الحريديم… القنبلة المزروعة تحت كرسي نتنياهو

بعد جلسة الكابنت السياسي – الأمني الأخيرة، لم يبق مكان للشك. ست ساعات من المداولات، وسلسلة طويلة من التصريحات – التي سرب بعضها واقتبس – وفي نهايتها استنتاج واحد: لا صفقة جزئية. لا الآن، ولا في الظروف الحالية. انسوها. هذا ما قاله نتنياهو بصوته، وكرره باقي الوزراء بهز الرأس. حاول بن غفير الدفع إلى تصويت، لكن رئيس الوزراء حسم الأمر: لا حاجة. الصفقة شطبت من جدول الأعمال، والقتال هو العمل الوحيد.

المنطق الذي يقود نتنياهو واضح: الزمن يلعب ضد إسرائيل. في الماضي غير البعيد، كان ممكناً أن نسمح لأنفسنا بـ "صفقة انتقالية” – وقف نار مؤقت، وتحرير جزء من المخطوفين والعودة إلى ميدان القتال بعد بضعة أشهر مع إسناد من ترامب. هذه المرة، نفهم بأنه لم يعد ترف لهذا. معنى الصفقة الجزئية هو شهران من الهدوء في غزة، وإعادة بناء قوات حماس، وسيكون صعباً على إسرائيل، حتى متعذراً، استئناف الحرب. الساعة تدق ورملها ينفد.

لكن الحسم الذي يختاره نتنياهو – مناورة واسعة لاحتلال غزة – مليء بعلامات الاستفهام الثقيلة. هل ستحقق "عربات جدعون 2” ما لم يتحقق حتى الآن؟ هل ستنجح في أن حمل حماس على الاستسلام، وتفككها، واختفائها؟ لا أحد يضمن هذا، ولا حتى رئيس الأركان زامير.

في هذه اللحظة، حسب التقديرات، لا مؤشر على أن حماس تفكر بجدية بقبول شروط إنهاء الحرب التي طرحتها إسرائيل. لا يوجد "معسكر استسلام” داخل قيادة حماس، لا من يدفع نحو إنهاء القصة وفقاً لصورة النهاية التي يرسمها نتنياهو. ثمن الحملة، في هذه الأثناء، موضوع على الطاولة: إخلاء أكثر من نصف مليون نسمة من الفلسطينيين، ومعارك شوارع ضارية، مع خسائر متوقعة.

ستنشأ في العالم حملة هائلة، مع صيغ جديدة ومتطرفة لحملة "التجويع”. ستكون هذه المرة "إماتة وترحيل وإبادة جماعية”. حتى لو نجح نتنياهو خلق مجال عمل لنفسه، فلا أحد يضمن الحصول على ما يكفي من الوقت لإنهاء المهمة. وحتى لو أنهيت المناورة، وحتى لو اُحتلت غزة، من يضمن أن تترجم أهداف الحرب إلى "نصر مطلق”، يعد به نتنياهو الأمة منذ سنتين؟

وهنا تدخل الساعة السياسية إلى المعادلة أيضاً؛ ترامب فقد صبره على حرب غزة، ومشكوك فيه أن يعنى بحملة "عربات جدعون 3”. الانتخابات في إسرائيل تقترب. إذا لم يسقط الحريديم الحكومة بسبب قانون الإعفاء من التجنيد، فستفتح صناديق الاقتراع بين آذار – تموز 2026. معنى الأمر: نتنياهو لا يملك وقتاً سياسياً لحملة أخرى، وفصل آخر، في هذه الحرب الطويلة. احتلال غزة، إذا ما نُفذ، سيتم في موعد قريب من فتح حملة الانتخابات التالية.

لا يوجد فراغ في السياسة. إذا خرج بن غفير وسموتريتش من المعادلة مؤقتاً (لا صفقة = لا تهديدات انسحاب)، فسيأتي التهديد الحقيقي على الحكومة من الحريديم. قانون الإعفاء من التجنيد هو المادة المتفجرة الوحيدة التي بقيت تحت كرسي نتنياهو. إذا فشل في إيجاد صيغة ترضيهم، دون تمزيق الجمهور والائتلاف، فلن تكون غزة هي العبوة التي ستنفجر أولاً، بل عبوة في أماكن أقرب بكثير من ديوان رئيس الوزراء.

ويجب القول: حتى تهديد الانتخابات نفسه فقد وزنه. في الماضي، حين كانت الانتخابات تبدو بعيدة، كان فيها ما يخيف رئيس الوزراء ويجبره على اتخاذ قرارات في صالح المهددين. أما اليوم، عشية سنة الانتخابات، فيما صناديق الاقتراع خلف الزاوية، فإن قيمة الانتخابات تنخفض. الفرق بين "الصمود لسنة أخرى” وبين "لبضعة أشهر أخرى” يتشوش.

لكن نتنياهو، رجل قرون المذبح، غير مستعد للتخلي عن يوم واحد. من ناحيته، كل يوم إضافي في الحكم أغلى من الذهب، وكل دقيقة ستكون تلك التي تنقذه، أو تحسم مصيره.