السويداء على طاولة مباحثات عمان اليوم… وترجيحات بصعوبة التوصل إلى حلول



تستضيف العاصمة  عمّان، اليوم الثلاثاء، اجتماعا ثلاثيا يضم ممثلين عن الأردن وسوريا والولايات المتحدة، في مسعى «لتثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وبحث سبل دعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها»، وسط ترجيحات محللين بصعوبة تحقيق أي «اختراق» أو إيجاد حلول عاجلة بما يخص السويداء.

وسيشارك في الاجتماع وزير الخارجية أيمن الصفدي، ونظيره السوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس براك، إلى جانب ممثلين عن المؤسسات المعنية في الدول الثلاث، وذلك استكمالاً للمباحثات التي استضافتها عمّان في 19 تموز/يوليو 2025، والتي ركزت على تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وحل الأزمة فيها.

وكان براك قد علّق على الاجتماع قائلاً: «إنّ هذا الالتزام يؤكد تصميمنا الجماعي على التحرك نحو مستقبل يمكن لسوريا وجميع شعبها أن يعيشوا فيه بسلام وأمن وازدهار».
وأكد مصدر خاص لتلفزيون «سوريا»، أنه سيقتصر على ممثلي الدول، من دون حضور ممثلين عن الطائفة الدرزية في سوريا. وقال إن اجتماع عمّان سيكون على مستوى ممثلي الدول، وأن جلوس الحكومة السورية مع وجهاء السويداء على طاولة الحوار مطروح، لكنه يحتاج إلى وقت وترتيب.


وفي هذا السياق، اعتبر السياسي السوري، طلال عبد الله جاسم لـ «القدس العربي» أن الأردن معني بشكل كبير بما يجري بالجنوب السوري لأنه عمق استراتيجي للأردن، وأي خلل يشكل تهديد للأمن القومي الأردني، وحتى للنسيج الاجتماعي في المناطق الحدودية.

ولفت إلى أن الأردن كان قد شارك سابقا باتفاقيات التهدئة والتسويات بوجود محور أستانا وبالأخص الروس، حيث لعب الجانبان الأردني والروسي حينئذ دورا لإقناع إسرائيل بعدم عرقلة المباحثات.

وأضاف: الوضع الآن أكثر خطورة حيث إن التدخل الإسرائيلي بات فجا وفيه وقاحة غير مسبوقة، كما أن الجهات المسيطرة على السويداء عسكريا والمرجعيات الدينية باتت تعلن تعاونها التام مع إسرائيل.


ووفق المتحدث، لدى الأردن مخاوف حدودية سيما أن السويداء جارة قريبة، إضافة لنشاط تهريب المخدرات والكبتاغون والسلاح أيضا، لذلك تحرك الأردن سريعا لمحاصرة المشكلة في السويداء، وقد حان الأوان لإيجاد حل مستدام يضمن عدم تكرر الصدام ويحفظ أمن سوريا والأردن.

واستبعد إمكانية تحقيق أي اختراق أو اتفاق ملموس في المرحلة الحالية، مبررا ذلك بـ«اتساع الفجوة بين أحد مشايخ الموحدين الدروز في السويداء حكمت الهجري والحكومة السورية»، مشيرا في الوقت نفسه إلى إمكانية الاتفاق على عدم التصعيد والحفاظ على وقف إطلاق النار كخطوة أولى تمهّد لتوافقات لاحقة. كما شكك في استعداد إسرائيل للتخلي عن دعمها للهجري، واصفا إياه بأنه أصبح بوابة تدخّلها في الشأن السوري العام.

وتقاطع هذا الرأي مع ما ذهب إليه الباحث في مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية»، فاضل خانجي، الذي اعتبر أن الاجتماع لن يكون سهلا أو ينتج حلولا عاجلة، بل يتطلب جهدا وصبرا كبيرين.

وأضاف أن اللقاء الحالي يعد امتدادا للاجتماع الذي أسس لوقف إطلاق النار في السويداء الشهر الماضي، وخطوة أولية نحو مسار جديد لمعالجة الأزمة، فضلا عن كونه جزءا من الدور الأمريكي المتنامي بقيادة توماس براك، سواء في ملف دمج «قسد» ضمن الدولة السورية، أو الوساطة بين سوريا وإسرائيل بشأن السياسات العدوانية الأخيرة، أو في إطار جهود تسوية أزمة السويداء ببعدها المحلي.
وبرأي المتحدث، فإن الاجتماع يأتي أيضا في إطار إيلاء الأردن أهمية لإيجاد مخرج من الأزمة في السويداء، باعتبار أن عمان تدعم مسار تعافي سوريا ووحدة أراضيها وتحرص على دعم التعايش المجتمعي، كما يمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً مرحب به سوريا.

ويعد انتقال مسار التفاوض من دمشق إلى عمان انتكاسة كبيرة في العملية السياسية بين مشيخة العقل في السويداء والحكومة السورية، حسب ما قال محمد السكري، الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

وأوضح أن ما قبل العملية العسكرية كان التفاوض يتم في سياق محلي، لكن مع محاولة تيار الهجري إعادة صياغة آليات التفاوض واستخدام العنف لنقل الملف إلى عمّان، دخلت أطراف دولية على الخط، في مشهد يشبه إلى حد بعيد ما آلت إليه مفاوضات «قوات سوريا الديمقراطية» أو «الإدارة الذاتية» في شمال شرق سوريا».

وأضاف أن دمشق تعاني حالة من التخبط السياسي في التعامل مع المسارات المحلية، في ظل استمرار التدخلات الدولية، لافتا إلى أن الأزمات المحلية غالبا ما تتجاوز حدودها الداخلية لتتحول إلى ملفات إقليمية ودولية، وهو ما ينعكس على الأمن القومي الأردني، الذي كان المحرك الأساسي وراء تدخل عمّان.

وبشأن دور المبعوث الأمريكي توماس براك، أشار السكري إلى أنه يتوسط في ملفات سورية متعددة يغلب عليها الطابع الأمني، مع تركيزه على استعادة دمشق لمركزيتها، ومحاولة تجاوز ثنائية «المركز والأطراف» عبر تهدئة الصراعات الأمنية إلى أدنى مستوى ممكن، تمهيداً لفتح المجال أمام مفاوضات طويلة المدى.

واعتبر أن أزمة السويداء خانقة للمشهد السوري برمته، وأسهمت في رفع وتيرة العنف المزدوج، مما يهدد استقرار البلاد.

أما عن خيارات الشيخ الهجري في التفاوض، فيرى السكري أنها محدودة للغاية وتكاد تقتصر على إسرائيل، في ظل ارتباط هذا الخيار بما يقرره براك والحكومة الأمريكية.

وأكد أن أي ضغط أمريكي على إسرائيل قد يعيد صياغة آليات الحوار بين دمشق والسويداء، إلا أن مسار الحوار المحلي بات مسدوداً، ما دفع نحو تدويل القضية على غرار ما جرى مع ملف «قسد»، وهو ما يشكل انتكاسة كبيرة على المستوى الوطني.