المؤشرات القائدة
صدر حديثا تقرير عن دائرة الإحصاءات العامة يشير بما ورد فيه من مؤشرات قائدة الى تحسن كبير متوقع في الاقتصاد الأردني. ما هي المؤشرات القائدة؟ المؤشرات القائدة هي مؤشرات اقتصادية تتغير ارتفاعا أم هبوطا (النمو أو الركود الاقتصادي) قبل أن تبدأ الدورة الاقتصادية في التحول. وتُستخدم هذه المؤشرات للتنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية المستقبلية، وعادة ما تعود هذه التنبؤات للمدى القصير (أقل من سنتين).
تعتبر تصاريح البناء أحد أهم المؤشرات القائدة المتعارف عليها دوليا لأنها تعكس النية المستقبلية في الاستثمار في قطاع العقارات. حيث تشير الزيادة في عدد تصاريح البناء إلى تفاؤل المستثمرين والمطورين العقاريين، والعكس صحيح. مما قد ينعكس لاحقًا على النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل. على سبيل المثال، يعتبر تقرير تصاريح البناء وبدء الإنشاءات الذي يصدر شهرياً في الولايات المتحدةمن أهم الأدوات التي يستخدمها الاقتصاديون لتوقع النمو والركود الاقتصادي.
من المؤشرات القائدة الهامة أيضا بدء الإنشاءات السكنية (عدد الوحدات السكنية التي بدأ بناؤها فعليًا خلال فترة زمنية معينة)، حيث أن ارتفاعها يدل على قوة في الطلب على العقارات، وعلى ثقة أكبر في الاقتصاد المحلي.
حسب التقرير الشهري لدائرة الاحصاءات العامة (17 تموز 2025) حول النشاط العمراني ورخص الأبنية في المملكة، بلغ مجموع مساحات الأبنية المرخصة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 ما مساحته 3.983 مليون م2، مقارنة مع 3.303 مليون م2 لنفس الفترة من عام 2024، بارتفاع نسبته 20.6%.
أيضا، حسب التقرير، بلغ إجمالي عدد رخص الأبنية الصادرة في المملكة 9,585 رخصة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مقارنة مع 8,714 رخصة خلال نفس الفترة من عام 2024، بارتفاع نسبته 10%. وبهذا بلغت نسبة المساحات المرخصة للأغراض السكنية 75% تقريبا، ثلاثة أرباع هذه النسبة في إقليم الوسط.
يشكل قطاع البناء جزءاً كبيراً من النشاط الاقتصادي(6-8% من الناتج المحلي)، وهو محرك سريع للاقتصاد يوفر الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وخصوصاً للعمالة غير الماهرة وذوي المهارات المتوسطة. ويُعد من أكبر مشغلي العمالة الوافدة والمحلية في الأردن، وخاصة في المناطق الحضرية، كما يشكّل محرّكًا لعشرات القطاعات مثل الإسمنت، الحديد، السيراميك، النجارة، الأثاث، التمويل العقاري، التأمين، الخدمات اللوجستية، البنية التحتية، الخ.
بالتالي، فإن أي ارتفاع في عدد التصاريح أو مساحات الإنشاءات يعني توقع بنمو في الطلب على الإسكان، وزيادة في التوظيف في قطاع الإنشاءات والقطاعات المساندة، وتحسن في ثقة المستثمرين بالاقتصاد والقطاع المالي. وحسب بعض المراجع، يبلغ مضاعف الانفاق (رقم يبيّن كم مرة يتضاعف الأثر الاقتصادي المترتب على زيادة وحدة واحدة في الإنفاق في قطاع معين على الاقتصاد ككل) في القطاع 1.5-2.
ولا بد أن نذكر هنا، وبصراحة، أن بعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة مؤخرا ساهمت في التحسن المذكور، ومنها مشروع السكن الميسر لدعم محدودي الدخل، والتعديلات على نظام الأبنية والتنظيم لتسهيل التراخيص وتقليل الكُلف، ودعم التمويل العقاري بفوائد منخفضة عبر البنك المركزي.
كل هذا زاد من ثقة المواطن بالحكومة، وبمستقبل البلد، مما سيساهم في رفع معدلات النمو على المدى القصير. أما على المدى الطويل فلا بديل لقطاع الصناعة والابتكار في الإنتاج.