ملعقة سكر
بعد صيامٍ قسريٍّ طويل عن كلّ ما لذّ وطاب، بل وحتى ما لم يَطِب،
وشهورٍ من شايٍ "على نيّة التحلية” ووجبات تُطبخ بنكهة الذاكرة،
سُجّلت اليوم معجزة صغيرة في غزة، لا على شريط الأخبار العاجلة، بل في أكواب الشاي.
ليست نكتة، ولا إشاعة أطلقها طفل يحلم بقطعة كعك… بل خبر حقيقي، نزل كحبّة سكر في قاع كوب فارغ منذ أشهر.
اليوم، في غزة، شرب الناس الشاي… بسُكر.
ملعقة صغيرة، لا أكثر، قلبت الموازين، وحوّلت كوب المرارة إلى شيء يُشبه الحياة،
وكأنّ الحياة نفسها عادت تبتسم لهم على استحياء.
ليس لأن السكر وحده هو المشكلة، بل لأنّ ملعقة منه، وسط هذا الخراب، أصبحت فعل مقاومة، جرعة أمل، وابتسامة صغيرة على وجه أمّ كانت تُعِدّ الشاي لأولادها بالنيّة والدعاء منذ شهور.
غزة اليوم شربت الشاي بسكر.
لا هو سكّر بني فاخر، ولا مستورد من سويسرا، بل ملعقة عادية، نزلت من كيس متهرّب، عبر نفق… أو دعاء أم.
هذه الملعقة؟
هي نفسها التي أعادت "أهلاً وسهلاً” إلى لسان الكوب، وأعادت النور إلى وجه الجارة "أم صبحي” وهو يقول:
"آه والله، هيك الشاي صار شاي!”.
وُضعت اليوم في الأكواب دون أن يشعر أحد أنها رفاهية زائدة.
ملعقة واحدة، ليست كافية لتحلية التاريخ، لكنها كانت كافية لتحلية لحظة.
ملعقة، انتصر بها المزاج على المجاعة، والضحكة على الحصار، وذاكرة الطفولة على يوميات الحرب.
وفي هذا الزمن الرديء، حيث صار البصل أغلى من الذهب، والبندورة ذكرى… وحُلم، تأتي ملعقة سكّر لتُعلن:
لا يزال في الحياة فسحة للذة، ولو كانت صغيرة… على رأس ملعقة.
فهل سيكتب المؤرخون يومًا: "وفي 7 آب 2025، عاد الطعم إلى الشاي، وعادت غزة تضحك قليلاً…؟”.
ربما لا.
لكننا سنكتبها نحن على جدران القلب، وتحت غطاء الإبريق، وبين رشفة… ورشفة.