فرنسا حرة حرة، ساركوزي اطلع برى

اخبار البلد 
في شباط الماضي وفي مقال بعنوان («الساركوزية» وسورية أسباب التراجع كثيرة) والتي نشرتها صحيفة «الوطن»، اختتمت المقال بعبارة (بقي الأسد وضحيته الثانية يستعد لكي يصبح عضواً في المجلس الدستوري) في إشارة لفشل ساركوزي في نيل ثقة المواطنين الفرنسيين لإعادة انتخابه وبالتالي فمصيره سيكون كمصير كل رئيس فرنسي يحمل لقب رئيس سابق. يومها سألني بعض الأصدقاء، ألا تشعر بأنك تستعجل هذه القراءة لأن استطلاعات الرأي قد تتبدل في أي وقت؟ فأجبت أنني لم أبن هذه القراءة على استطلاعات الرأي (ولا حتى جاءني ملَكٌ على فرسٍ أبيض من أولئك الذين كانوا يقاتلون ضد الأمن السوري وهربوا مع دخول الجيش العربي السوري) ولكن ثقتي بأن الأسد سيخرج منتصراً ليتربع على عرش المنطقة جعلت من المسلمات لديَّ أن انتصاره سيكون له مقدمات، منها هذه المحطة ومحطات أخرى قادمة بإذن اللـه.
فرنسا حرة حرة، ساركوزي اطلع برا، كم هو ممتعٌ أن نودّع الرئيس الفرنسي (السابق) نيكولا ساركوزي بشعارٍ من الشعارات التي رددها ويرددها متطرفو ربيع الناتو في الثغور الإسلامية، تلك الثغور المنتشرة بين إمارة مصر وتونس وليبيا وغيرها من المناطق التي تحولت إلى أشباه دولٍ بفضل الاضطرابات التي تغذيها وكالة آل ثاني للديمقراطيات والحرية، تلك الحرية المسموح لها أن تغزو كافة الثغور إلا خليج التآمر.
فرنسا حرة حرة، ساركوزي اطلع برا: أجل لقد قال الفرنسيون هذه الكلمة دون أن يتبعوها بالتكبير أو بتشكيل كتيبة حمد بن جاسم أو رفيق الحريري أو شعبان عبد الرحيم. لقد قال الفرنسيون هذه الكلمة دون أن يقتلوا أو يقطعوا الجثث، دون أن يحرقوا متحف اللوفر أو يشعلوا الإطارات في ساحة الجمهورية ودون أن يغتالوا الأخلاق على مذبح الحرية.
ساركوزي ربما سيحمل ابتداء من الغد الورقة والقلم كصحفي مبتدئ، ليشرع بكتابة مذكراته، عساه أن يجد داراً للنشر لتقوم بنشر تلك المذكرات لرجل تصرف وكأنه (شارلمان الـثاني) وبالتالي فإن هذه المذكرات ربما لن تجد داراً تنشرها إلا داراً كدار الأميرة موزة إذ لا يهم أبداً ما هو نتاج هذا الدار ومدى مساهمته في إغناء المكتبة العالمية من الفكر والحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فالأهم هو كم سيدفع هذا الدار ثمناً لتلك المذكرات هذا إن لم نجد ساركوزي مستشاراً لدى حمد للشؤون السياسية على طريقه «روبير مينار» الذي ذهب إلى قطر ليصبح مديراً لمركز «الدوحة لحرية الإعلام» دون أن يكلف خاطره بالسؤال عن حجم الحرية التي يتمتع بها مواطنو هذا البلد. لكن بالمطلق فإن هذه المذكرات تبدو غير ذات قيمة إطلاقاً، هي تماماً كما لو فكر ملك آل سعود بكتابة مذكراته والحديث عن فكره الإصلاحي ومغامراته كزير للنساء وقاهر لقلوب العذارى، فماذا من الممكن أن يقول ساركوزي في مذكراته:
رئيسٌ بدأ عهده بفكرة الاتحاد من أجل المتوسط دون أن يكون هناك أي تفعيلٍ لها، بل وباتت محط سخريةٍ وتندر وتحديداً عندما تقاسم رئاستها في دورتها الأولى (المنصرفان) مبارك وساركوزي!.
