محاضرة ألقيت في مقر جمعية رجال الاعمال الاردنية
عمان الاربعاء الموافق 2 / 5 / 2012
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة الأكارم ،
أرجو أن تسمحوا لي بالإعراب عن صادق تقديري وخالص شكري لجمعيتكم الموقرة ممثلة بشخص رئيسها معالي الاخ السيد حمدي الطباع على اتاحة الفرصة لي للتحدث اليكم حول ما نسعى اليه واياكم لمحاربة كل مظاهر الفساد في بلدنا تعزيزا لمبدأ المساءلة والشفافية .. باعتبار ذلك مسؤولية وطنية مطلوبة من الجميع بصرف النظر عن القطاعات التي يمثلها كل منا ..
مع التأكيد هنا على ان الهيئة تؤمن ايمانا لا يرتقي الشك اليه بأن كل مؤسسات المجتمع المدني ومن بينها مؤسسات القطاع الخاص .. شركاء لنا في حربنا على الفساد والمفسدين الذين استغلوا في غفلة من الزمن مناصبهم .. وسلطاتهم .. واحيانا سطوتهم لأرتكاب ممارسات فساد .. اوصلت مقدرات الوطن الى ما هي علي الان وأوقعته في مشكلات لا حصر لها يحتاج حلها والتخلص منها الى سنوات .
فالفساد كما تعلمون آفة سرطانية تتفشي في المجتمات كافة غنيها وفقيرها ولعلكم وبحكم انفتاحكم على مجتمعات اخرى مستثمرين او مساهمين .. مصدرين او مستوردين عرفتم صورا لا حصر لها من ممارسات الفساد التي ربما يكون بعضها غير معروف في مجتمعنا ، لكن الفساد يظل هو الفساد بصرف النظر عن آلياته وابطاله .. وبصرف النظر عن نتائجه .
الاخوة والاخوات الاعزاء ،
لم آت اليوم اليكم محاضرا .. بقدر ما اتيت لتبادل الافكار والاراء واياكم .. وبحث انجع السبل لمكافحة الفاسدين ومحاصرتهم .. والتوعية من مضارهم واخطارهم وكذلك بحث آليات تحصين المجتمع من شرورهم .. اضـافة إلى الاستماع إلى وجهـات نظركم في ما تحقق على هذا الصعيد ..
لكن الموقف يستدعي مني ان اضعكم في صورة بعض انجازات هيئة مكافحة الفساد منذ تأسيها تنفيذا لتوجيهات ملكية سامية عام 2005 وحتى الان .. ومن هنا استطيع القول "إن الهيئة قطعت أشواطا متقدمة على صعيد محاربة الفاسدين قياسا فيما مضى من عمرها الذي مر في ثلاث مراحل :
الأولى .. مرحلة التأسيس : والتي بدأت بصدور التوجيهات الملكية بأنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وما تبع ذلك من وضع قانون لها ومن ثم تشكيل مجلسها الاول الذى تولى مسؤولية تأمين كوادرها المتخصصة وتجهيزها بالبنى التحتية .
والمرحلة الثانية .. مرحلة استقبال مئات القضايا والشكاوى والاخبارات وتمحيصها ودراستها واستبعاد الشكاوى والاخبارات التي لا تحمل في طياتها شبهات فساد ثم المباشرة في جمع المعلومات والتحقيق فيها واحالة بعضها الى القضاء .
أما المرحلة الثالثة .. وهي التي لاتزال مستمرة .. فهي المرحلة التي حملت في ثناياها اهم ملفات وقضايا الفساد .. كبيرة وصغيرة وهي التي يشهدها المواطنون ويعايشونها منذ فترة غير قصيرة .. رغم ما صاحبها من مفارقات كانت ايجابية في بعضها وسلبية في البعض الاخر الامر الذي كان يثير عشرات الاسئلة عند المواطنين المتلهفين والمتابعين والمراقبين لما يجري .. وخاصة اولئك الذين يستعجلون القبض على الفاسدين وفضح ممارساتهم وايداعهم وراء القضبان .. واسترداد ما نهبوا او استرداد جزء كبير مما نهبوا .
ولا أُخفيكم سرا أن فتح بعض ملفات الفساد لم تكن سهلة ولا ميسرة .. لأن بعض الفاسدين ان لم يكن كلهم -- وهذا ما قلته اكثر من مرة – استعانوا في حبك فسادهم ولصوصيتهم بخبراء ماليين وقانونيين باعوا ضمائرهم مقابل اجر بخس او عمولة دنئية .. و استثمروا ما وصلت اليه التقنيات الحديثة من وسائل لإخفاء معالم فسادهم .. وجيّشوا بعض مراكز القوى وأشخاصاً موتورين لاتهام الهيئة بالانتقائية أو التعامل مع القضايا الصغيرة دون الكبيرة وما إلى ذلك من اتهامات .
