صالح القلاب "يستفرد" بـ الخصاونة ويصفه بالفاشل ويتهمه بالتحرش!!
اخبار البلد : خاص- شن وزير الإعلام الأسبق صالح القلاب هجوما قاسيا على رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة، واتهمه بأنه لا يعرف في السياسة، وكذلك بـ"التحرش بالأجهزة الأمنية". وقال القلاب: الخصاونة ربما أثبت أنه "قاض ناجح"، لكنه من خلال تجربته رئيسا للوزراء أنه "سياسي فاشل".
ووصف القلاب، في مقالة نشرت الخميس في صحيفة "الشرق الاوسط" ما تناقلته الألسن والأقلام وشاشات الفضائيات حول حيثيات الاستقالة بأنها "تصورات وقصص مختلقة سعى كل من دخل على خطها أن يكون لهم قرص في كل عرس، بدلا من وضع الأمور في أنصبتها".
وكشف القلاب عن الاسباب الحقيقية، برأيه، التي كانت وراء إقالة الخصاونة حيث أجملها بـ: اولا أنه "خيب الآمال وسقط في الامتحان منذ اللحظة الأولى عندما انحاز إلى الإخوان المسلمين انحيازا أعمى".
وتابع "لإرضاء هؤلاء بادر إلى "التحرش" بالأجهزة الأمنية"، فضلا عن "استهدافه الديوان الملكي بالتصريحات المتلاحقة المستغربة وغير المقبولة، وبخاصة في بلد طابعه عشائري ولا تقبل غالبية أهله أي مس بالرموز السيادية لهذه الدولة".
ومما عجل في الاستقالة وفق القلاب أن الخصاونة "ضرب مصداقية الملك" الذي وعد شعبه ووعد العالم والعرب بأن الانتخابات التشريعية، التي هي حجر زاوية العملية الإصلاحية، سيتم إجراؤها قبل نهاية هذا العام، من خلال "إغراق المجلس النيابي (البرلمان) بالقوانين غير الملحة مثل؛ قانون الأحوال المدنية وقانون التقاعد المدني وقوانين كثيرة أخرى، على أمل أن تنتهي الدورة البرلمانية العادية وأن تصبح الدورة الاستثنائية أمرا واقعا، ما دفع العاهل الأردني، من قبيل الإصرار على إجراء هذه الانتخابات التشريعية في الفترة التي أعلن عنها أكثر من مرة، إلى تمديد الدورة البرلمانية العادية دون علم رئيس وزرائه ودون استشارته، وهذا يعني وفقا للتقاليد السياسية الأردنية إعفاءه من مسؤوليته، بل وإقالته من خلال دفعه دفعا إلى الاستقالة.
وفيما يلي نص المقال:
لأن استقالة رئيس الوزراء الأردني (السابق) عون الخصاونة، أو إقالته، قد تناولتها الألسن والأقلام وشاشات الفضائيات بتصورات مختلفة وبقصص مختلقة، ولأنه دخل على خطها الساعون لأن يكون لهم في كل عرس قرص، فإنه لا بد من وضع الأمور في أنصبتها، وإنه لا بد من إزالة الضبابية التي أحيطت بهذه المسألة التي هي في حقيقة الأمر مجرد «حبة» حاول المتدخلون من الخارج تحويلها إلى «قُبة» وإعطاءها أبعادا «مفبركة» ليس لها أي علاقة بواقع ما جرى.
وبداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الرجل لم يُعرف عنه في كل تاريخه، منذ أن كان طالبا وإلى أن أصبح رئيسا للديوان الملكي وقبل ذلك كان موظفا في وزارة الخارجية، أي انتماء حزبي ولا أي ميول ومواقف معارضة للنظام ولا المشاركة في أي مظاهرة تندد بمواقف أي من الدول الكبرى أو الصغرى بسبب مواقفها الداعمة لإسرائيل والمعادية للقضية الفلسطينية والقضايا العربية.
