الأردن الكبير: المرآة التي تفضح جنون التوسع الإسرائيلي



تخيلوا، ولو للحظة واحدة، أن رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية خرج على العالم ليعلن مشروعًا باسم "الأردن الكبير": دولة تمتد من حدود العراق شرقًا إلى البحر غربًا، تضم كل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، وتستعيد فلسطين كاملة باعتبارها حقًا تاريخيًا وروحيًا للأردنيين والفلسطينيين معًا.

كيف سيكون رد فعل العالم حينها؟
المشهد واضح لا لبس فيه: إدانات دولية عاجلة، اجتماعات طارئة لمجلس الأمن، عناوين الصحف الكبرى تصرخ: "الأردن يهدد الأمن الإقليمي"، "تصعيد غير مسبوق"، "الأردن خطر على الاستقرار العالمي". ثم تتبعها عقوبات، تجميد للمساعدات، وربما التلويح بالحرب تحت ذريعة "حماية إسرائيل" و"الحفاظ على النظام الدولي".

أما إسرائيل، التي ترفع اليوم شعار "إسرائيل الكبرى" بكل برود، فستقف على منابر الأمم لتصرخ: "إبادة! اعتداء على وجودنا! تهديد لدولتنا!". وستتحول فجأة من قوة توسعية إلى ضحية، متناسية أنها صاحبة المشروع التوسعي الأخطر في المنطقة، مشروع يطمع في ابتلاع الأردن وسوريا ولبنان وأجزاء من العراق والكويت ومصر والسعودية.

وهنا يطل السؤال الأخلاقي الأكبر:
لماذا يُقدَّم حلم إسرائيل بالتوسع على أنه "مشروع"، بينما يُعتبر حلم الأردن الكبير كابوسًا مرفوضًا؟
هل التوسع امتياز محفوظ فقط لمن يملك القوة؟ أم أن الشرعية في هذا العالم لا تُقاس بالعدالة، بل تُوزن فقط بميزان السلاح والنفوذ؟

حين تُعلن إسرائيل عن مشروعها التوسعي، يُسوَّق للعالم كأنه "رؤية تاريخية". أما لو أعلنت الأردن مشروعًا مشابهًا، لاهتزت الأرض تحت أقدامها. لأن الحقوق في هذا العالم لا تُقاس بالإنصاف، بل تُرى فقط عبر منظار القوة. وهكذا يتحول التاريخ من ذاكرة إنسانية مشتركة إلى أداة للهيمنة وقهر الشعوب.

إن هذا التناقض يكشف الوجه العاري للسياسة الدولية: القوة هي من تعيد صياغة الأخلاق، لا الأخلاق هي من تضبط القوة. لذلك، فإن مجرد تخيل "الأردن الكبير" يكفي لفضح عبثية "إسرائيل الكبرى"، لأنه يجبر العالم على مواجهة السؤال المحرج: إذا كان التوسع "حقًا" لكم، فلماذا يُعتبر "جريمة" حين يفكر به غيركم؟

إن "الأردن الكبير" ليس مشروعًا واقعيًا، بل رمزًا فلسفيًا يُعرّي ازدواجية المعايير التي تحكم العالم. فالمبادئ لا ينبغي أن تُقاس بمساحات الأراضي المحتلة، ولا بعدد الضحايا الذين يسقطون، بل بميزان إنساني واحد يفترض أن يسري على الجميع دون استثناء.

وفي النهاية، الفرق بين "إسرائيل الكبرى" و"الأردن الكبير" لا يكمن في حجم الحلم، بل في حجم النفاق الدولي. وما لم يجرؤ العالم على محاسبة نفسه، ستبقى الإنسانية أسيرة لعبة قذرة، حيث يكتب الأقوياء التاريخ بأقلامهم، بينما يُمحى الضعفاء من صفحاته.