حكومة حرب في إسرائيل

اخبار البلد 

للفلسطينيين والعرب تجربة مريرة مع حكومات الوحدة الوطنية في إسرائيل...هذه المرة، ستكون للإيرانيين كذلك، تجربة قاسية مع الإسرائيليين "حين يتوحدوا”...أول هذه الحكومات، أنشأها ليفي إشكول، قبل أربعة أيام من حرب الخامس من حزيران، تلتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة غولدا مائير في ذروة حرب الاستنزاف وصعود المقاومة الفلسطينية في العام 1969، وهناك حكومتان على هذه الشاكلة والطراز، تشكلتا إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، أما حكومات التناوب، التي اتخذت اسم حكومات وحدة وطنية، فقد جاء تشكيلها كنتيجة لعجز أي من الحزبين الرئيسيين عن تشكيل الحكومة منفرداً، أو بالاعتماد على حلفائه التاريخيين فقط.
حكومة نتنياهو- موفاز- ليبرمان- باراك، تحظى بغالبية لم تحظ بها أي حكومة في تاريخ إسرائيل، وفقاً لذاكرة المراقبين والمتابعين، وهي ليست حكومة الضرورة، فنتنياهو كان يقف على رأس إئتلاف مستقر نسبياً، وكل الاستطلاعات أعطته تفوقاً في أي انتخابات مبكرة على خصومه وحلفائه...وكان بمقدوره أن يظل على رأس حكومته السابقة، حتى نهاية ولايتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لكنه مع ذلك، آثر أن يأتلف مع موفاز وكاديما، معززاً صورته كـ”ملك إسرائيل”، وهو اللقب الذي لم يحظ به سوى سلفه أريئيل شارون، الراقد منذ أعوام بين الحياة والموت.
لماذا اختار نتنياهو الذهاب إلى حكومة الوحدة الوطنية؟...سؤال شغل المراقبين وإن كانوا لم يختلفوا على القول، بأنه حكومة القرارات الكبرى...حكومة الحرب على إيران وغزو القطاع والعدوان على لبنان....وحدها السلطة الفلسطينية عبّرت عن "أملها” أو "رهانها” بأن تأتي قرارات هذه الحكومة الكبرى باتجاه السلام مع الفلسطينيين و”حل الدولتين...مع أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يستحوذ إلا على مساحة سطرين من البيان الإئتلافي بين الليكود وكاديما، فيما ذهب البيان بمجمله نحو أولويات أخرى.
نتنياهو الذي نجح في إلزام شركائه على البقاء في الحكومة حتى أواخر العام المقبل، تواجهه جملة تحديات كبار، منها الضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو أمرٌ تقترب إسرائيل من القيام به، والرجل يريد أن يوزع "الدم الإيراني على القبائل الإسرائيلية” مُشركاً أكبر حزب في البلاد، في المغنم والمغرم...وفي الطريق إلى المفاعلات النووية الإيرانية، لا ضير من التعريج على القطاع وجنوب لبنان لشلّ اليد والذراع الطويلة.
ونتنياهو مقبل على تمرير تشريعات كبرى، تطال تجنيد اليهود الأرثوذوكس والعرب، وهذه سيكون دونها "خرط القتاد”، والرجل بحاجة لشبكة أمان تحميه وتساعده في تمرير قراراته المنتظرة في آب/أغسطس القادم، كما أنه معني بمواجهة أية استحقاقات قد تترتب على عودة باراك أوباما إلى البيت في إنتخابات نوفمبر القادم، وهل ثمة أهم وأفضل من "شبكة الأمان” هذه لمواجهة كل هذه التحديات؟.
في الشأن الفلسطيني الذي لم يحظ بأي اهتمام جدي يذكر لا في مفاوضات الإئتلاف ولا في نص الاتفاق، ورد ما يعيد تأكيد اللاءات الإسرائيلية المعروفة، وإن بصياغة مبطنة وغير مباشرة، فالتأكيد على يهودية الدولة، يعني لا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على الحدود الآمنة التي يمكن الدفاع عنها، يعني أن لا عودة لخط الرابع من حزيران 1967، وضم القدس (العاصمة الأبدية الموحدة) والسيطرة على غور الأردن...لا شيء جديد في برنامج الحكومة الجديدة، جديدها قديم، وقديمها أطاح بعملية السلام وخيار "حل الدولتين”، مرة واحدة وإلى الأبد على ما يبدو.
سنسمع جعجعة عن "ضرورة السلام مع الفلسطينيين”، وسنقرأ دعوات لـ”أبو مازن” بالذهاب إلى مائدة المفاوضات فوراً ومن دون شروط، وربما يتولى "الحمائمي/الوسطي”، شاؤول موفاز فتح قناة سرية للتفاوض مع السلطة، وسيجد على الطرف الآخر عشرات المتطوعين بانتظاره هناك، وبشتى الحجج والذرائع، وسيساعد على ذلك، تفكيك بؤرة استيطانية هنا أو منع قيام بؤرة هناك...كل هذا سيحصل، ولكنه سيكون بمثابة قنابل دخانية للتعمية والتمويه على جوهر السياسات الاستيطانية / الاستعمارية / العدوانية التي توحدت أحزاب إسرائيل لإنفاذها، على المستوى الفلسطيني الخاص والإقليمي الأوسع.
على العرب والفلسطينيين والإيرانيين أن يقلقوا تماماً، بل وأن يعلنوا حالة التأهب والاستنفار...حكومة الحرب الإسرائيلية لن تجلب السلام والاستقرار لهم...عليهم أن يفعلوا ذلك بدل إضاعة الوقت في "الرهان” على كاديما وخليفة إيهود أولمرت وتسيبي ليفني....عليهم أن يفعلوا ذلك، بدل التفكير المريض في "توظيف التطرف الإسرائيلي” لتصفية الحساب مع إيران وحلفائها....عليهم أن ينزعوا فتائل التفجير في العلاقات العربية الإيرانية، وهي مسؤولية تقع على عاتق طهران والرياض وبغداد والقاهرة ودمشق، الآن وقبل فوات الأوان.
لكن المؤسف أن بعض العرب، لا يبدي إكتراثا بما يمكن أن تفعله هذه الحكومة ضد فلسطين ولبنان، طالما أنها ستذهب إلى السلاح في تعاملها مع إيران...لا بل إن بعضهم قد "تُطربه” أنغام الحرب على إيران، وقرع طبولها الذي بدأ مبكراً، وأخذ بالتسارع في الآونة الأخيرة، وسيتسارع قريباً مع وجود "عصابة الأربعة” على رأس الحكم في الدولة العبرية...ألم يقل نتنياهو أن "إيران” هي عدوة العرب والإسرائيليين معاً وبالقدر ذاته، وأن مواجهتها ممكنة بتشكيل جبهة متحدة تضع هذه الأطراف جميعاً في خندق واحد؟...في هذه النقطة، وفي هذه النقطة بالذات، صدق نتنياهو.
لكن الحرب، خصوصاً حين تكون ضد إيران، ليست أبداً نزهة قصيرة...نتنياهو يستطيع أن يعرف متى يشعل فتيلها، لكن هيهات له أن يعرف متى ستنتهي وما هي الساحات والميادين التي ستمتد عليها، وأية أسلحة دمار ستستخدم فيها، والأهم، أية نتائج وتداعيات ستترتب عليها...هذه أسئلة مفتوحة، لم يجب عليها بيان نتنياهو – موفاز الأخير، وسيظل سيناريو اليوم التالي للضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران، لغزاً محيّرا للمراقبين، إلى أن تقع الحرب، وهي قد لا تكون بعيدة على أية حال.