وهكذا فإن عون الخصاونة القانوني الذي أوصلته الدبلوماسية الأردنية النشطة إلى المحكمة الدولية في لاهاي كان وإلى أن أصبح رئيسا للوزراء قبل نحو خمسة شهور بلا أي خلفية سياسية، وكانت انشغالاته بالإضافة إلى جوانب شؤون وشجون وظيفته، التي أحرز فيها تقدما جلب إليه الانتباه، مركزة على مطاردة الشعر العربي القديم والحديث، بما في ذلك ما يسمى الشعر «النبطي»، وعلى رباعيات عمر الخيام وحفظها باللغة الفارسية، التي قاده التباهي بإتقانها إلى الذهاب قبل فترة إلى حفل أقامته السفارة الإيرانية في عمان في ذكرى انتصار الثورة الخمينية، مما عرضه لاحتجاجات وانتقادات كثيرة شعبية ورسمية.
كان هذا الرجل، الذي فيه من الصفات «الأكاديمية» أكثر كثيرا من الكفاءات السياسية، قد مر بالديوان الملكي كرئيس له مرورا عابرا بلا أي أثر ولا أي إنجاز يسترعي الانتباه، وهنا فإن ألسنة السوء كانت خدشت سمعته بالادعاء بأن إخراجه من هذا الموقع الهام في هرم صناعة القرارات الحاسمة في الأردن قد تم بسبب تورطه في قضيتين لا ضرورة لذكرهما أو الحديث عنهما ما دامت المسألة قد تكون مجرد تهم غير مثبتة.
في كل الأحوال فإن اختياره لموقع رئيس الوزراء، الذي غادره في فترة رمشة عين كما يقال، قد جاء على أساس أنه بقي بعيدا عن التقلبات السياسية التي عاشها الأردن، منذ مجيء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين لموقع الحكم خلفا لوالده في نهايات عقد تسعينات القرن الماضي، وأنه، أي الخصاونة، بلا عداوات ولا صداقات سياسية، وأنه بحكم حياديته ساد اعتقاد بأنه يصلح لقيادة التحولات الإصلاحية التي تقرر أن توضع موضع التنفيذ بالبدء بإجراءات الانتخابات التشريعية قبل نهاية هذا العام، أي عام 2012.
كان هذا هو سبب الإتيان بعون الخصاونة ليصبح رئيسا للوزراء، فهو إنسان وديع وغير خلافي وغير متخندق في خنادق أي من تيارات الألاعيب السياسية، وهو وإن كان محسوبا على الموالاة فإنه بلا أي تاريخ صدامي مع المعارضة، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت مع بدايات السنوات الأولى من عقد تسعينات القرن الماضي قد انتقلت من حضن النظام الأردني إلى قلاع المواجهة معه، والسبب هنا يعود كما يقال لسببين، هما: الأول أن جيل الشباب في هذه الجماعة أصبح يحتل غالبية مواقعها القيادية، والثاني أن الخلاف في وجهات النظر بالنسبة لعملية السلام المتمثلة على الجانب الأردني في اتفاقية وادي عربة المعروفة قد أنهى وحدة موقف بقيت مستمرة بين الطرفين منذ خمسينات القرن الماضي وقبل ذلك وحتى عام 1994.
لقد كان رهان الملك عبد الله الثاني على هذا الرجل بأنه سيأتي بما لم يستطعه الأوائل، وأنه سيضع حدا لكل تقلبات السنوات العشر الماضية، لكن ما خيب الآمال أن عون الخصاونة قد سقط في الامتحان منذ اللحظة الأولى، وأنه «كسر عصاه من أول غزواته» عندما انحاز إلى الإخوان المسلمين انحيازا أعمى، ظنا منه أنهم سيشكلون قاطرته الآمنة في الحكم لسنوات طويلة، بدل أن يتخذ وضعية الحياد الإيجابي وأن يكون في منتصف المسافة بين المعارضة والموالاة، ليتمكن من لعب دور الوسيط بين هؤلاء وأولئك.