إن المتتبع لما أنجزته الهيئة التي طرقت ابواب كل الفاسدين دون تمييز وفق ما يوفره لها قانونها من صلاحيات واختصاصات يلحظ زيف الاتهامات التي توجه اليها بانتظام .. اتهامات لا نلتفت اليها ولا نعيرها اهتماما .. بل فهمنا منها اننا على الطريق الصحيح .. خاصة أننا نتسلح بدعم وتشجيع وحدب جلالة الملك حفظه الله وتوجيهاته السامية سواء كانت توجيهات مباشرة لنا او من خلال تأكيداته وحثه المستمر للحكومات المتعاقبة على محاربة الفاسدين وتجفيف منابع الفساد وانه : " لا احد فوق القانون ولا احد فوق المساءلة ولا حصانة لمسؤول مهما بلغت مرتبته الاجتماعية او علا موقعه الوظيفي .. وقد تداولت وسائل الاعلام كافة .. اسماء شخصيات فاسدة كان لها وزنها وثقلها في المجتمع لكنها الان اصبحت اما هاربة او متوارية عن الانظار او وراء القضبان ؟
وأرجو ان لا يتبادر الى ذهن اي احد منكم ان الصعوبات التي كانت تواجهنا تعني بأننا تعرضا أو نتعرض يوما لأي شكل من اشكال التدخل او الضغوط إنما كانت وما زالت صعوبات تنحصر في حجم وطبيعة بعض ملفات الفساد وبما هية التجاوزات المالية والادارية والقانونية .. وكذلك في كثرة وثائقها واوراقها التي تحتاج الى خبـرات محاسبية وقانونية ومترجمين ..
ناهيك عن ان بعض الفاسدين اتلفوا وثائق كثيرة كانت مخزنة على اجهزة حواسيبهم لكننا استطعنا الوصول اليها و استرجاعها بوسائل تقنية لم يفطن اليها الفاسدون بعد .
أيها الأعزاء ،
لقد اضرت ممارسات وقرارات اتخذت بشأن بعض ملفات الفساد بجهود الهيئة التي بذلت على مدى عدة اشهر واساءت الى مصداقية الاردن بين دول العالم .. ولربما تؤثر سلبا على مؤشر مدركات الفساد لعام 2012 الذي حقق ايضا تراجعا خلال العام الماضي .. وبأعتقادي ان ما جرى لن يكون نهاية المطاف لأن حقوق الوطن لا تضيع مع مرور الايام وحقوق ابنائه لن تنسى مهما أُتخذ من ترتيبات ..
عموماً فإن هيئة مكافحة الفساد ماضية في اداء واجباتها وممارسة اعمالها بعزيمة جسورة وقد استطاعت اجراء تعديلات على قانونها لتوفير الغطاء القانوني اللازم لعملها وليكون اكثر مواءمة لاحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ولسد الثغرات والاحتياجات التي استدعتها المعطيات الجديدة .. ومن اهم التعديلات تلك المتعلقة بتقديم المساعدة القانونية المتبادلة ما بين الدول لغايات تبليغ المستندات القضائية .. تنفيذ عمليات التفتيش والحجز والتجميد وتبادل تقديم المعلومات والمواد والادلة وتقديم اصول المستندات والسجلات الحكومية أو المصرفية أو المالية أو سجلات الشركات أوالمنشات التجارية .. تحديد العائدات الاجرامية او الممتلكات او الادوات او الاشياء الاخرى او اقتفاء اثرها واستردادها سواء كانت الاموال داخل المملكة أو خارجها وتسليمها لمستحقيها.
وكذلك فرض عقوبات جزائية على الجهات والمؤسسات التي تمتنع عن تقديم المعلومات أو البيانات أو الوثائق الخاصة بقضايا فساد، وبذات الوقت منح هيئة مكافحة الفساد صلاحية التدقيق الفني أو المالي أو الاداري على اي من الاشخاص او الهيئات او الوزارات او المؤسسات أو النقابات او الجمعيات او الشركات التي تخضع لرقابتها.
وقد شدد التعديل العقوبة المفروضة على موظفي الهيئة في حال افشائهم لاي معلومات سرية تتعلق بالتحقيق، وينصرف ذلك على جميع العاملين في الهيئة ومن في حكمهم حتى بعد انتهاء عملهم في الهيئة او انتهاء المهمة الموكولة لديهم .
كما شمل التعديل خضوع الموظف العمومي الاجنبي وموظفي المؤسسات الدولية العمومية لأحكام قانون هيئة مكافحة الفساد عند ارتكابهم لاي من افعال الفساد .. كما منح التعديل الهيئة صلاحية وقف العمل بأي عقد او اتفاق او منفعة او امتياز تم الحصول عليها نتيجة افعال الفساد من خلال طلب يقدم الى المحكمة المختصة مع التأكيد على امكانية ابطال هذا العقد او فسخه في حال ثبوت ارتكاب اي من افعال الفساد بقرار من المحكمة التي تنظر القضية.
