ما زلت أترقب قيام دولة فلسطين



أربعة عقود قضيتها محلّقًا في السماء، أراقب الأرض من الأعلى، لا بدافع التأمل بل من طبيعة المهنة. عبرت أجواء مدن تبدّلت معالمها، ودول نشأت وسط الصراع، وأخرى اندثرت بصمت، دون أن يلتفت إليها أحد. لكن هناك رقعة بقيت على حالها في الوجع، لم يتغير فيها شيء... إنها فلسطين.

من أول يوم ارتديت فيه بدلتي كطيار وحتى آخر رحلة لي، كانت فلسطين دائمًا "قضية الأمة". واليوم، بعد أن بلغت السبعين، لا تزال فلسطين أسيرة الخطب، ومحبوسة في ملفات المؤتمرات، ومجرد بند دائم في أجندة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

في السبعينات قيل لنا: "تحلّوا بالصبر، فالقضية في صميم الاهتمام العالمي"، ثم أعادوا الكلام ذاته في الثمانينات، وتكررت الوعود في التسعينات مع اتفاق أوسلو، ومع كل انتفاضة، وبعد كل عدوان على غزة، ومع كل شهيد يرتقي.

وها نحن الآن على أبواب سبتمبر جديد، حيث تُعاد المسرحية نفسها: قاعة الأمم المتحدة تفتح أبوابها، الزعماء يرتدون بذلاتهم الرسمية، والخطابات تتوالى وسط التصفيق، بينما الفلسطيني لا يزال يبحث عن أطفاله تحت أنقاض الخيام.

هل تعرفون الأمم المتحدة؟ تلك المنظمة التي يُفترض أن تنصر المظلوم وتفرض العدالة وتحمي المستضعفين. أما نحن، فقضيتنا أصبحت مجرّد ملف عالق منذ عام 1947، يُتداول في بياناتهم أكثر مما يسكن ضمائرهم.

طوال سنوات خدمتي في الطيران المدني، تعلمت معنى أن يتعطل محرك طائرة في الجو، وأدركت حجم الخطر. لكن مجلس الأمن لا يحتاج إلى خلل تقني، فهو مُعطَّل أخلاقيًا منذ إنشائه. فكلما قُدّمت مسودة قرار لدعم حقوق الفلسطينيين، عاجلها الفيتو الأمريكي وأسقطها بلا نقاش.

هل يكفي أن نعلم أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو أكثر من أربعين مرة لحماية إسرائيل؟ هل يكفي أن لجان التحقيق الأممية نفسها توثق جرائم الحرب، ثم تُحفظ تلك الوثائق في الأدراج كأنها لم تُكتب؟

فصل جديد من عرض قديم

سيعتلي الرئيس الفلسطيني المنصة، ويتحدث عن النضال والمعاناة، وسينضم إليه بعض الزعماء بخطابات محسوبة بدقة، كما هي دائمًا إداناتهم "الصارمة" التي تُطلق بعد كل مذبحة.

لكن الواقع يقول إن العالم لم يعد يبحث عن حل، بل يُتقن إدارة الصراع. هم لا يضمدون الجرح الفلسطيني، بل يُسكتونه بكلمات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع.

فمن الذي يفتح الباب أمام الاستيطان؟
ومن الذي يمدّ آلة الحرب بالمال والسلاح؟
ومن الذي يختار الصمت أمام المجازر؟
ومن الذي يدّعي دعم "حل الدولتين" بينما يهدم أساسات الدولة الفلسطينية، لبنةً لبنة؟

ربما لم أعد أحلق فوق الأرض، لكنني أرى الأمور بوضوح لم أعرفه من قبل. القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى خطابات جديدة في قاعة الأمم، بل إلى صحوة حقيقية في ضمائر الشعوب.

فلسطين لا تنتظر قرارات الدول الكبرى، بل تنتظر أن ينهض الناس، أن لا يصمتوا، وأن يرفضوا لعب دور الجمهور في مسرحية تتكرر كل عام.

نعم، سبتمبر على الأبواب، ومشهد جديد في الانتظار... لكن من قال إن علينا أن