"الذكاء الاصطناعي" يفتح جراحا قديمة.. الصورة التي تشغل العالم
مع الانتشار السريع للتقنيات التوليدية في الذكاء الاصطناعي، لم تعد "الترندات" تقتصر على مقاطع الفيديو الساخرة أو الصور المرحة، بل أصبح بعضها يحمل أبعادا نفسية عميقة قد تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للمستخدمين. ومن أبرز هذه "الترندات" التي ظهرت مؤخرا، الصورة المولدة التي تظهر الشخص وهو يحتضن نفسه كطفل صغير، التي انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها لافتة للنظر ومعبرة عن الحنين أو القوة الداخلية.
ورغم أن الفكرة تبدو للوهلة الأولى إيجابية ورمزية، إلا أن التعامل معها من منظور علم النفس يفرض علينا الوقوف بحذر أمام آثارها المحتملة. هذه الصورة تحاكي مفهوم "الطفل الداخلي"، وهو الجزء العاطفي الأعمق فينا الذي يحمل ذكريات التجارب الأولى من الحب أو الحرمان أو الأذى. عندما يشاهد بعض الأفراد هذه الصورة أو يشاركونها، قد يستثار لاوعيهم بذكريات صادمة أو مؤلمة ارتبطت بفترات الطفولة، مما يؤدي إلى مشاعر قاسية مثل الحزن الشديد أو الخوف أو الإحساس بالذنب. مثل هذه الاستجابات النفسية قد تربك الأفراد الذين لم يخوضوا تجربة علاجية سابقة، فيجدون أنفسهم أمام عاصفة من المشاعر غير المفهومة.
على المستوى السلوكي، يمكن لهذه "الترندات"، أن تفتح الباب أمام التماهي المفرط مع الصور الرمزية بطريقة تؤدي إلى اجترار الماضي والانغماس فيه بدلا من التعامل الواعي معه. وفي غياب التثقيف النفسي، قد يعتقد البعض أن إعادة نشر هذه الصور وسيلة للتعبير عن القوة أو التعافي، بينما هي في الواقع تثير لدى الآخرين مشاعر معاكسة تماما، وتزيد قلقهم أو شعورهم بالهشاشة. هنا يبرز خطر ثقافة "المشاركة العشوائية"، التي لا تراعي الفروق الفردية ولا تستحضر احتمالية الأثر السلبي على المتلقين.
من منظور الصحة النفسية المجتمعية، يصبح من الضروري التوعية بأن ليس كل ما ينشر عبر الذكاء الاصطناعي، يمكن اعتباره آمنا نفسيا. الرموز البصرية المولدة قد تختصر مشاعر معقدة وتثير في لحظة واحدة ما تراكم لسنوات. لذلك فإن المسؤولية تقع على صانعي المحتوى والمؤثرين أولًا، ثم على المستخدمين أنفسهم، في التفكير مرتين قبل إعادة إنتاج أو نشر أي محتوى قد يلامس الجراح العاطفية العميقة للآخرين.
إننا بحاجة إلى ثقافة رقمية واعية، تدرك أن "الترندات" ليست مجرد لحظة عابرة، بل قد تكون محفزا لصدمات نفسية أو تذكيرا مؤلما لمن عانى من فقدان أو إهمال أو إساءة في طفولته. التعامل الواعي مع هذه "الترندات"، يتطلب النظر إليها كأدوات ذات قوة مزدوجة، يمكن أن تلهم وتفتح بابا للتعافي إذا وظفت في سياق علاجي أو تربوي صحيح، لكنها قد تكون أيضا مثيرة للاضطراب إذا طرحت من دون وعي أو مراعاة.
* اختصاصية نفسية