ووفر التعديل الحماية اللازمة للمبلغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد لحمايتهم من اي اعتداء او انتقام او ترهيب، كما اجاز التعديل اعفاء الشريك او المتدخل او المحرض من ثلثي العقوبة المترتبة على ارتكاب اي من افعال الفساد في حال تقديم ادلة او بيانات ادت الى استرداد الاموال المتحصلة عن جرائم الفساد، وقد استثنى التعديل شمول جرائم الفساد بأحكام التقادم، ومنح المحكمة التي تنظر اي من قضايا الفساد صلاحية الاستمرار في نظر دعوى الفساد حتى لو تحققت اي من حالات موانع العقاب او انتفاء المسؤولية لغايات البت في استرداد الاموال المتحصلة من الفساد.
ومنح التعديل الهيئة كذلك صلاحية انشاء حساب لدى البنك المركزي لغايات الاحتفاظ بالاموال المتحصلة من افعال الفساد التي تم استردادها او الحجز عليها لحين تسليمها لمستحقيها .
السيدات والسادة ،
لا بدّ في هذا المقام من التاكيد على ضرورة تضافر جهود شرائح وقطاعات المجتمع كافة لتطهير المجتمع من الفاسدين واعوانهم وترسيخ قيم العدالة والمساواة في المجتمع .. وزرع بذور الفضيلة والاخلاق الحميدة وهذا لن يتأتى بين يوم وليلة او بين عشية وضحاها بل يحتاج الى سنوات وسنوات لكن المهم ان نبدأ .. وقد بدأنا فعلا ولا ينقصنا الا مزيد من التنسيق والجدية في التعامل مع الممارسات الخاطئة ..
واسمحوا لي أن أكون اكثر وضوحاً معكم واكثر جرأة فليس كل العاملين في القطاع الخاص ملائكة وليس هذا القطاع في منأى عن الفساد وصوره بل لعل الجرأة في ممارسة الفساد عند بعض شرائحة اكثر وضوحا منها في القطاع العام .. وقد تعاملنا مع عدة ملفات بلغت التجاوزات المالية فيها عشرات الملايين من الدنانير والتي تعود ملكيتها في الاصل الى صغار المساهمين .. لذا يجب على القائمين على هذا القطاع ويجب على قياداته البحث المتواصل عن بؤر الفساد ومحاصرتها .. لا تغذيتها ، لقد وجدنا ان وراء بعض حالات الرشوة وخاصة في مجال التحايل للتهرب من دفع الضرائب والرسوم الجمركية مستثمرون من القطاع الخاص بمساعدة مقدرين او مخمنين رسميين .
وكلنا يعرف ان تفشي الفساد في اي مجتمع يعتبر عامل طرد للمستثمرين محليين أو أجانب .. ويعرقل فرص الاستثمار لأنه يساهم في زيادة كلفته ويخلق بيئة غير شريفة .. يتزايد فيها جشع الموظفين المكلفين بخدمة المستثمرين كلما زادت فرص نجاح المشروعات الاستثمارية ..
كذلك كان بعض العاملين في القطاع الخاص يستغلون ما كانت تغفل عنه دائرة مراقبة الشركات او ما كانت تتساهل بشأنه هيئة الاوراق المالية ، ولكن مثل هذه الامور ضبطت الان .
إن تشغيل عمالة متواضعة الامكانات او الكفاءة باجور زهيدة لا تسد ابسط متطلبات حياتها المعيشية او على العكس دفع اجور لا تتناسب مع ما عليه العاملون من مستوى عال من الكفاءة يجعل بعض هؤلاء العاملين اكثر عرضة للانحراف المادي او للاهمال الوظيفي الذي يرتب خسائر اكيدة على المنشآت التي يعملون فيها .. فيما يرتكب بعض رجال الاعمال مخالفات مالية مثلا بمساعدة موظفيهم مما قد يشجع هؤلاء على تقليدهم او ابتزازهم من اجل السكوت على أفعالهم .
اذن على القطاع الخاص دور مهم وجوهري في مكافحة آفة الفساد والتوعية من شرورها على المجتمع وبالتالي على مصالحه .. وكذلك عليه واجب مناصرة الهيئة في جهودها .. التي تعطي محور الوقاية والتوعية جل اهتمامها .
ولعلكم تذكرون اللقاء التشاوري التنسيقي الذي عقدته الهيئة اواخر شهر شباط الماضي وشاركت به جمعيتكم و 40 مؤسسة مجتمع مدني والذي سيتبعه عقد مؤتمر موسع انشاء الله مستقبلا لتعظيم تعاون الهيئة مع مؤسسات المجتمع المدني .. كما ان الهيئة تفكر جديا باشراك ممثلي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي ينتهي العمل بها نهاية هذا العام واشراكهم في اعداد الاستراتيجية الجديدة .
الأخوة والأخوات .. كثير من الموضوعات لم اتناولها بحديثي اليكم لأني على يقين بان مناقشاتكم وربما اسئلتكم ستتناولها .
أشكركم مجددا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
سـميح بينـو/رئيس هيئة مكافحة الفساد