عملية القدس بين الحسابات الضيقة وخيار السلام الفلسطيني
تأتي عملية القدس الأخيرة في لحظة شديدة الحساسية، حيث تتواصل الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب في غزة والضفة الغربية والقدس، ومحاولة منع اتساع رقعة الصراع. غير أن توقيت العملية منح المتطرفين الإسرائيليين الذريعة التي يبحثون عنها لإذكاء نار الحرب مجدداً، وفتح الباب أمام تحويل المواجهة إلى حرب دينية إقليمية تهدد أمن المنطقة بأسرها، ويدفع الفلسطينيون والإسرائيليين ثمنها المباشر من دمائهم ومعاناتهم اليومية.
لقد باتت الصراعات الإقليمية وتداعياتها تمثل الخطر الأكبر الذي يتهدد استقرار المنطقة. فالتوترات المتصاعدة في لبنان وسوريا واليمن، إلى جانب صراع النفوذ بين إسرائيل وإيران، تضع الشرق الأوسط على حافة مواجهة إقليمية واسعة. أي انزلاق إضافي نحو العنف لن يبقى محصوراً في الساحة الفلسطينية – الإسرائيلية، بل قد يشعل مواجهة شاملة تتداخل فيها الحسابات الإقليمية مع التوازنات الدولية.
إن التجارب التاريخية تؤكد خطورة هذه اللحظة. فكما أدى النزاع في البلقان وحرب كوسوفو إلى تدخل دولي مباشر وحلف الناتو، سرعان ما تحولت القضية من صراع محلي إلى أزمة أوروبية – دولية. وكذلك الحال مع الحرب الروسية – الأوكرانية التي لم تبقَ نزاعاً بين دولتين جارتين، بل غدت ساحة صراع عالمي على النفوذ والطاقة والحدود الجيوسياسية. كما أن حروب 1973 و ما جرى بين العراق والكويت تظهر أن أي صراع إقليمي سريعاً ما يتدول ويتحول إلى أزمة دولية معقدة، تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية على حساب شعوب المنطقة.
من هنا، فإن استمرار الحرب على غزة، وما تبعها من عملية في القدس، هو في جوهره انعكاس لتداعيات خطيرة: سياسة التطرف واستمرار الحرب، ومحاولات فرض السيطرة والضم، وغياب الأفق السياسي. هذه السياسات تفتح المجال أمام الانفجار وتجر المنطقة نحو مواجهات مفتوحة، بدل أن تسلك طريق السلام العادل الذي يضمن حقوق الفلسطينيين المشروعة والتعايش الذي يجمع الجميع ويضمن الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الفلسطيني
في المقابل، يظل الموقف الفلسطيني ثابتاً: التمسك بخيار السلام العادل والشامل باعتباره الخيار الاستراتيجي الوحيد القادر على حماية المنطقة من الانزلاق إلى صراع إقليمي أو دولي جديد. فالشعب الفلسطيني يؤمن بأن الأمن الحقيقي لن يتحقق إلا عبر إنهاء الاحتلال وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لا عبر سياسات الدم والانتقام.
الخاتمة
إن السبيل الوحيد لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في فلسطين والمنطقة لا يكون عبر منطق القوة أو سياسات الهيمنة والتطرف أو تغذية حمى الصراع، بل عبر فرض التعايش السلمي المشترك القائم على العدالة واحترام الحقوق. إن جرّ المنطقة إلى دوامة عنف جديدة لن يخدم سوى المتطرفين، بينما يرفضه كل من يؤمن حقاً بالسلام والأمن والاستقرار والتعايش بين الشعوب. فالتاريخ أثبت أن القوة مهما تعاظمت لا تستطيع أن تُخضع إرادة الشعوب، وأن العدالة وحدها هي التي تفتح الطريق نحو سلام دائم يضمن كرامة وأمن الجميع من شعوب المنطقة.