"ثلاجة الموتى"… صرخة مسرحية من قاع الألم إلى أعين المتفرجين
ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون – الدورة 39
في مساء مسرحي استثنائي، وفي إطار فعاليات الدورة الـ39 من مهرجان جرش للثقافة والفنون، شهد جمهور المسرح عرضًا لا يُنسى لمسرحية "ثلاجة الموتى"، العمل الذي تجاوز حدود الخشبة ليزرع في القلوب صدمة فكرية وإنسانية.
"ثلاجة الموتى" ليست فقط مسرحية، بل عمل جمالي وفلسفي ينهش أعماق المتلقي، عبر مسرحية متقنة الأداء والحبكة، بطولة النجمة هاجر شاهين والفنان تيسير البريجي، وتمثيل الفنان محمد الشوابكة
تأليف و إخراج المبدع د. علي الشوابكة الذي أبدع في قيادة العرض بصريًا وفكريًا.
سينوغرافيا :عبدالله الشوابكة
العمل يطرح قصة عاملة نظافة وبائع خردوات، يلتقيان داخل "ثلاجة موتى"، في رمزية صادمة لحياة لا تحتمل وطأة التهميش. كلاهما يبحث عن لحظة دفء، عن معنى، عن انتماء في واقع بارد لا يعترف بوجودهما. وبين حوارات مشبعة بالحقيقة والخذلان، يصلان إلى قناعة مريرة: لا نجاة من هذا العالم إلا بالخروج التام منه.
هاجر شاهين كانت صوت المعذَّبات بصمت، وقدّمت أداءً حسيًا متوهجًا، أما تيسير البريجي، فنجح في رسم مأساة رجل مكسور بلغة الجسد والنظرات الصامتة. كلاهما شكّل ثنائياً مبهراً يندر أن نراه بهذا المستوى من التماهي والاحتراف.
النص العميق الذي كتبه د. علي الشوابكة لا يهادن الواقع، بل يفتحه على مصراعيه بأسئلة وجودية، يحمّل فيها النظام الاجتماعي والاقتصادي مسؤولية تفريغ الإنسان من كرامته، حتى يغدو جسدًا يُحفظ في ثلاجة، في انتظار نسيانه النهائي دون ان يحقق اي طموح له .
ووسط هذا الألم الصامت، جاء دخول الطبيب الذي اداه الفنان محمد الشوابكة في بداية المسرحية و في المشهد الأخير، ليضع نقطة النهاية: المجتمع لا يعترف بوجود الفقراء إلا بعد أن يصبحوا أرقامًا في سجلات الموت.
"ثلاجة الموتى" هي تجربة فنية نادرة، تمزج ما بين قسوة الواقع وجماليات المسرح، لتقدّم رسالة صارخة في وجه كل من اعتاد التجاوز عن المهمّشين.
وقد برهنت هذه المسرحية، ضمن مهرجان جرش لهذا العام، أن المسرح الجاد لا يزال قادرًا على زلزلة الوعي، وأن الكلمة الصادقة والتمثيل الصادق يمكن أن يصنعا تجربة لا تُمحى من ذاكرة المتلقي.