رئيسٌ حلفاؤه حمد وملك آل سعود في الحجاز المحتل فماذا سنتوقع أن يأتي في مذكراته إلا ما يشبههما، رئيس كاد أن ينادي تكبير على طريقة حلفائه ثوار الناتو من الجماعات الإسلامية المتطرفة في ليبيا وكفر نبل (المحتلة) وغيرها. رئيسٌ جاء بالصهيوني بيرنارد كوشنير كوزير للخارجية كوشنير الذي نسي يوماً أنه جاء لمناقشة ملفات حاسمة في لبنان ففضل رقص الدبكة بأحد الأعراس، وهل هناك أفضل من الساسة اللبنانيين بالافتخار بمراقصة وزير هنا أو مساعد وزير خارجية هناك!
رجل ساهمت قواته بقتل أكثر من مئة ألف شخص في ليبيا وهو بدأ عهده بتلقي رشوة من القذافي (كما اتهمه سيف الإسلام وكذلك كما نقلت المواقع الفرنسية حول وثيقة تؤكد صحة الخبر)، ثم تلقى هدية أخرى هي قطعة أرضٍ في فلسطين المحتلة، لذلك فهذه المذكرات لشخص مريض بجنون العظمة قد تبدو فيلماً كوميدياً طويلاً، وجنون العظمة هذا كان ربما أحد أسباب إخفاقه في الانتخابات لأن الغرور مرض يطيح بصاحبه وهذا ما عبّر عنه المحلل السياسي كريستيان لامارد لصحيفة النيويورك تايمز عندما قال:
إن «ساركوزي» يواجه مشكلة حقيقية وإنه سيدفع ثمن غروره ونزواته ومزاجه الخاص.
فرنسا حرة حرة، ساركوزي اطلع برا: إذن سيفتقدك متطرفو المشرق وسيفتقدك دعاة الحرية قاطعو الرؤوس وساحلو الجند ومغتصبو النساء في منطقة المشرق العربي، سيفتقدك حكام التآمر في خليج التآمر وباختصار حتى رضوان زيادة سيفتقدك، بالتالي وبما أن ساركوزي بات الآن من الماضي الأسود بحياتنا فبات لزاماً علينا أن لا نعطي للحديث عنه أكثر مما يستحق على مبدأ (الضرب بالميت حرام) فإننا سننتقل من الحديث عن الرئيس الفرنسي (السابق) نيكولا ساركوزي إلى ما تخبئه الأيام القادمة لفرنسا ولسياستها بعد أن استعاد الاشتراكيون كرسي الرئاسة.
باختصار يمكننا القول إن فرنسا حالياً دخلت مرحلة الجمود السياسي، التي يلفها نوع من الكيدية السياسية، هذا أمرٌ متعارفٌ عليه في السياسة الفرنسية عندما يحدث ما يسمى اصطلاحاً (التعايش) وهو أن يكون رئيس الجمهورية من كتلة سياسية معارضة للأغلبية البرلمانية، بالتالي ولكي ينطلق العهد الجديد تماماً علينا أن ننتظر الانتخابات البرلمانية نهاية الخريف القادم لكي تتضح الصورة تماماً، علماً أن الاستطلاعات حالياً حول النتائج ولكن يبدو أن الأمور متجهة نحو فوز الاشتراكيين أيضاً بالأغلبية البرلمانية ليمسكوا بذلك مفاصل السلطات التنفيذية والتشريعية. هذا الأمر كان له دلالة أساسية في السابق بدأت مع فوز الاشتراكيين في انتخابات الأقاليم هذا الفوز جعلهم يسيطرون على مجلس الشيوخ (مجلس الشيوخ لا يتم انتخابه من الشعب مباشرةً وإنما من مجمع انتخابي يضم نحو 80000 شخصية هم الأشخاص الموجودون في مناصبهم بالانتخاب محافظ، مستشار...)، واليوم جاء فوز هولاند على ساركوزي ليؤكد إخفاق السياسات الديغولية منذ الولاية الثانية لشيراك وحتى الآن فالحزب بدأ يفقد شعبيته شيئاً فشيئا ليس لأسباب في اتجاهاته فحسب، وإنما تعود للمشكلة القائمة بين الفكرة أو الشعار والقائمين على تنفيذهما، علماً أن البعض يرى أن كلا المرشحين لم يكونا مقنعين، لكن علينا أيضاً أن نعترف أن شخصاً مغموراً في الحياة السياسية (لم يستلم هولاند أي منصب حساس في حياته) استطاع أن يقصي رئيساً كان يظن نفسه يحمل شعبية كبيرة، فهذا بالتأكيد يحمل الكثير بين طياته حول ما ستفرزه نتائج الانتخابات.
