركون غالبًا المفهوم الدقيق للمال، وحقيقة فإن المال يأتي من العدم وبصورة ائتمانية يصعب فهمها؛

ذلك لأن هذا السر الصغير والخطير لا يُعلَّم في معظم المدارس الاقتصادية، ولا تدركه سوى مجموعة صغيرة على نطاق ضيق من المُطَّلعين الماليين.
يقول المؤلف: قبل عام واحد فقط على انهيار ليمان براذرز، طُبع كتابي الأول في هولندا تحت عنوان: إذا انهار الدولار ٢٠٠٧م، وتوصلت بعد دراسة النظام المالي على مدى أكثر من عشرة أعوام إلى خلاصةٍ؛ مفادها أن انهيار النظام المالي العالمي المهتز وديونه المتراكمة مسألة وقت لا أكثر..
وبعد أن حدث هذا الانهيار للبيت الورقي بعام واحد فقط، تغيرت حياتي جوهريًّا، ففي غضون مدة قصيرة من الزمن أصبحت شخصًا معروفًا؛
لذلك قررت تركَ عملي بوصفي معلقَ سوقٍ تجارية مالية، والتركيز على الفرص التجارية الناشئة من الواقع الاقتصادي الجديد، أدركت أن هذا الواقع الجديد سيكون مغريًا للمستثمرين للنظر جديًّا في الاستثمار في الأصول الثابتة، بخاصة الذهب والفضة، وهذا ليس بجديد، فالسوابق التاريخية موجودة في كل أزمة على مدى السنوات الثلاثمائة الماضية.

يضيف المؤلف: في صيف (٢٠١١م) أصبحت ثلاثة كتب إضافية من كتبي الأكثر مبيعًا، ولم يكن أي منها قد تُرجم إلى الإنجليزية قط.

ويؤكد المؤلف على أن: هذا الكتاب يجمع المعلومات من الكتب السابقة جميعها، مع فصل إضافي عن إعادة الترتيب الكبيرة للنظام المالي الحالي في أنحاء العالم جميعها، ويروي هذا الكتاب قصة عالم المال والذهب المخفي غالبًا.

 
قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت معظم العملات الرئيسة مدعومة بالذهب، وكان ذلك عصرَ معيار الذهب؛ حيث كان عرضُ المال مقيدًا بنمو احتياطي الذهب، لكن حاجة الدول الأوروبية المتزايدة إلى تمويل التكاليف الباهظة للحرب، دفعت بها إلى التخلي عن معيار الذهب في العقد الثاني من القرن العشرين، لكي يتسنى لها طباعة مزيد من المال، واستبدلت تلك الدول -بالإضافة إلى معظم الدول الأخرى- معيار الذهب بنظام النقد الورقي، مع أن النقد الفضيَّ كان لا يزال في طور التداول في معظم الدول الأوروبية، واستمر تداوله حتى ثمانينيات القرن الماضي.
 
لذا يُقدم هذا الكتاب الأدلةَ المطلوبة كافةً، الداعمة للادعاء القائل بوجود حرب سرِيَّة على الذهب.


ثم يذكر المؤلف أنه بغرض مكافحة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة الائتمان، أطلقت البلدان لعجزها المالي العنانَ ليزداد بصورة دراماتيكية، ودفعت قيمة الفواتير المترتبة عليها، مما جعل حكومات تلك البلدان تبيع كمياتٍ هائلة من السندات، لكنَّ أعدادًا متزايدة من المستثمرين توقفت عن شراء هذه السندات الحكومية، فما كان من المصارف الحكومية إلا اللجوء إلى الطريقة الوحيدة، بتشغيل مطابع المال (الرقمية)،

وبهذا الأسلوب تم شراء الديون المتراكمة والسندات الحكومية بما مجموعه (١٠) تريليونات دولار (١٠،٠٠٠ مليار دولار)، وذلك في أنحاء العالم جميعها، وفي الحقبة الممتدة من عام (٢٠٠٨م) إلى عام (٢٠١٣م).


يصف الاقتصاديون هذه العملية بتسييل الديون من قِبل المصارف المركزية، وتشير الكتب الاقتصادية المتخصصة إلى هذا الإجراء باسم (الخيار النووي)، الذي يجب اللجوء إليه عندما لا تتوافر أي وسيلة أخرى للتمويل، فمن السهل البدء بهذه العملية، لكن من المستحيل إيقافها.

وللأسف فإن الجامعات في أنحاء العالم لا تزال تروج لفكر مدرسة شيكاغو للاقتصاد، وترتكز عقيدة هذه المدرسة على إنتاج نقود ورقية من قِبل المصارف المركزية بالتعاون مع المصارف الخاصة، وما زال طلابنا حتى يومنا هذا يدرسون مثل هذا الفكر في كتب اقتصادية، تقوم على نماذج أسواق منتهية الصلاحية، وهي نماذج كانت فاعلةً قبل الأزمة؛ ربما هذا هو سبب عدم وجود فهم كامل لدور المال في اقتصادنا الحالي من قِبل كثير من الاقتصاديين والصحافيين، والمديرين التجاريين التنفيذيين.


يتابع المؤلف: صحيحٌ أنني لا أعاني إعاقة كوني لا أحمل درجة بكالوريوس في الاقتصاد، لكني أعتمد على الفهم السليم لمبادئ المال، وقد دأبت على دراسة كتب المال والأزمات الاقتصادية التي سطَّرها المؤرخون؛ وعليه يمكنني القول: إن الأزمة الحالية كان يمكن توقعها بمراجعة ل (٦،٠٠٠) عاماً من التاريخ الموثق للمال.

في نهاية المطاف: يجب النظر إلى احتمال فشل النظام النقدي الحالي بوصفه حتمية إحصائية أكثر منه غير مرجح الحدوث نظريًّا.

ثم يعاود المؤلف التأكيد على أنه: سيدرك السياسيون عند الوصول إلى هوة ما، أنَّ تغييرًا رئيسًا كبيرًا أطلقتُ عليه اسم "إعادة الترتيب الكبيرة" هو وحده ما ينقذ النظام النقدي العالمي، ولا شك في أنهم سيصلون إلى هذا الإدراك، عندما يقفون مكتوفي الأيدي حيال إعادة تمويل جبال ديونهم.

ويوضح المؤلف: يشرح هذا الكتاب السبب الحقيقيَّ للقول بأن التراكم المتزايد للديون في حساب الميزانيات العمومية للمصارف المركزية، ليس بوسيلة مستدامة تساعد اقتصاداتنا على التعافي.