ولعل ما زاد الطين بلة، كما يقال، أن عون الخصاونة هذا الذي أثبت أن إتقانه للعمل السياسي وألاعيبه ومناوراته تشبه ادعاءه إتقان اللغة الفارسية، لم يكتفِ بتسليم رقبته وبالتالي رقبة موقعه كرئيس للوزراء إلى الإخوان المسلمين وأيضا إلى حركة حماس الفلسطينية، بل إنه لإرضاء هؤلاء قد بادر إلى «التحرش» بالأجهزة الأمنية الأردنية وإلى استهداف الديوان الملكي بالتصريحات المتلاحقة المستغربة وغير المقبولة، وبخاصة في بلد طابعه عشائري ولا تقبل غالبية أهله أي مس بالرموز السيادية لهذه الدولة.
ثم وزيادة على هذا كله وبالإضافة إلى الإساءة لكل رؤساء الوزارات السابقين وإلى إهمال قوى المعارضة القومية واليسارية وركوب موجة «حراكات» الشوارع، فإن عون الخصاونة بدأ يعمل على ضرب مصداقية الملك عبد الله الثاني الذي وعد شعبه ووعد العالم والعرب بأن الانتخابات التشريعية، التي هي حجر زاوية العملية الإصلاحية، سيتم إجراؤها قبل نهاية هذا العام 2012، من خلال إغراق المجلس النيابي (البرلمان) بالقوانين غير الملحة مثل قانون الأحوال المدنية وقانون التقاعد المدني وقوانين كثيرة أخرى، على أمل أن تنتهي الدورة البرلمانية العادية وأن تصبح الدورة الاستثنائية أمرا واقعا، مما دفع العاهل الأردني، من قبيل الإصرار على إجراء هذه الانتخابات التشريعية في الفترة التي أعلن عنها أكثر من مرة، إلى تمديد الدورة البرلمانية العادية دون علم رئيس وزرائه ودون استشارته، وهذا يعني وفقا للتقاليد السياسية الأردنية إعفاءه من مسؤوليته، بل وإقالته من خلال دفعه دفعا إلى الاستقالة.
وهكذا فإنه لا صحة إطلاقا لكل ما قيل حول هذه المسألة من روايات «مفبركة» إن في الخارج وإن في الداخل، كما أنه لا صحة لما قاله هذا الرجل الذي سقط في الامتحان سقوطا ذريعا لمجلة «الإيكونومست» البريطانية بأنه عندما تولى منصب رئاسة الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «كان الأردن ودون مبالغة على شفا حرب أهلية»!! فهذه مفردة غير متداولة في هذا البلد لا سابقا ولا الآن، والأردنيون بغالبيتهم يعتبرون أن الاستقرار خط أحمر لا يسمحون بالاقتراب منه، وأن النظام الملكي لا خلاف عليه، وأن التجربة الأردنية تختلف عن كل تجارب الربيع العربي، وأنه إذا كان الآخرون لم يبدأوا عملية الإصلاح إلا بعد بداية هذا الربيع العربي فإن الأردنيين كانوا قد بدأوها في عام 1989.
إن هذه هي حقائق الأمور حول موضوع استقالة رئيس الوزراء الأردني السابق أو على الأصح إقالته، وإن أكبر خطأ ارتكبه عون الخصاونة، الذي ربما أثبت أنه قاضٍ ناجح لكنه أثبت أيضا من خلال هذه التجربة القصيرة أنه سياسي فاشل، أنه صدق المتملقين الذين أقنعوه بأنه نسخة جديدة عن وصفي التل الذي كان الأكثر شعبية من بين رؤساء الحكومات في الأردن، والذي اغتيل في القاهرة في بدايات سبعينات القرن الماضي خلال وجوده هناك لحضور اجتماع لوزراء الدفاع العرب لوضع استراتيجية عسكرية للمواجهة مع إسرائيل وتحرير الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967.