قد يكون نتنياهو وضع قضية الأسرى الإسرائيليين على الهامش..!
لم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها نتنياهو أسلوب الخداع والتضليل التكتيكي في المفاوضات ويفشلها ويدعي أن حماس هي التي أفشلت هذه المفاوضات، فهذه استراتيجيته المعهودة وحماس كانت تقع دائماً في شرك تفاوضي، فقد كانت تعتقد أن نتنياهو يسعى بكل جدية للتفاوض والتوصل لاتفاق صفقة يستعيد فيها أسرى إسرائيل من القطاع دون مزيد من المخاطرة بهم وبجيشه، ودون مزيد من الضغط من أهالي الأسرى الإسرائيليين، وهذا يظهر عدم فهم بين الطرفين؛ حماس تتصور أن أمر الأسرى الإسرائيليين على رأس أولويات نتنياهو، ونتنياهو لا يضع هذه القضية إلا على الهامش. جولة المفاوضات الأخيرة التي جاءت نتيجة رغبة أمريكية عبر عنها ترمب أثناء زيارة نتنياهو للبيت الأبيض في السابع من يوليو 2025 والتي حاولت إدارة ترمب استغلالها للدفع بالمفاوضات قدماً، حتى إن ترمب كان قد تسرع وأعلن أنه بعد أسبوع على الأكثر سيتم إعلان وقف إطلاق النار في غزة ووقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن، ولا نعرف على ماذا كان يبني هذا التصريح الغريب، لكن سرعان ما انقضى التاريخ الذي حدده ترمب ولم يحدث أي اختراق في المفاوضات.
ومن ثم عاد ترمب بالتغريد بان المفاوضات تحتاج إلى بعض الوقت، وهكذا انقضت ثلاثة أسابيع قبل أن تنهار المفاوضات تماماً، وهي في مرحلتها النهائية بادعاء أن تعديلات حماس على مقترحات ويتكوف الأخيرة لم تكن إلا لأن حماس لا تريد التوصل إلى صفقة، حينها فجّر تصريح مهم للسيد (ستيفن ويتكوف) يوم 24 تموز المفاوضات عندما قال "إنّ واشنطن قررت سحب مفاوضيها من محادثات الدوحة حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، متّهما حركة حماس بعدم التصرف "بحسن نية"، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل استدعاء مفاوضيها لتل ابيب للتشاور بعد تلقي الدولة العبرية ردّ حركة حماس على اقتراح الهدنة الذي يشمل بعض التعديلات، لتشمل ضمانات لوقف إطلاق نار دائم مع إسرائيل، اعتبرت كل من أمريكا وإسرائيل في البداية أن بعض التعديلات مقبولة نوعاً ما، إلا أن ويتكوف اعتبر ذلك بمثابة عدم رغبة من قبل حماس في التوصل إلى اتفاق، وأوعز بسحب الفريق الأمريكي من الدوحة.
استغل نتنياهو المأزق الذي وصلت اليه المفاوضات وكأنه كان ينتظر فشل هذه الجولة من المفاوضات بفارغ الصبر، وبدأ باعتماد وإقرار خطة لاحتلال القطاع زاعماً أن ذلك من شانه أن يجبر حماس على التخلي عن الأسرى وتسليمهم ووضع خمسة شروط على حماس لتقبل إسرائيل بوقف إطلاق النار، وهي شروط تعجيزية من وجهة نظري ونظر الكثيرين، وهنا بدأ نتنياهو تسويق خطة احتلال القطاع والعمل في المناطق التي ادعى أن الجيش لم يعمل فيها بعد مدينة غزة والوسطى، وبدأ يحشد للخطة بين أعضاء ائتلافه وبين قادة الجيش، إلا ان هذه الخطة رفضها الجيش وحذر من أنها لن تحقق الأهداف المطلوبة، وبالتالي قدم خطة بديلة تقضي باحتلال مدينة غزة وتهجير ما يقارب المليون شخص كانوا قد عادوا إليها بموجب اتفاق يناير 2025.
في الأول من آب/ أغسطس 2025 صادق الكابينت الإسرائيلي (مجلس الحرب) على خطة احتلال مدينة غزة وقال: إن هذه الخطة سوف يتم البدء فيها نهاية الشهر الذي تم التصويت عليها، ومضى نتنياهو والجيش في الاستعداد لاحتلال غزة، بالرغم من معارضة الجيش، معتبراً أن ذلك قد يتسبب في خسائر كبيرة على المستوى البشري والمعدات في الوقت ذاته، وقد تشكل هذه العملية خطراً على الأسرى الإسرائيليين الأحياء المتبقين في غزة، هذا بخلاف أن هذه العملية العسكرية قد تثير غضب الراي العام العالمي على إسرائيل بسبب إصرارها على مواصلة الحرب واستمرار مسلسل التجويع في القطاع.
مؤخراً، التقى نتنياهو قادة الحرب في مقر قيادة المنطقة الجنوبية للمصادقة على خطة العمليات العسكرية في مدينة غزة، بالرغم من حدوث تقدم تفاوضي قبلت فيه حركة حماس مقترح ويتكوف الأول ببعض التعديلات التي لم تغير من فحواه شيئاً، وحدث ذلك بعد أكثر من عشرة أيام من المفاوضات في القاهرة بوساطة المخابرات المصرية وجميع الفصائل الفلسطينية العاملة في القطاع، وعند رد حماس الإيجابي على القاهرة سلمت القاهرة ردها للأمريكان لتسليمة لإسرائيل، وكان ذلك قد سبّب حرجاً لنتنياهو الذي لم يعطِ رداً واضحاً حتى الآن على المقترح المعدل مصرياً، والذي وافقت عليه حماس وكل الفصائل الفلسطينية، وكانت قد وافقت عليه إسرائيل قبل ثلاثة أشهر، إلا أن إسرائيل لم ترد بنعم أو لا، لكن كانت هناك تسريبات من مكتب نتنياهو بأن الأخير أعطى الأوامر بالبدء فوراً بالمفاوضات لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على أساس الشروط الخمسة، وهو بذلك ينسف كل الجهد المصري الذي بُذل على مدار أكثر من عشرة أيام حتى توصلت مصر وقطر بحضور رئيس الوزراء القطري (محمد بن عبد الرحمن) ووزير الخارجية المصري (بدر عبد العاطي) المفاوضات في مدينة العلمين بالقاهرة.
