قراءات في أرقام البلد

اخبار البلد 
قرأنا في نشرات دائرة الإحصاءات العامة عن "انخفاض الصادرات الوطنية بنسبة 6.1 بالمئة وارتفاع المستوردات بنسبة 27.1 بالمئة خلال شهري كانون الثاني وشباط من عام ,2012 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2011", وعن" ارتفاع معدل أسعار المستهلك (التضخم) بنسبة 3.6 بالمئة للربع الأول من عام 2012 مقارنة مع الفترة نفسها من عام ,2011" و"ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المنتجين الصناعيين بنسبة 9.2 بالمئة للشهرين الأولين من عام 2012 مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2011 " وأن "معدل البطالة كان 11.4 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2012", و"ارتفاع الرقم القياسي العام لكميات الإنتاج الصناعي للشهرين الأولين من عام 2012 بنسبة 6.0 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2011" , و"انخفاض الرقم القياسي لأسعار المنتجين الزراعيين بنسبة 10.2 بالمئة , لشهر شباط 2012 مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي", و"ارتفاع مساحات البناء المرخصة للأغراض السكنية بنسبة 9.9 بالمئة وانخفاض مساحات البناء المرخصة للأغراض غير السكنية بنسبة 51 بالمئة خلال شهري كانون الثاني وشباط من عام 2012".
ثم أخبرنا آخرون بأن معدل نمو الاقتصاد في العام الماضي كان أكبر قليلا (2.7 بالمئة ) مما هو متوقع سابقا (2.5 بالمئة ), وأن دخل الحكومة ارتفع من الضرائب خاصة ضريبة المبيعات, بينما ارتفع قليلا من ضريبة الدخل.
وهي بمجموعها أرقام متضاربة, ومع ذلك فإن تفسيرها ممكن. فكميات الصناعة قد تكون نمت نتيجة الطلب على الفوسفات والبوتاس مع انخفاض أسعارها, أي أنها صناعات تعدينية لا تفيد بالنهاية القيمة المضافة المطلوبة من هذه الصناعات, ولكنها تفقد تنافسيتها نتيجة انحسار دخل الصادرات وازدياد تكلفة الواردات وسنرى قريبا كم سيتراجع الأردن في تقرير التنافسية وبيئة الأعمال; وارتفاع أسعار الصناعة داخليا كان نتيجة حتمية لارتفاع أسعار الطاقة; وتراجع البناء للاستثمار ناجم عن عودة رسوم العقار مما جعل الاستثمار غير ممكن في ظل تراجع الدخل والتفاؤل بالاقتصاد; وانحسار البطالة كان نتيجة لارتفاع نسبة المحبطين الذين توقفوا عن البحث عن العمل فأسقطوا من القوة العاملة, وهو ما لا تخبرك به الأرقام, ولكن ستراهم في الشوارع قريبا يحتجون على حالة اللاعمل كما يحدث في جميع أنحاء العالم; وارتفاع الأسعار يقود إلى الغلاء مما يحسن من دخل الحكومة من ضريبة المبيعات القاسية على الفقراء والمريحة جدا للأغنياء; وهكذا فإن الأرقام تدعو في مجملها إلى التشاؤم وعدم الارتياح.
كما أن الأرقام بمجموعها تشير إلى ضوضاء اقتصادية وحوكمة اقتصادية غير استراتيجية, ولكن هنالك محاولات إيجابية كقيام البنك المركزي بمنح تخفيض للفوائد على قروض الصناعة, وهي خطوة مرحب بها وقد تؤدي إلى زيادة تنافسية الصناعة قليلا إذا ما طبقت وعممت.
ولكن هل سيتمكن البنك المركزي من جعل البنوك تعود إلى منح القروض للصناعيين مع علمنا التام بأنها لا تقرض المشروعات ما يكفي لتحفيز عجلة النشاط الاقتصادي, ومنح التخفيض لن يكون له أثر إذا لم يتمكن الصناعي من الاقتراض.
والواضح أيضا أن وتيرة الإصلاح في الأردن تنام في أوقات الرخاء وتشتد ولو ظاهريا حين يكون أردننا في مأزق واضح للعيان مما يشير أيضا إلى نمط من العمل والتفكير غير الاستراتيجيين في إدارة الاقتصاد, وهو أمر مكلف لا نستطيع أن ندفع ثمن تراكم أخطائه وحصاد بذوره المرة. وجميع ما سبق لا يعدو كونه تساؤلات ومشاهدات حول أرقامنا رغم أن حواراتنا تسقط على آذان صماء في زمن لا يحتمل المزيد من القلقلة الفكرية والاقتصادية وبالتالي السياسية, وأخيرا, حمى الله الأردن.