اخبار البلد_ من اغرب التصريحات التي وصلتنا
من الحكومة الجديدة تصريح وزير الصناعة والتجارة الذي قال فيه: "ان
الحكومة انتهت من الدراسات الاقتصادية حول رفع الدعم عن السلع وانها
بانتظار "الهدوء السياسي النسبي” لتنفيذ هذا القرار”.
هذه، بالطبع،
دعوة صريحة للناس لكي "يتظاهروا” في الشارع، فبقاؤهم فيه او تصاعد
احتجاجاتهم سيمنع الحكومة –كما يعتقد الوزير- من اتخاذ اي قرار لرفع الدعم
عن السلع والمحروقات، وربما زيادة الاسعار على فاتورة الكهرباء، واعتقد هنا
ان رسالة الوزير ستصل سريعا الى الشارع.. فلا احد يقبل ان يعطي الحكومة اي
فرصة لمدّ يدها الى جيوب الفقراء.. ولا احد ايضا يثق بان "تغيير آليات
توزيع الدعم” هي الحل الوحيد لمشكلتنا الاقتصادية، فقد تعلم الناس من
تجاربهم مع الحكومات كلها ان اسهل طريق تسلكه "للتغطية” على فشلها في ادارة
موارد الدولة او وقف "العجز” في الموازنة هو "السطو” على جيب المواطن
وانتزاع كل قرش يحصل عليه بالتعب، ويا ليت ان ثمة "عدالة” في ذلك، فالفقراء
هم من يدفع الثمن في الغالب فيما تذهب "الغنائم” لطبقات الاثرياء الذين
يزدادون ثراء، والموظفين الكبار الذين تتضخم رواتبهم وامتيازاتهم ومظاهر
"رفاههم” أكثر فأكثر.
حين ندقق في تصريحات السيد الوزير نكتشف ان
ثمة رهانا لدى الحكومة على "تطويق” الحراكات الشعبية واستنزافها تمهيدا
لاستعادة "الهدوء النسبي” واصدار المقررات الاقتصادية الجديدة، وهنا يمكن
ان نسأل: متى سيتم ذلك؟ وكيف؟ للاجابة عن "متى” لا اعتقد ان احدا يستطيع ان
يتنبأ بموعد انفضاض الشارع وعودته عن احتجاجاته، علما بانه لا وقت لدى
الحكومة –كما يبدو- لانتظار اسابيع وشهور نظرا لخطورة الوضع الاقتصادي
وتداعياته من جهة، وللمهلة التي اعطيت للحكومة باعتبارها حكومة "مهمات”
انتقالية من جهة اخرى، اما كيف ستتعامل الحكومة مع المشهد لتحقيق "الهدوء”
الذي يسمح لها بتمرير اجراءاتها فأعتقد ان امامها طريقين لا ثالث لهما:
احدهما استخدام "العصا” لردع الناس ومنعهم من الاحتجاج وهذا خيار انتهت
صلاحياته وثبت فشله، والطريق الآخر الدخول في عملية اصلاح حقيقي تقنع الناس
بأن الثمن الذي يدفعونه من جيوبهم وعلى حساب قوت اطفالهم سيقابله "ثمن”
تدفعه الدولة لتطمينهم على حقوقهم وعلى موازين العدالة التي يرتبط بها حسم
ملفات عالقة مثل ملفات الفساد والضرائب والحاكمية الرشيدة والمواطنة
"الحائرة” وكل ما يتعلق باصلاح "السياسة” واعادتها الى قيمها النظيفة
المعبّرة عن ارادة الناس والدافعة نحو مشاركتهم ايضا.
يبقى ان نسجل
ملاحظة مهمة وهي ان البعض ربما يعلق "الهدوء السياسي” على قراءة ما يطفو
على السطح فقط، سواء من جهة "مراوحة” الحراكات ونجاح الدولة في ابقائها تحت
السيطرة، او من جهة ما يجري من تطورات في الاقليم وتحديدا في مصر وسوريا
او الخارج وما يقدمه من تصورات ونصائح او من جهة الاعتقاد بان وصفة الاصلاح
المقدمة بصورتها النهائية هي كل ما يمكن تقديمه للناس وبالتالي فان اجراء
الانتخابات البرلمانية سيطوي الصفحة، وفي ظني ان مثل هذه القراءات تبدو غير
دقيقة، فهي لا تنظر من زاوية واحدة للمشهد ولا تغوص في اعماقه، ولا تتطلع
الى الافق البعيد وما فيه من استحقاقات سياسية وربما مستجدات قد لا تكون في
الحسبان.
كان يمكن –بالطبع- للسيد الوزير ان يعلّق "اصدار قرارات
رفع الدعم” وغيرها من الاجراءات الاقتصادية العاجلة على الوصول الى
"توافقات” وطنية حقيقية حول "سلّة” المقررات الاقتصادية الواجب اعتمادها
للخروج من "الازمة” واقول "سلّة” لان الاعتماد على جيب المواطن فقط،
وانتظار "لحظة” هدوئه التي قد لا تأتي، بمثابة "مغامرة” لا نعرف نتائجها،
وهي –بالتأكيد- لن تحل المشكلة بقدر ما تخلق "ازمات” جديدة لا مصلحة لبلدنا
"باستيلادها” في هذا الوقت الحرج.