التجويع سلاح إبادة



إنه تجويع عن قصد وعمد مع سبق الإصرار، سببه الحصار الظالم المشدد من كل الجهات، وحرب الإبادة المستمرة التي لم تتوقف، بل إنها تتسع بكل دموية القتل والقصف، ومتصاعدة بشراهة الجناة الذين يجترّون دمًا من دمنا المسفوك بلا رحمة، وسط صمت عام وطغيان دولي وأممي، وانتكاسة لكل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي غابت طيلة أشهر الإبادة في غزة.

إن التقرير الأخير الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، وإن جاء متأخرًا، ناقوس خطر حقيقي، لما يتهدد حياة الأطفال والناس في غزة جراء استمرار الحصار ومنع دخول الطعام والدواء والمساعدات المتكدسة على الحدود مع القطاع، والتي يمنع دخولها جيش الاحتلال. فما يعانيه أهل غزة سببه الحصار وحرب الإبادة، وهذا يستدعي من الهيئات الدولية والأممية التحرك لكسر الحصار بقوة القانون الدولي، وقوة الشرعية الدولية، وقوة مواثيق الأمم، وقوة الشرائع السماوية والأرضية، وقوة الضمير والأخلاق والمنطق.

تأخر تقرير الأمم المتحدة كثيرًا، فمات أطفال كُثُر جوعًا من أثر سوء التغذية والعلاج، ومن أثر نهج التجويع المتعمد الذي لا يزال قائمًا كسلاح من أسلحة الإبادة الجماعية وأداة من أدوات القتل والموت، ولو أن ما يحدث في غزة حصل في أي بلد آخر، لتداعت الأمم وخرجت الأحلاف بجيوشها وأساطيلها في البحر والبر والجو، وما كان لهذا الصمت الدولي أن يستمر كل هذا الوقت، إلا أن غزة تقف وحدها بينما يقف العالم صامتًا وشاهدًا على كل ما يحدث ولا يتحرك لوقف المقتلة. 

وأخيرًا شهدت الأمم المتحدة بالمجاعة في غزة، شهادة تأخرت طويلًا بتأثير الضغط الأمريكي وبعض الأطراف الأخرى المنحازة للاحتلال، حيث عمدت تلك الأطراف إلى معارضة التقارير الدولية وضغطت كي لا تصدر تلك المؤسسات تقاريرها، كجزء من الغطاء الذي توفره أمريكا للاحتلال. وقد جاء تقرير الأمم المتحدة بعد أن وصلت أعداد الوفيات من أثر سوء التغذية، ممن هم دون الـ ١٨ سنة، إلى نحو ٢٧١ بحسب بعض الأرقام الواردة، وفي ظل ما تعيشه غزة، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن الأعداد الحقيقية أكبر مما يتم نشره.

خطة نتنياهو بالاجتياح البري تنذر بمزيد من المجاعة والقتل، كما تنذر بخطر التهجير القسري الذي يستهدف أكثر من مليون إنسان منهك من حرب الإبادة والتجويع المستمر والمتواصل، وإن البدء بتنفيذ الخطة التي يتوعد ويتهدد بها نتنياهو، يعني انسجامًا كاملًا مع تصريحات ترمب السابقة التي قال فيها عن ريفييرا وغزة، وهوسه بالسيطرة عليها وطرد وتهجير سكانها، وهذه الخطة التي واجهها عناد وصبر الفلسطيني في غزة، برغم كل ما حدث ويحدث من عمليات قتل وقصف وحصار مشدد وتجويع ممنهج، إلا أن ترمب ونتنياهو على ما يبدو لم يسقطا هذا المخطط الاستعماري، بل إنهما ماضيان في محاولاتهما المستمرة، وهذا يستدعي أن يتحول تقرير الأمم المتحدة إلى تشكيل التفاف عالمي ودولي وعربي، من أجل وقف الإبادة ووقف خطط التهجير وإنهاء الحصار الظالم، وهذا يلزمه إرادة دولية جادة وفاعلة، توقف هذا العبث المميت، وهذه الجرائم التي تُرتكب بحق الناس في غزة.