كورن فليكس أمي وثورة «1936»!




هل تحبين الكورن فليكس يا سلمى؟ سألت حفيدتي.
لذيذ مع الحليب. كل يوم ماما بتفطرنا كورن فليكس وبيض مسلوق.
قلت لها: أمي كانت تعرفه وتحبه.
أمك.. قبل تسعين سنة؟! وقتها لم يكن مصنوعًا بعد.
لا.. لا، إنه خبز الذرة الذي كانت تحبه وتشتاق إليه.
في سنوات الاحتلال البريطاني لفلسطين قبل أن يسلموها لليهود، كان الأهالي يمارسون نضال الإضرابات، وأهمها إضراب 1936 الذي استمر ستة شهور. أُغلقت المحلات، توقفت التجارة، وشُلّت الحركة. مارس الناس الاكتفاء الذاتي بما تبقى لديهم من قمح وعدس وفول وبرغل وزيت وزيتون. أما الخضروات من سبانخ وملفوف وزهرة وبندورة وباذنجان وكوسا فكانت في مزارعهم حسب مواسمها.
«خلص طحين القمح، فصرنا نطحن الذرة ونخبز منها. صحيح كان الرغيف يابسًا لكننا كنا نأكله، والله أشتاق له». وتضحك. هنا يتدخل أبي غاضبًا: «منيييح؟! كنا نطحنه للدواب. ولو ضربت الرغيف بالحيط بيرجع صامد» كناية عن يباسه.
هل تعلمين يا سلمى أن أمي عندما رأت الحليب المجفف في أكياس قالت: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حليب ناشف في كيس؟!»
لا تستغربي، فقد كانت تحلب بيديها بقر وغنم جدي، يعني جد جدك، وهي في عمرك الآن.
«والله يُمّا ستك، يعني حماتها، كانت تخليني أحلب البقر وأنا لسة عروس عمري 14 سنة». كانت أمي تقول لي.
انتهى الإضراب الذي بدأ في نيسان/أبريل بضغط من بريطانيا ونداءات زعماء عرب بوقفه والاعتماد على حسن نية بريطانيا العظمى في تشرين أول/أكتوبر. لكن ما لبث أن تحول إلى ما عُرف بالثورة الفلسطينية الكبرى ضد القوات البريطانية التي كانت تدعم العصابات الصهيونية المسلحة والتي استمرت ثلاث سنوات (1936 – 1939).
لم يكن الفلسطينيون يعلمون أن نهاية الإضراب بداية لاحتلال بلادهم وطردهم منها ليحل محلهم مغضوب عليهم من الرب، منبوذون من الأوروبيين بسبب جشعهم وتنكرهم للجميل وعدم وفائهم لمن يُحسن إليهم وعيشهم في غيتوهات يمارسون الغدر والربا. فتخلّصوا منهم وألقوهم في فلسطين متظاهرين أنهم يصدقون مقولة «أرض الميعاد» وأن اليهود «شعب الله المختار» وأن فلسطين أرض بلا شعب.
الشعب الفلسطيني لم يتوقف يومًا عن النضال لاستعادة ما سرقه اليهود منهم في غفلة من الزمن وممّن صدقوا أنهم يريدون السلام. قدّموا مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، وما نشاهده يوميًا من جرائم صهيونية ضد الأطفال والنساء والمرضى والمسنين في غزة.
لكن بالمقابل نشاهد الآن في عواصم ومدن العالم وخاصة أوروبا التي ساعدت في إقامة ما يسمى «دولة إسرائيل» الصحوة على الرواية الصهيونية الكاذبة، وكشف القناع عن الوجه الوحشي القبيح لما كانوا يظنون أنه حمل وديع.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية الجاري حاليًا خطوة نحو نهاية الدولة الإسرائيلية. وهذا، رغم تضحيات غزة المؤلمة، أهم نتائج السابع من أكتوبر 2023.