حكومياً لا يوجد أي نص دستوري يجبر الحكومة على الاستقالة، الرئيس لديه صلاحيات تسمية رئيس الوزراء ولكنه لا يستطيع إقالة الحكومة أبداً وتحديداً أنها تتمتع بأغلبيةٍ برلمانية، بالتالي فالبرلمان وحده من يقرر إقالة الحكومة أو أن يقوم رئيس الوزراء بتقديم استقالته لأن استقالته تعني استقالة الحكومة بالكامل. لكن جرت العادة أن تتم استقالة الحكومة بروتوكولياً بعد الانتخابات الرئاسية من أجل إتاحة الفرصة للانطلاق وتشكيل حكومة جديدة تراعي هذا التغيير في الأغلبية، فالحكومة ستبقى تتمتع بأغلبيتها البرلمانية الحالية ولكن تعديلاً ما سيطرأ على التركيبة الحكومية بكل تأكيد وقد تطال في الأساس وزير الخارجية الآن جوبيه (هل تذكرون هذا الاسم. نعم إنه هو الذي سيرحل عن منصبه ولا تزال أيام الأسد بالنسبة له معدودة) وكذلك وزير الدفاع الذي لا توجد إشكالات عليه ولكن النص الدستوري أعطى للرئيس حق التدخل بتسمية هذين الوزيرين. أما فيما يخص رئيس الوزراء فإن فرانسوا فيون سيعود رئيساً للوزراء علماً أن فيون بالمطلق هو شخص تصالحي وربما سيكون خصم هولاند في انتخابات 2016 ولكن في كثير من الأحيان وفي حالات (التعايش) فإن المشاكل تتفاقم بين الرئيس ورئيس وزرائه فتنفجر الأمور وتدفع باستقالة رئيس الوزراء وهذا ما حدث مع شيراك عندما كان رئيساً للوزراء في أواخر الثمانينات خلال رئاسة فرانسوا ميتران.
ولكن يبقى السؤال الأساسي الذي يهمنا كسوريين، ما مصير الدور الفرنسي في الأزمة السورية؟
بكل المقاييس لا يمكن لهولاند الآن اللعب بالنار كما فعل ساركوزي، فهو أدرك تماماً أن الورقة السورية ليست بهذه السهولة، فالتغيير حتماً سيصب في مصلحة المطالبين بالحل السلمي للأزمة السورية وهو كان واضحاً من خلال تصريحاته بأنه لا يملك أن يشارك بأي هجوم على سورية إلا بتفويضٍ من مجلس الأمن، ربما اعتبر البعض أن تصريحه هذا جاء نوعاً من الهدنة مع من كان يطالبه بموقف من (القتل) في سورية، حتى أنه لم يتكلم كثيراً عن سياسته الخارجية في المناظرة التي جمعته مع خصمه ساركوزي والتي لم يكن لسورية وأزمتها أي وجود فيها وانسحب بذكاء من الجدال حول هذا الأمر عندما قال وبثقة أنا ليست لدي معلومات كافية حول الأوضاع هناك.
