اخبار البلد
لحسن الحظ، هناك ربيع عربي آخر يحدث الى جانب الحالة الدرامية في شوارع القاهرة ودمشق. إنه الزيادة الكبيرة في عدد الشركات التي أنشأها مؤخرا تقنيون عرب شباب. أرض الصفر هي مجمع من الأبنية هنا في قلب مدينة عمان. بني الموقع ليكون المقر الرئيسي للجيش الأردني، لكن الملك عبدالله أمر، في اللحظة الأخيرة، بأن ينتقل الجيش الى مكان آخر، مطلقا على المجمع اسم «حديقة الأعمال»، ومعلنا إياها منطقة اقتصادية خاصة. إن مباني الجيش متعددة الطوابق تحمل الآن لافتات كبيرة كتب عليها «مايكروسوفت»، «ايتش-بي»، «سامسونغ» و»سيسكو». لكن ما جذب انتباهي حقا كان المبنى الذي حمل اسم «أويسيس500».
إنه المكان الذي يلتقي فيه لورانس العرب مع مارك زاكربيرغ.
أويسيس 500 هي شركة تحفيز عربية ذات تقنية عالية، وتتطلع الى دعم 500 شركة ناشئة جديدة في الأردن. انها توفر المال الضروري لأي أردني أو عربي يرغب في تأسيس شركة جديدة هنا، وكعاصفة مطرية خاطفة في الصحراء، ساعدت أويسيس500 بالفعل عشرات الشركات الناشئة في مجال الانترنت ذات المحتوى العربي لتزدهر عمليا بين ليلة وضحاها. يشكل المحتوى العربي حاليا واحدا بالمائة فقط من مجمل المحتوى العالمي على الشبكة العنكبوتية، لكن خمسة وسبعين بالمائة منه ينتج في الأردن. يحتاج العالم العربي الى توفير ملايين الوظائف غير الحكومية لتلبية متطلبات الزيادة الكبيرة في أعداد الشباب. مع ذلك، للأسف، لا يمكن أن يكون هناك موظفون دون وجود أرباب عمل- أي أشخاص جريئون أذكياء مستعدون لتأسيس شركات- وهذا هو ما تحاول أويسيس500 أن تضاعفه سريعا. من دون هذا الربيع العربي، لن يستمر الربيع العربي الآخر قط. لن تكون هناك طبقة وسطى للمحافظة عليه.
يقول أسامة فياض، المدير الأول للبيانات سابقا لدى ياهو، الذي عاد الى الوطن مقتنعا بأن المادة الأولية موجودة هنا لإيجاد «وادي سيليكون» عربي: «لدينا إيمان قوي بتأسيس الشركات عوضا عن الوظائف». كما أضاف فياض قائلا: «الوظيفة تبقى وظيفة، أما الشركة فتشكل حالة نمو». إنها لا تولد فرص عمل جديدة فحسب، بل أيضا موظفين سابقين، ممن يخضعون للتدريب وينطلقون لانشاء شركات أخرى وصناعات جديدة. إن راتب الوظيفة العادية في قطاع التكنولوجيا في الأردن يعادل تقريبا ستة أضعاف راتب الوظيفة الحكومية العادية. يقول فياض أن الأردن لا يملك نفطا، لذا فإن «شعبه هو النفط»، وهو يقوم باستثماره.
ليس هناك ميراث لاستثمار رؤوس الأموال في العالم العربي، لذا تعد أويسيس500 رائدة في هذا المجال. إنها تدعو أي أردني أو عربي للإتيان بخطة عمل لإنشاء شركة جديدة. أي خطة تحصل على الموافقة تتسلم مبلغ 15,000 دولار كرأس مال أولي. بعد ذلك، يتوجب على أصحاب الشركات الناشئة أن يجتازوا معسكر التدريب التابع لأويسيس500، وهي دورة مكثفة لمدة خمسة أسابيع حول كيفية بناء الشركات. يمنح الناجحون مكاتب في حديقة الأعمال لمدة ثلاثة الى ستة أشهر. من يحقق نموا عقب المرحلة الأولى من الرعاية يحصل على المزيد من التمويل والمشورة القانونية وفرص التدريب وبناء العلاقات مع قادة رجال الأعمال المحليين. تقوم أويسيس500 بالاستثمار في كل شركة تصل الى هذه المرحلة. قال فياض أنه منذ تأسيس أويسيس500 في عام 2010، تلقت الشركة ألفي طلب واستثمرت في 49 شركة. وقد حصدت أرباحا من أحد تلك الشركات، ولا تزال 45 في طور العمل فيما أخفقت ثلاث شركات فقط. إنها تتلقى الآن مئات الطلبات شهريا للدخول الى معسكر التدريب.
