ماذا نريد كشباب من التعديل الوزاري؟


‎التعديل الوزاري المرتقب لحكومة د. جعفر حسان اليوم الأربعاء يشكل لحظة فارقة تتجاوز حدود التغيير الإداري الذي اعتدناه إلى بناء علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، تقوم على الشفافية والوضوح. فالسؤال لم يعد مقتصرًا على من سيغادر ومن سيبقى، بل على ما هو أعمق بكثير: إلى أين نريد أن نأخذ الأردن؟ وما هي هوية الدولة التي نعمل لأجلها؟ وماذا ننتظر من كل محافظة وإقليم في خارطة التنمية الوطنية؟ فالإعلان المسبق عن التعديل وأسبابه يكسر عادة المفاجآت التي تربك المشهد السياسي،ويمنح الجميع رؤية واضحة لما هو مقبل ويمنح الوزراء الجدد فرصة لتسلم مهامهم بثقة، ويعكس توجهًا جديًا لإعادة هيكلة الأداء الحكومي بناءً على معايير مهنية واضحة تعزز الثقة بين الحكومة والشعب.

‎لكن السؤال الأهم: هل سيكون هذا التعديل قادرًا على وضع فريق يفهم عمق التحديات المتغيرة بالأردن، خصوصًا شبابها؟ ما يهمنا كشباب هو مضمون هذا التغيير، لا شكله. هل سيأتي بفريق قادر على فهم الواقع وصناعته أم مجرد إدارة الوضع القائم؟ فنحن كشباب بحاجة لهوية وطنية واضحة، وخطط عملية لكل محافظة تعكس واقعها وتستثمر مواردها البشرية، خاصة فئة الشباب التي تشكل أغلبية الشعب الأردني.

وحتى يكون للتعديل الوزاري أثره بين فئة الشباب الذي يشكلون غالبية الشعب الاردني، لا بد من أن نعيد النظر جذريًا في دور وزارة الشباب، التي لم تنجح حتى الآن في بناء منظومة وطنية متكاملة لاكتشاف القيادات الشابة وإعدادها. ما نراه اليوم هو نماذج فردية نجحت رغم الظروف لا بسببها، فيما الغالبية مُغيّبة عن مسارات التمكين الحقيقي. فهذا يتطلب منا تحويل دور وزارة الشباب من جهة تنفيذية للأنشطة إلى عقل استراتيجي وطني يملك منظومة معلومات دقيقة عن الشباب واحتياجاتهم، ويعمل على تقديم توصيات مبنية على بيانات موثوقة. بدون نظام وطني للمعلومات الشبابية، تظل السياسات مبنية على تقديرات سطحية، لا تعكس الواقع. فالمطلوب ليس نشاطات موسمية أو تمثيلًا رمزيًا، بل رؤية طويلة المدى تشترك فيها الحكومة، والمؤسسات التعليمية، والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، لصناعة القائد كما يُصنع الطبيب والمهندس، بخطة ومناهج وتجربة ومسار طبيعي للتأهيل.

شباب الأردن لا يريدون وعودًا تقليدية محفوظة في دفاتر قديمة، بل يتطلعون إلى رؤية واضحة وشراكة حقيقية في صناعة القرار، شراكة تُعاملهم بوصفهم قوة إنتاجية وفكرية، لا مجرد فئة عمرية بحاجة للرعاية. هذا حق أصيل، لا ترفًا ولا منّة، وبدونه لن يكون بالإمكان بناء مستقبل واعد. التغيير الحقيقي يبدأ باختيار فريق جديد يمتلك القدرة على الابتكار وفهم الواقع وتحدياته، لا بإعادة تدوير نفس الأسماء والوجوه. حماية الوطن وتحقيق آمال الشباب مسؤولية مشتركة، تتطلب إرادة سياسية صادقة، وتخطيطًا عمليًا، ومنظومة عمل تجعل الشباب في قلب السياسات العامة، شركاء في القرار، ومساهمين في صياغة ملامح الغد.