ربما فسر البعض تهربه من هذا الجواب بأمرين:
أولهما أنه لا يريد أن ينزلق للإدلاء بتصريحات تؤيد ما يجري فتكون لمصلحة ساركوزي أو أنه يدين ما يجري فتكون نقطة عليه باعتباره عدواً للديمقراطية وصديقاً للديكتاتوريات، لذلك تبدو سياسته الخارجية ليست واضحة المعالم بعد ولكنه قال إنه سيتحدى أوروبة وهنا لم يكن الكلام واضحاً هل صرح بذلك من أجل كسب أصوات اليمين المتطرف الذين هم ضد أوروبة بالكامل، أم أنه بالفعل يدرك أن قيادة فرنسا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جعلتها غير ذات ثقل سياسي على مستوى العالم لدرجة جعلت باراك أوباما يقول: «ليس لدينا صديق وحليف أقوى من ساركوزي والشعب الفرنسي». الأمر الذي أثار يومها حفيظة البريطانيين ودفعت مجلة الاكسبريس البريطانية لتتهجم على أوباما لتنكره لبريطانية كحليف أساسي في أوروبة وبالتالي هذا الكلام يؤكد أن فرنسا كانت ظلاً للسياسات الأميركية ومع ساركوزي أصبحت ظلاً لمتطلبات المال الخليجي أيضاً. ثم ألا يعني تحديه لأوروبة وسياستها تحدياً للولايات المتحدة وسياساتها أيضاً فعلى أي أرضية استند في هذا الكلام؟ وربما يقول البعض أيضاً إن سياسته ستقوم على أحجام المد الخليجي (القطري السعودي) تحديداً في التدخل برسم السياسات الخارجية كما كان يحدث مع سلفه ساركوزي لأن هذا الأمر أساء كثيراً لفرنسا وتاريخها العريق.
إذن بالمطلق أن التغيير في فرنسا سيكون له تأثير ايجابي لجهة الأزمة السورية وربما نلخصه بما يلي:
أولاً: إن رحيل ساركوزي وجوبيه معاً وهما كانا رأس الحربة في أوروبة بالضغط نحو توتير الأزمة السورية سيكون له انعكاساته، إذ لا يمكن لوزير الخارجية الجديد أن يتابع بنفس الأسلوب وتحديداً أنه سيكون مقرباً من رئيس الجمهورية.
ثانياً: لا يمكن للحكومة الفرنسية أن تضغط لتتابع بنفس الموضوع (من باب المعاندة) وربما وبموازنة عقلية ستخلص إلى نتيجة مفادها أن بوتين عاد رئيساً لروسيا رغم ما يعتبرونه هم مواقف سلبية له من الأزمة السورية، في حين ساركوزي بات من التاريخ رغم كل ما أظهره من دعم للمشاريع الهادفة إلى ضرب سورية، وبالتالي إن كان عينها على الانتخابات القادمة فيجب أن تكون سياستها تصالحية.
ثالثاً: لا يمكن للرئيس الجديد أن يتابع بنفس النهج السابق وهذا ضرب من الخيال وتحديداً أنه ليس خلَفاً لرئيس من نفس الحزب وإنما هو من حزب معارض وورث أجندة داخليه تُثقل كاهله.
وبالتالي فإن النظرة حول الملف السوري ستكون أكثر واقعية وبعيدة وتحديداً أن الأمر بات يتعلق بالإرهاب الدولي وتغلغل القاعدة هنا وهناك وفرنسا من أكثر الدول حساسية لهذا الأمر.
إذن وبشكل عام يجب علينا أن نستغل رحيل الساركوزية السياسية بطريقة واقعية بحيث ننظر إلى الأمور من باب استعادة صديق وليس التعامل مع عدو، وهذا قد يريحنا كثيراً في التعامل والأهم أن مرحلة الساركوزية بتهريجاتها وطموحاتها قد انتهت لأن الغرور مآله الزوال مهما طال الزمن وليذهب ساركوزي إلى المكان الذي رفعت فيه صورته في طرابلس عسانا نلتقط له صورة هناك وهو يعلن انشقاقه وتشكيل الجيش الفرنسي الحر تمهيداً لاستعادة سلطاته وحكمه، وليذيع من هناك بياناً للأمة الفرنسية لترد الجموع التي حوله من حلفائه..... تكبير