مصابون واعتقالات في «مشاجرة جماعية» في الجامعة الأردنية: «الهويات الفرعية» مجدداً

كتب بسام البدارين

عملياً، لا يمكن تحميل الجامعة الأردنية «أم الجامعات في البلاد» ولا وزارة التعليم العالي، مسؤولية مباشرة بشأن ما وصف في الإعلام المحلي أمس الأول بـ «مشاجرة ضخمة» داخل الحرم الجامعي.
العنف الطلابي فجأة ضرب مجدداً ولأول مرة في عهد التحديث السياسي، ما قد يعيد الكثير من الاعتبارات إلى مستوى «المربع الأول» بعدما اعتقد كثيرون أن الشارع في طريقه إلى «تغيير تحديثي» مرسوم.
العنف غير المنضبط والمنطلق من «هويات فرعية» عاد للظهور في مشاجرة نادرة شهدها حرم الجامعة الأردنية بصيغة تعيد طرح بعض الأسئلة القديمة المسكوت عنها وسط حيرة المجتمع وارتباك سلطات الحكومة.
وما حصل باختصار أن خلافاً بين «فردين» من الطلاب على مسألة لا تزال غامضة، تطور وتدحرج فيما كانت أجهزة الهاتف الخلوي لطلاب فضوليين أو طالبات يهربن من مسار مواجهة شرسة بالحجارة بين «مجموعتين» تنقل في بث حي ومباشر عبر منصات التواصل «المشاهد المؤلمة» كما وصفتها الإدارة الأكاديمية للجامعة.
المشهد انتهى بحصيلة أعلنها الأمن العام، حيث 7 مصابين واعتقال أو توقيف نحو 42 طالباً على الأقل بعدما استُدعيت السلطات الأمنية ووقفت خارج حرم الجامعة تلتقط المتورطين أو المشتبه بتورطهم.
المشاجرة كانت بالصوت والصورة، وأثارت حجماً ضخماً من الاستياء والانزعاج لدى الرأي العام ولدى السلطات المختصة والأوساط الأكاديمية، التي سارعت للتحقيق والتدقيق والمتابعة في ضوء ما يتيحه القانون، فيما «التسرع الإعلامي الترويجي» يتسبب بالإضرار بسمعة متميزة لإحدى أبرز الجامعات على المستوى العربي وليس المحلي فقط.
المسألة هنا على الأغلب ليست مهنية ولا أكاديمية، وما حصل داخل حرم الجامعة الأردنية لا يليق بالمؤسسة التعليمية العريقة بالتأكيد، لكنه يعكس مجدداً -وقد يكون هذا الأهم- الإخفاق البيروقراطي ثم السياسي العام في إخفاء أو تراجع سؤال الهويات الفرعية التي تظهر في مواقع غير متوقعة مثل المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يحيل ما حصل في الجامعة الأربعاء الماضي إلى مستوى النقاش الوطني وليس الجامعي.
رئيس الجامعة البروفيسور نذير عبيدات، أشار في تعليق منشور إلى ما هو جوهري عندما ألمح إلى أن سبب المشاجرات لا علاقة له بإدارة الجامعة وبرامجها، بل نتاج حالة اجتماعية موجودة في البلد، وأسبابها «سخيفة» بين فردين، وسرعان ما يتم تحويلها إلى «عشائرية ومناطقية».
أغلب التقدير أن الخلاف بين طالبين «ساذج للغاية»، وسببه لا يبرر التحشيد الذي حصل، لكنه في كل حال خلاف فردي وشخصي، تحول فجأة إلى «احتكاك اجتماعي» بعدما حضر أقارب ومعارف وأبناء مناطق كل من الطالبين اللذين تسببا بالمشاجرة أصلاً.
شوهدت الحجارة تتطاير بين رؤوس الطلاب، ورصدت أصوات طالبات خائفات، وعشرات الطلاب يهربون من زقاق إلى ساحة داخل حرم الجامعة قبل أن تسيطر الأجهزة المختصة على الأبواب، وتراقب المرافق، وتبدأ بإحصاء «الخسائر»، وأهمها معنوي ومهني.
ظروف وملابسات المشاجرة لم يكشف النقاب عنها بعد، وإن مسؤولية جميع الأطراف في الحكومة والبرلمان وفي الإعلام والمجتمع هو التنقيب بصفحات هذه المشاجرة لاستعراض ما الذي تعنيه وما تداعياتها؟
عشرات الطلاب شاركوا في المشاجرة. والانطباع الأولي أن طلاباً لا علاقة لهم بالمشاجرة تورطوا في التفاصيل لأسباب تتعلق بأقرباء أو أصدقاء، فيما الجامعة ذاتها أعلنت أنها ستستخدم أقصى ما يتيحه القانون من عقوبات لمحاسبة الطلبة المتورطين ومعاقبتهم.
