ترامب يُحقّق معظم أهدافه في غزة.. كيف؟
***
قال ترامب إنه يمكن أن يرى الولايات المتحدة تتخذ «موقفًا طويل الأمد» لغزة وتنقل سكانها إلى «قطعة أرض جيدة وجديدة وجميلة» فى بلد آخر، وتطور الأراضى التى مزقتها الحرب. وعندما سُئل عن عدد الفلسطينيين الذين يجب نقلهم خارج غزة، أجاب: «جميعهم». يبلغ عدد سكان غزة حوالى 2.2 مليون نسمة، وقدّم ترامب الفكرة كحل عملى للتدمير الذى طال القطاع منذ بدء القصف، ومن ثم الاجتياح الإسرائيلى عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأكد ترامب أن سكان غزة «سيرغبون فى مغادرة غزة إذا كان لديهم خيار، وفى الوقت الحالى، ليس لديهم خيار».
فى الواقع، أرى أن ترامب لا يكترث الآن بتحقيق سلام عادل للفلسطينيين، وبعد أن دخل التاريخ من أوسع أبوابه بإعادة انتخابه لفترة ثانية منفصلة عن الأولى، برغم إدانته جنائيًا فى عشرات القضايا، إلا أنه يسعى إلى ترك إرث كبير، وتحقيق ما فشل فيه 13 رئيسًا أمريكيًا من إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى وإحلال السلام فى الشرق الأوسط. لا يكترث ترامب إن كان هذا السلام عادلًا أو مشروعًا أو مراعيا للشرعية والقوانين الدولية؛ فهذه قيم لا تعنى له شيئًا.
يرغب ترامب فى تحقيق سلام ممكن، غير عادل، لا يكترث بأى حقوق تاريخية للفلسطينيين. ويؤمن ترامب بأنه يقترب من تحقيق هذا الهدف، وبخاصة مع الخطوات الإسرائيلية المتجهة نحو احتلال كامل، وربما دائم، لقطاع غزة.
***
بعد ما يقرب من ستة أشهر على طرح ترامب سيناريو التهجير، وفى ظل الصمت العربى على الأرض، أرى أن ترامب نجح فى إخافة الدول العربية.
نجح ترامب بعدما رفع سقف مطالبه فى لعبة التفاوض، التى شبهتها مسبقًا بلعبة البوكر، وهى هزّ ثقة بقية الأطراف فى إمكانياتهم، وجعلهم يخضعون لما كان يهدف إليه أساسًا: (حمل عبء غزة، ومواجهة العرب أنفسهم لحركة حماس).
نجح ترامب بعدما كرر مطالب تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، وكرّر مقولته إن مصر والأردن سيقبلان فى نهاية المطاف، برغم رفضهما الصريح والعلنى، ونجح عندما كرر أن قطاع غزة قطعة أرض عقارية ذات قيمة كبيرة، وموقع فريد، ومناخ مثالى، وأنه يمكن تطويره بأموال الدول الغنية فى المنطقة. نجح ترامب فى التأكيد أن أهل القطاع لن يعودوا إليه بعد تهجيرهم. نجح ترامب فى الاقتراب من توريط الدول العربية ماليًا، وأمنيًا، وبنائيًا، وهندسيًا، وعمليًا فى عملية إعادة بناء القطاع، وإدارته، والقيام بمهام الخدمات المدنية المختلفة، بل وقد يمتد دورها إلى المهام الأمنية.
نجح ترامب، فيما يبدو، فى الفصل الكامل بين قطاع غزة والضفة الغربية، ووأد أى دعوة لبسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على قطاع غزة، أو إيجاد سلطة فلسطينية موحدة، سواء تحت حكم السلطة أو حكومة وحدة وطنية فلسطينية. نجح ترامب فى دفع الجانب العربى رسميًا إلى طلب خروج حركة حماس من معادلة حكم غزة، وتسليم أسلحتها. نجح ترامب فى جعل مستقبل حركة حماس (ورغبته فى القضاء عليها) قضيةً على الجانب العربى التعامل معها وحسمها.