ولعل مصر كانت تدرك خطورة ما تسعى إليه إسرائيل من وراء احتلال غزة، وهي تدرك أن هذه الخطة بمثابة خطة كارثية للفلسطينيين وقد تكون جزءاً من خطة أكبر تنتهي بالتهجير.
لم يكترث نتنياهو بما حققته مصر، وأدار ظهره تماماً للتقدم الذي حدث ولمحاولة مصر وقف الكارثة التي قد تحل بالمنطقة إثر قيام اسرائيل باحتلال مدينة غزة، وقد حذرت مصر على لسان أكثر من مسؤول وبأكثر من رسالة بأنها لن تسمح بالمطلق لإسرائيل بمواصلة الحرب واحتلال القطاع وتنفيذ سيناريو التهجير.
كانت هناك بعض التحركات القطرية الإسرائيلية لبدء المفاوضات من جديد على أساس المقترح المصري، الذي اعتبرت إسرائيل أنه يتوافق بنسبة أكثر من 98% مع مقترح ويتكوف الأول، لكن عاد نتنياهو، واشترط إطلاق حماس لكافة الأسرى الأحياء والأموات الخمسين في القطاع، وتسليم سلاحها وسلاح كامل الفصائل في القطاع، واشترطت أن لا يكون لحماس أو السلطة الفلسطينية أي مشاركة في إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، وكأنه لا يريد لهذا القطاع أن يتعافى من الحرب الوحشية. المهم هنا أنه كان هناك لقاء بين وفقد الوساطة القطري والسيد (رون ديرمر) وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي في باريس لتجاوز الأزمة وإطلاق المفاوضات من جديد، وبالرغم من إعلان القناة 12 العبرية أن المحادثات بشأن الصفقة مستمرة مع الوسطاء والولايات المتحدة وقد يخرج وفد تفاوض إسرائيلي خلال أيام، فإن إسرائيل تحاول تغيير مكان المفاوضات، بزعم القناة أن المفاوضات تجري الآن لتحديد مكان التفاوض، وكانت إسرائيل تريد تغيير الدوحة كمكان تستمر فيه المفاوضات، وتريد التخلي عن الوساطة القطرية والمصرية كتكتيك خادع لتحصل على الوقت الذي تستطع فيه تدمير مدينة غزة.
بالرغم من هذا كله، فإن إسرائيل تواصل استعداداتها لعلمية عسكرية كبيرة في مدينة غزة وقد دفعت بفرقتين عسكريتين للعمل على مشارف غزة بالشجاعية والزيتون والصبرة الشيخ رضوان، وأرسلت استدعاء لما يقارب 60 ألف جندي احتياط، على أن تبدأ العملية خلال الأسبوعين الأولين من شهر أيلول، وبالتالي فإن إسرائيل تريد أن تعمل على مسارين؛ مسار المفاوضات ومسار الحرب، أي أن عملية التفاوض في حال وصل وفد إسرائيلي يجب أن تكون تحت النار لكن التقديرات العملياتية تقول انه من الصعب على إسرائيل أن تبدأ بعملية احتلال غزة وتتوقف قبل أن تكمل المهم، خصوصاً أن نتنياهو يدعي أن مدينة غزة هي عاصمة حماس أيضاً، كما ادعى أن هناك لواءين لحماس في رفح يجب الإجهاز عليهما في عملية عسكرية بدأت في الأول من أيار 2024 ولم تنته بعد..!
الحقيقة أن نتنياهو وضع قضية استعادة الأسرى الإسرائيليين على الهامش، ولم تعد من أولوياته، بل هو الآن يهرول نحو تدمير غزة ويسيل لعابة على سيناريو التهجير، وبذلك يعتبر أن الأسرى الأحياء والأموات الإسرائيليين في غزة ضحايا حرب، وهذا ما بات واضحاً للجميع، وإلا لكان قد غيّر في مخططاته، واستعاد أسراه، وأنهى الحرب التي لا نتائج لها سوى سحق كامل البنية المدنية في مدينة غزة والمنطقة الوسطي، وبالتالي الوصول لسيناريو التهجير، مستغلاً بذلك الضوء الأخضر الذي حصل عليه من ترمب شخصياً عندما قال قبل يومين إنه متأكد من أن الأسرى الإسرائيليين في غزة سيكونون بأمان إذا ما اجتاح الجيش المدينة، وكأنه يقول إن إدارته قد أعطت كل الأضواء الخضراء لنتنياهو، وأرسلت إليه آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ المدمرة ليواصل الحرب بلا نهاية دون الاكتراث بأي تقدم مصري في ملفات التوصل إلى صفقة تعيد الأسرى الإسرائيليين وتوقف الحرب على غزة لتنتهي، وبالتالي تتم إعادة إعمار القطاع، وتدخل المساعدات للسكان المدنيين، وتتولى هيئات الأمم المتحدة مهمة توزيعها والإشراف على خطة التعافي المبكر التي ستنفذ بالشراكة مع بعض الدول العربية والأوروبية لسكان القطاع الذين خسروا كل شيء في هذه الحرب.