لاحقاً، ستلجأ الجامعة إلى «قرارات فصل» بحق الطلاب من نجوم المشاجرة الجامعية، ثم سيبدأ «سيناريو التدخل والتوسط» لتخفيف العقوبات.
وقد تلجأ عدة أطراف لتجميع «التراب أو الغبار تحت السجادة» حرصاً على المصالح العامة، وهو ما سيبقي سؤال «العنف الطلابي» بلا «مراجعات عميقة» يستحقها الملف برمته وفي الواقع من أكثر من 20 عاماً.
ظاهرة العنف في الشارع الطلابي الأردني ليست جديدة. طلاب إحدى الجامعات الخاصة بالتزامن رفضوا المشاركة في حفل التخرج، وشوهد بعضهم يلقون بشهادتهم ووثائقهم في الهواء احتجاجاً على ما وصفوه بسوء تنظيم حفل التخرج.
لكن حصلت مشاجرة على أبواب الجامعة الأردنية، تحتاج إلى عقد منتديات وورش عمل ذهنية لتحليلها بعيداً عن المسيرة الطيبة أكاديمياً لأعرق جامعات البلاد.
المسألة مرتبطة بالمجتمع وسلوكه في بعض الأحيان، ولا علاقة لها بأخطاء ارتكبت لا داخل الجامعة ولا خارجها على مستوى مؤسسات التعليم ووزارته.
نتيجة المشاجرة كانت تعبر عن خسارة ثقيلة. وبيان الأمن العام بعد تدخل الأمن في محيط الجامعة وعلى أبوابها الخارجية تحدث عن اعتقال نحو 42 طالباً يشتبه بأنهم متورطون، وعن إسعاف 7 طلاب أصيبوا في تلك المواجهة التي كان سلاحها الأهم التراشق بالحجارة.
الأمن قال إنه باشر التحقيق، وسيحيل المتورطين إلى السلطات القضائية، ما يعني عقوبات بالمعنى الحقوقي والقانوني والجزائي وليس بالمدلول الأكاديمي فقط، واتهامات قد يكون من بينها «الاعتداء على ملكيات عامة» إضافة إلى تسجيل «قيود مشاجرات» بحق المتورطين من الطراز الذي يعيق المستقبل الوظيفي والعلمي معاً.
لماذا يجازف «طالب جامعي» ما بكل تلك الخسائر بسبب «مشاجرة وانفعال» أو رغبة كامنة في الانتصار لـ «هوية فرعية»؟
هنا السؤال الجريء الذي يمكن القول إن الإجابة عليه يجب أن لا تنحصر في مسؤولية «المؤسسات التعليمية»؛ لأنه سؤال عميق ووطني بامتياز، وعلى هياكل ومنظومات الدولة ونخبها أن تخطط فوراً لمحاولة توفير الإجابة.
الخلاف الفردي -كما وصفه بيان للجامعة ذاتها- ينبغي ألا يسمح له بتقمص سيناريو «مناطقي أو عشائري أو هوياتي فرعي» خصوصاً داخل حرم الجامعات، وسلطة القانون هي الأساس في إنصاف المواطنين.
الأغرب والأكثر إلحاحاً هي تلك الخلفيات التي تدفع باتجاه تصنيف 42 طالباً جامعياً على الأقل في قائمة «الظن والاتهام»؛ لأن مشكلة ساذجة عملياً برزت بين شابين يفترض أنهما في بداية موسم امتحانات السنة الجديدة.
إدارة الجامعة كان لها رأي مختلف في التفاصيل؛ فقد أحالت الأطراف المتورطة بتلك المشاجرة الجماعية إلى لجنة متخصصة في متابعة قضايا الطلاب ومشكلاتهم.
والجامعة بطبيعة الحال، أعلنت أنها ستطبق القوانين والأنظمة الداخلية بصرامة شديدة بعد التحقيق من قبل اللجان المختصة في ما حصل وفي من شارك وفيما حدث، خصوصاً أن بعض المرافق الصغيرة للكليات التي شهدت محيطها مشاجرة تعرضت للإيذاء.
عشرات الطلاب في الخلاصة الآن يواجهون قرارات «فصل نهائية» متوقعة من الصنف الذي لا يسمح لهم بإكمال مسيرتهم الدراسية في بقية الجامعات الحكومية. وعلى والنخبة الأكاديمية في الجامعة الأردنية وغيرها بعد ما حصل، واجب قيادة حوار علمي مستقل وصريح يناقش عودة ظاهرة العنف للشارع الطلابي.
العصبية الاجتماعية والهويات الفرعية هي جذر الإشكالية التي ظهرت مجدداً. والسؤال أكبر بكثير، حتى من كل الجامعات الأردنية ومن كل ما حصل.