خلال زيارتي، أطلعني فياض على ثلاثين من أحدث شركاته الناشئة، ومنها: موقع دوسيه، وهو بوابة عربية تقدم مواد تعليمية لطلاب الجامعات، وموقع فيرست بازار، وهو سوق الكتروني للحرفيين المحليين، وموقع ليتل ثينكينغ مايندس، الذي ينتج محتوى انترنت عربي للأطفال؛ وموقع ايكيف، الذي ينتج أشرطة مصورة عربية لكيفية عمل أشياء تتعلق بالتربية والجمال والصحة؛ وموقع غايت اكسبرس، وهو منصة لتحويل الأموال، وموقع تواجد، وهو موقع عربي لتقديم الحلول التمويلية، وموقع فكر، الذي يمكّن الشباب العرب- الذين يشكلون حوالي 40 بالمائة ممن يمارسون العاب الانترنت في العالم- لتطوير مهارات العمل أثناء اللعب عبر شبكة الانترنت؛ وموقع غويت، وهو موقع عربي للتنقل، وموقع اعزف، وهو عبارة عن مدرسة عربية للموسيقى عبر الانترنت.
بالاضافة الى أويسيس500، زرت ايضا موقع خرابيش الالكتروني، وهو موقع اخباري واسع الانتشار يساعد الشباب العرب على انتاج المحتوى والرسوم الكارتونية الخاصة بهم لوضعها على اليوتيوب وعلى منصته الخاصة- بعضها يتمتع بجرأة كبيرة. قال وائل عتيلي، وهو شريك مؤسس، «إننا لا نعد أنفسنا أصحاب مشاريع فحسب بل محدثين للتغيير أيضا. التعليم هو الوسيلة بعيدة المدى لتغيير عقول الناس، فيما نعتبر الإعلام الوسيلة قريبة المدى».
بوجود هذا العدد الكبير من الشباب الباحثين عن عمل، يقول ماجد جرار، مؤسس فايتال ترونيكس، التي تصنع تكنولوجيا مراقبة القلب، أن «الوسيلة الوحيدة لمعالجة البطالة هو ان تبتكر عملا خاصا بك». وجهة النظر هذه هي ما تشكل نفط الأردن.
لدى الحكومة هنا مشكلات حقيقية تتعلق بالفساد والاصلاح السياسي، لكنها قد أوجدت أيضا أفضل منصة عربية تجمع بين التعليم والسرعة العالية في نقل البيانات الالكترونية وشبكة انترنت لا تخضع للرقابة وقوانين تحمي الملكية الفكرية وتحفز الاستثمار.
هذا نموذج جديد للنمو العربي- مبني على اقامة المشاريع، وليس العقود الحكومية. قال فادي غندور، أحد المستثمرين في أويسيس500 ومؤسس أول شركة عربية تدرج على لائحة ناسداك: أرامكس، أن «إقامة المشاريع تتعلق بالتمكين. أن تمتلك مستقبلك وأن تمنح المهارات والأدوات لأولئك الشباب الطموحين من أصحاب المشاريع يعني أن يصبحوا أقل اعتمادا على الدولة وأن يوفروا فرص العمل بدلا من البحث عنها فقط، كما أنهم يوجدون قيمة لأنفسهم ولموظفيهم وللمجتمع بشكل عام».
لهذا السبب، فأنا أشجع هذا الربيع العربي بقدر ما أشجع الآخر.